بداية مفاوضات أميركية – روسية حول سوريا

18

تضاربت المواقف الدولية من الازمة السورية، لا بل انها وصلت الى حد التناقض ما بين اعلان موقف ومن ثم التراجع عنه بالكامل كما حصل مع روسيا. وترافق كل ذلك مع خطوات عسكرية لجهة نشر الولايات المتحدة الاميركية صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ مع 400 عسكري، فيما حذرت موسكو وتكلمت طهران بلغة حربية. كل ذلك جعل من الصورة غير واضحة الرؤيا فما الذي حصل؟

لا شك في ان كلام نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف شكل مفاجأة صادمة لمتابعي الازمة السورية لناحيتين. الاولى وتتعلق بالالتزام الروسي الكامل بالنظام السوري، والثانية لناحية المضمون من خلال اعتبار النظام يوشك على فقدان السيطرة وهو ما ينافي الحقيقة حيث تتحدث الاوساط الدبلوماسية الاوروبية عن استمرار تماسك القوة العسكرية المؤيدة للنظام لا بل عن وجود قوة من النخبة تناهز الـ 60 الف جندي ما تزال في وضع الاحتياط ولم يجر استخدامها بعد.

ولم يبدد النفي الصادر عن موسكو لكلام بوغدانوف الاعتقاد الذي ساد بوجود “مستجدات” على المستوى الروسي بدليل ان هذا النفي انّما تأخر 24 ساعة، اضف الى ذلك ان المعروف عن بوغدانوف انه ديبلوماسي من الطراز الرفيع ويحظى باحترام واسع.

اذاً ما الذي املى على موسكو اصدار موقفها هذا؟ المطلعون يعزون السبب الى بدء المفاوضات الاميركية – الروسية حول الوضع السوري ما يعني ان الرسالة السورية تتعلق حكماً بما يدور داخل غرف التفاوض.

فالعهد الذي قطعه الرئيس الاميركي باراك اوباما للمسؤولين الروس حول استعداده لفتح ابواب المفاوضات في حال اعادة انتخابه باشر بتنفيذه حتى قبل اكتمال فريق عمله الجديد.

وصحيح ان الملف الاميركي – الروسي شائك ومعقد وكبير، الا ان الازمة الاقتصادية الاميركية والتي تتزايد جديتها اضافة الى الوضع الداخلي الروسي يشكلان عاملاً ضاغطاً للتوصل الى تسوية دولية ما.

وعلى هذا الاساس يندرج كلام الاخضر الابراهيمي وتحركه الجديد والذي جاء مباشرة بعد كلام المسؤول الروسي. وهذا ما جعل الاوساط الدبلوماسية تعتقد ان الرسالة الروسية عبر بوغدانوف انما كانت موجهة الى الرئيس السوري الذي بات يشعر انه في موقع قوة وانه قادر على قلب المعادلة الداخلية نهائياً وهو الذي يستعد لما بات يعرف بمعركة دمشق.

فالكلام الذي يتردد في الكواليس الديبلوماسية ان التسوية حول الملف السوري ستعتمد على ركائز اساسية وهي:

– توزيع السلطة في الداخل بين الطوائف من خلال اشراك المعارضة السورية المعترف بها دولياً في الحكومة واعطاء رئيس الحكومة صلاحيات اوسع من خلال دستور جديد.

– المحافظة على التركيبة الامنية – العسكرية الحالية والتي باتت تعرف بتركيبة النظام واعطاءها القرارين الامني والعسكري والسياسة الخارجية، ولو من خلال استبدال بعض الأسماء الحالية بأسماء غير مشهورة، او انها ما تزال مغمورة.

– مغادرة الرئيس السوري السلطة مع نهاية ولايته في العام 2014 على ان يمنح ضمانات كاملة له ولعائلته وللمقربين منه وانتخاب رئيس جديد من الطائفة العلوية.

وحسب هذه الاوساط فان الرئيس السوري الذي بات يشعر بانه تخطى الخطر العسكري وحيث انه يستعد لتحسين وضعه العسكري على الارض، ابلغ الذين حاولوا جس نبضه رفضه للبند المتعلق به على اساس ترك حرية الترشح له لولاية ثانية “وصندوقة الاقتراع هي التي تقرر”. وجاء كلام ميخائل بوغدانوف في هذا الاطار كرد روسي على موقف الاسد ولو انه جاء وفق جرعة قوية وحادة نوعاً ما.

وصحيح ان “النفي” الروسي لكلام بوغدانوف جاء متأخراً وبشكل متعمّد، الا ان الاهم ما اعلنته وزارة الخارجية الروسية بانها لا تجري محادثات حول مصير الرئيس الاسد او حول اخراجه من البلاد.

وفي هذا التوضيح ما اراح العاصمة الايرانية والتي ما تزال حتى الساعة خارج الاطار الفعلي للمفاوضات حول سوريا. وعلى هذا الاساس حصل الاجتماع السوري – الايراني الروسي – الصيني في بيروت.

واضافة الى الرسالة “الغامضة” التي ارادها المجتمعون حول توافقهم وتفاهمهم الكاملين حيال الازمة السورية، لا بل حيال السياسة في الشرق الاوسط في خطوة ديبلوماسية شكلت سابقة، فان رسالة ضمنية حملها اللقاء في اختياره الساحة كمكان للاجتماع ربما يشبه القول إن الاجتماع لم يكن رباعياً بل خماسياً.

كل ذلك المشهد يتوافق الى حد بعيد مع الكلام الذي نقل عن لسان احد السفراء الذين شاركوا في اللقاء الرباعي في بعبدا حين قال: هنالك بالفعل بداية مفاوضات روسية – اميركية تشمل الوضع في سوريا، لكن الطريق ما يزال طويلاً قبل الوصول الى نتيجة.

الا ان واشنطن التي تئن تحت ثقل الازمة الاقتصادية، تبدو مستعجلة للوصول الى تسوية حول سوريا لأسباب عدة ابرزها:

1- تفتح باب التسويات وفق شروط افضل في مرحلة لاحقة مع ايران حول الملف النووي.

2- تسمح بتحريك الاقتصاد الاميركي من خلال ورشة اعادة الاعمار السورية والتي تقدّر حتى الآن بحوالي مئة مليار دولار، اضف الى ذلك انها ستخفض مستوى التوتر في المنطقة وستخفف من الضغط الذي تعيش تحته آبار النفط في الخليج.

3- اغتنام فرصة انشغال اسرائيل بانتخاباتها الداخلية، لاسيما وان مراكز استطلاع الرأي تعطي فرصة كبيرة لعودة نتنياهو وفريقه الرافض لاي تسوية اميركية – ايرانية.

4- تعاظم قدرة المتطرفين الاسلاميين في سوريا والخلايا الارهابية. وتحصي الدوائر الاميركية ما مجموعه 60 عملية انتحارية نفذتها جبهة النصرة في سوريا منذ بداية العام الحالي.

لكن الاجواء الايجابية التي لفحت المنطقة انعكست مباشرة على لبنان، كونه يتأثر مباشرة بتطوّر الاوضاع السورية. فانتعش الحديث عن احتمال حصول تسوية حول قانون الانتخابات يليه تشكيل حكومة تشرف على العملية الانتخابية برئاسة مصرفي معروف وبعضوية وزراء تقنيين لن يشاركوا في الانتخابات كمرشحين.

لكن هذا التفاؤل وإن كان له ما يبرره خارجياً، الا انه يظلّ مبالغاً فيه، طالما ان العراقيل امام انجاز التسوية الاقليمية ما تزال موجودة، هذا اذا لم تنجح هذه العراقيل فعلياً في اجهاض هذه التسوية، او على الاقل اطالة موعدها.

الاوسط