الأكراد من صديق طارئ إلى لاعب دائم

72

إلى جانب الظروف المحيطة بالقضية الكردية في هذه المرحلة، ثمة ميزة لدى الأكراد تجعلهم ينفردون عن باقي شعوب المنطقة. ذاك أنهم لا يلتفتون إلى ماضيهم كثيراً، ولا تخلّف انكساراتهم وإخفاقاتهم في ذاكرتهم الجمعية جروحاً لا تندمل، علاوة على أنهم لا يحملون «عقدة الاستعمار» تجاه مستعمريهم، لا السابقين ولا الحاليين، كتلك التي يحملها العرب، عادة، تجاه الأوروبيين والغرب بصفة عامة.

من جهة أخرى، ثمّة اعتقاد لدى الأوساط الكردية، السّياسية والثّقافية، مفاده أن ما يجري اليوم في المنطقة لا تمكن مقارنته بما حدث في عقود ماضية. وذلك لجهة الحديث عن تغييرات جذرية مرتقبة في الشرق الأوسط، وبعد أن بات بحث مشاريع إعادة تشكيل صورة المنطقة أكثر وضوحاً وجديّة من ذي قبل. إذ يبدو من سياق السيناريوات المُعلنة في هذا الإتجاه، أن الأمر لم يعد مقتصراً على السماح أو القبول بإسقاط بعض الأنظمة القمعية، التي كان يُراهَن عليها سابقاً في حفظ بعض التوازنات الإقليمية، أو حماية المصالح العابرة للقارات، مقابل التغاضي عن ممارساتها وانتهاكاتها بحق شعوبها، طالما أنها لا تشكل تهديداً مباشراً للأمن والسّلام الدوليين.

يُدرك الأكراد، اليوم، جيداً، أن جانباً من أولويات القوى العظمى قد تغيّر، وأن مكافحة ظاهرة الإرهاب الإسلامي باتت عنواناً رئيساً لاتفاق دولي، ليس فقط في مواجهة جماعات دينية متطرفة، تهدد أمن وسلامة المدنيين في العالم، وإنما، أيضاً لمحاصرة البيئات التي نشأت فيها، وانطلقت منها. ويبدو من واقع الحال ومن سير الأحداث، أن محاصرة هذه البيئات وعزلها دفعا مراكز القرار الدولي إلى التفكير جدياً في إقتراح خرائط جديدة للمنطقة، تسمح بتشكيل طوق محكم حول الجماعات المتطرفة وبيئاتها الحاضنة.

وإذا كانت الحجج الإستراتيجية والذرائع الاقتصادية قد حالت سابقاً دون الإعتماد على الأكراد، كحلفاء دائمين في المنطقة، فإن التحديات الوجودية، في الوقت الراهن، باتت تحتّم هذه العلاقة، وتُخطط لجعلها ركناً أساسيّاً في إستراتيجية دولية لمواجهة الإرهاب، وتجفيف منابعه، انطلاقاً من قناعةٍ بأن عزل المناطق الحاضنة للإرهاب سيضع المجتمعات المحلية في اختبار مواجهة ظاهرة الإرهاب في بيئاتها بنفسها.

من هذه الزاوية بالتحديد يجب النظر إلى العلاقة الجديدة مع الأكراد في المنطقة عموماً، لجهة أن مناطقهم في سورية والعراق بإمكانها أن تشكل جزءاً كبيراً من طوق بشري وجغرافي حول المناطق المنتجة / المصدرة للإرهاب الإسلامي، لا سيما بعد أن أثبتت المجتمعات الكردية قدراً كبيراً من الرفض والنفور تجاه ظاهرة الإرهاب الديني، وشجاعة لا مثيل لها في محاربتها، حتى أصبحت القوى الكردية في سورية والعراق جزءاً مهماً من تحالف دولي عريض لمحاربة الإرهاب، يُشار إليها بالبنان، كلما جرى حديث عن نجاحاتٍ في مكافحتها، وعن تقليص المساحات التي يهيمن عليها تنظيم «داعش» في سورية والعراق.

وإذا كان الأكراد، خلال تاريخ طويل من التجاهل والتهميش لطموحاتهم، يتطلعون إلى الالتقاء مع مصالح الدول العظمى، فإن الظروف والمستجدات الراهنة تقدم لهم فرصة على طبق من ذهب لتحقيق هذا الهدف. وذلك بعدما باتوا مرشحين للعب دور أساسي في رسم مستقبل المنطقة، وركناً رئيساً في إستراتيجية إعادة تشكيلها، وفق أولويات أوروبية وأميركية مغايرة عما سبق.

تبقى في الأخير أهمية أن يعي الأكراد أنفسهم مصالحهم جيداً، ويدركوا حاجة الآخرين إليهم، بعد أن كانوا يتوقون شوقاً إلى لفتة عطف من الآخرين عليهم. وإذا كان في نيتهم، بالفعل، أن يكونوا مهمين، من حيث المساهمات والأدوار في عالم اليوم، فإن على عاتقهم تقع مسؤولية كبيرة، من شأن التصدي لها، وإدارتها في الشكل الصحيح، رفع موقعهم، لأول مرة في تاريخهم، من مرتبة صديق طارئ إلى مصاف حليف دائم.

زيور العمر 
الحياة


يُحسب للأكراد في سورية، منذ اندلاع الثورة السورية قبل أكثر من خمس سنوات، أنهم سجّلوا حضوراً مستمراً، ومهماً، في واجهة الأحداث. وكان لافتاً للنظر، تلك المرونة والقدرة على المزاحمة، في جو يعجّ بقوى محلية ولاعبين إقليميين ودوليين، سعياً وراء مشاركة ودور في رسم ملامح مستقبل سورية، يلبي طموحاتهم، ويضمن حقوقهم مستقبلاً. والسؤال الذي يدور، اليوم، في الأذهان، ويشكل حيّزاً مهماً من النقاش العام هو: هل يتحوّل الأكراد من مجرّد أدوات في لعبة أمم، اعتادت استغلالهم، كلما اقتضت الحاجة إلى تحقيق مصالحها، وتنفيذ مخططاتها في المنطقة، أم أنهم باتوا، اليوم، لاعبين أساسيين، لا يمكن تجاهلهم وإقصاؤهم عن طاولة البحث عن حلول مستدامة لمشكلات المنطقة، التي شكلت قضيتهم أحد أهم معالم أزمتها، لعقود من الزمن؟ أو، بالأحرى، هل يتحوّل الأكراد من ضيف طارئ على مشهد صراعات المنطقة وتناقضات أطرافها، إلى لاعب دائم ومؤثر في صياغة مستقبلها؟