الجيش السوري ينفذ سياسة “الأرض المحروقة” تعديلاً للمشهد الاقليمي العام

22
خلافاً لما كان يعود به زوار العاصمة السورية منذ أسابيع طويلة من أجواء لا تخلو من القلق والحذر، وصلت في بعض الأوقات الى حد الخوف الكامل من نجاح الغرب والدول العربية الدائرة في فلكها باسقاط  نظام الرئيس السوري بشار الأسد وفي أحسن الأحوال تقسيم سوريا بعد تدميرها، عاد أحدهم منذ ساعات قليلة ناقلاً عن القيادتين العسكرية والسياسية أجواء مختلفة عن تلك التي سادت في الاسابيع الأخيرة، أي منذ محاولة المعارضة المسلحة الرابعة اقتحام العاصمة دمشق عبر مدخلها  الشمالي، غير أن تطورات الأيام الأخيرة الماضية غيّرت المعطيات وبدلت المشهد، لاسييما بعد أن نجح الجيش السوري في التضييق الشديد على قيادات جبهة “النصرة” في احياء مدينة جوبر في ريف دمشق، وذلك بعد لجوئهم إلى أنواع جديدة من الاستراتيجيات الدفاعية كان الخبراء الروس قد نصحوا بها في أوقات سابقة، وهي تعتمد بحسب ما يطلق هؤلاء عليها تسمية “معارك الأبواب الثلاثة”، أي ترك منفذ واحد للدخول ومن ثم اقفاله وجعل المنطقة المقفلة أرضاً محروقة، بحسب التسمية العسكرية المعتمدة من قبلهم، ما يؤدي بالنتيجة إلى خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.
في هذا السياق، يطرح المراقبون أكثر من علامة استفهام حول الهدف المستور من وراء تحويل العمليات العسكرية حول العاصمة إلى حرب شوارع عنوانها “الكر والفر” من جهة، ومعارك استنزاف طويلة الأمد من جهة ثانية، بيد أن قدرات الجيش السوري ما زالت على ما هي في ظل جسر جوي مفتوح لم يتوقف عند حدود الدعم اللوجستي والعسكري، بل تعداه إلى انتقال الخبراء الروس بشكل غير مسبوق، ما يطرح أكثر من سؤال حول ما اذا كان حلفاء سوريا أنفسهم يرغبون في حسم الميدان أم أنهم يتبعون سياسة “العصا والجزرة”، تحقيقاً لمكاسب دولية واقليمية أهم بكثير من تلك التي يحققها الحسم العسكري.
في الموازاة، يعرب هؤلاء عن اعتقادهم بأن الأسابيع القليلة المقبلة قد تحمل أكثر من جديد على مستوى الاتصالات الجارية بين واشنطن وموسكو، ما سينعكس ايجاباً على مجريات الأزمة السورية أكان لجهة أعطاء الضوء الأخضر للجيش السوري لضرب المجموعات المسلحة، التي تدرجها واشنطن على لائحة الارهاب الدولي، أم تحضير الأرضية المناسبة لبدء حوار مباشر بين النظام المدعوم روسياً والمعارضة الخارجية المدعومة أميركياً وعربياً، بحيث ينقل هؤلاء الزوار عن الرئيس الأسد أن هناك اتصالات من تحت الطاولة بين أركانه وبعض قيادات المعارضة من شأنها أن تجد بعض الحلول وتؤسس لأرضية خصبة للبدء بحوار مباشر يؤدي إلى تشكيل حكومة انتقالية قد تبصر النور في منتصف الصيف المقبل، لاسيما في حال نجح النظام بتصفية أجنحة المعارضة المتشددة والقضاء عليها، وذلك بعد جملة تطورات سياسية على غرار ترويض “الائتلاف الوطني” واقفال الاردن لحدودها مع سوريا، وبالتالي الحد من فعالية جسر التموين البري المفتوح بين تركيا وريف حلب.
ويخلص زوار الساعات الأخيرة إلى التأكيد على تحول واضح في المشهد الميداني لمصلحة الجيش، وهذا عائد إلى مشروع روسي أميركي يقضي بالمحافظة على الستاتيكو الراهن بانتظار ما ستحمله اتصالات الأيام القليلة المقبلة بين الدولتين من محطات مفصلية تنعكس على المسارات ليس في سوريا وحسب بل في لبنان أيضاً. 

النشرة