الضباب في «سوتشي» يغطي إدلب

41

على المراقب في الشؤون السياسية أن يكون بعيداً عن العواطف لكي يستطيع أن يرى الصورة الكاملة للأجواء السياسية والاتفاقيات المرتبطة بها، وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن يلغي الباحث إنسانيته وتوجيه رأيه تبعاً لمصلحة الإنسان مهما كانت ديانته أو عرقه، فالمسألة السورية على سبيل المثال بالرغم من تعقيداتها الدولية والإقليمية والجيوسياسية إلا أن حياة الإنسان هناك أهم من أي مصالح أو توازنات دولية برأيي الشخصي، إلا أن هذا لا ينطبق على إدارات الدول المشتركة بهذا الصراع بمجملهم، فلا تركيا يهمها نجاح الثورة السورية وكما أن الإدارة الروسية لم تضع مصلحة الإنسان السوري في مناطق النظام كأولوية لتدخلها في سوريا، الجميع يرى مصالحه ويسير خلفها دون النظر لمصلحة السوري البسيط.
في السابع عشر من الشهر الماضي شهدت مدينة سوتشي الروسية اجتماعا عالي الأهمية لمستقبل الثورة السوري بشكل عام، جمع الرئيس التركي أردوغان ونظيره الروسي بوتين، تباحثا خلاله مستقبل آخر قلاع الثورة السورية في إدلب ومحيطها لمدة أربع ساعات متواصلة ونتج عنه اتفاقا اعتبر منعطفاُ لمستقبل المسألة السورية بشكل عام، فالرئيسان توصلا لإعلان منطقة منزوعة السلاح تمتد على طول خط النار ما بين قوات الأسد وحلفائه الإيرانيين وميليشياتها من جهة والمعارضة السوري المسلحة بجميع أطيافها من جهة أخرى، مع تفاصيل أخرى مرتبطة بمواعيد زمنية محددة منها سحب السلاح الثقيل من المعارضة السورية المسلحة بالإضافة لمحاربة المجموعات المتشددة في هذه المنطقة، قوبل هذا الاتفاق بدعم إيراني سريع وموافقة مسبقة من نظام الأسد، كما اعتبر العديد من الناشطين السوريين الداعمين للثورة هذا الاتفاق انتصاراً لصمود سكان إدلب وتحركاتهم الشعبية خلال الأسابيع الماضيين، ويبقى السؤال الأهم ضمن هذا الجو من التفاؤل عن المستفيد الأكبر المعارضة السورية المسلحة أم نظام الأسد؟
في البداية هذا الاجتماع أتى من بعد أسبوع ونيف على اجتماع طهران الذي شهد توترا علنيا ما بين تركيا وروسيا والذي انتهى دون التوصل لنقاط مشتركة بين الطرفين، فكلا الدولتين ترى سوريا بعين المصلحة لا أكثر وعلى هذا يجب أن نوضح مصلحة الدولتين في سوريا بشكل عام.
روسيا: منذ بداية الثورة السورية كان من الواضح الاصطفاف الروسي لجانب نظام الأسد فموسكو التي خسرت نفوذها في كل من العراق نتيجة الغزو الأمريكي لها عام 2003 وتبعها خسارة صديقها القذافي في ليبيا من بعد تدخل الناتو هناك دعماً لمصالحه المحصورة بالغاز الليبي، رأت موسكو بالأسد آخر أحجارها على المتوسط كما استفادت من التراخي الأمريكي أو بالأحرى الضوء الأخضر الأمريكي في سوريا، وترتبط المصلحة الروسية في سوريا بشكل أساسي على أنها نقطة نفوذ عسكري هام لموسكو بالأخص مع سيطرة الإدارة الروسية على شبه جزيرة القرم المطلة على البحر الأسود فسوريا تعد بوابة روسيا لحجز نفوذ في منطقة الشرق الأوسط عموماً، كما ان الغاز والنفط والفوسفات السوري جائزة معقولة، فيما تعد أموال إعادة إعمار سوريا الوجبة الأهم لموسكو، فالتقديرات الدولية لإعادة إعمار سوريا تزيد عن الـ 500 مليار دولار. وفي خضم العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأمريكية على موسكو تشكل سوريا متنفسا لموسكو، وعلى ما سبق ترى الإدارة الروسية بالمعارضة المسلحة السورية عقبة يجب إنهاؤها بأي شكل من الأشكال، فيما ترى بأكراد سوريا المدعومين غربياً وأمريكياً بشكل أساسي يمكن التعامل معهم وإرضائهم من خلال تنفيذ الحل العراقي بإعطائهم الفيدرالية هناك.
وعلى هذا فإن اتفاق إدلب في سوتشي ليس إلا تأجيلا لمعركة لن تتراجع عنها موسكو، وما ذكره بوتين في اجتماع طهران صراحةً على أن جميع الأراضي السورية أولاً وآخراً يجب أن تعود لسيطرة النظام السوري فهذا الأمر يجعل من اتفاق سوتشي مرضيا للأسد.
تركيا: مع بداية الثورة السورية دعمت أنقرة الثوار السوريين هناك دبلوماسياً في ظل نجاح الربيع العربي في كل من تونس ومصر، فالأفضل لأنقرة أن تكون بجوار حكومة صديقة لها، ومع تعقد المشهد السوري انحصرت المصلحة التركية لدفع الخطر عنها المتمثل بالميليشيات الكردية الصاعدة في الشرق السوري فكانت عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون.
ومع تراجع سيطرة المعارضة السورية المسلحة في الجغرافيا السورية عموماً، أصبحت ورقة إدلب آخر أوراق تركيا ضمن المسألة السورية وبخسارتها في الوقت الحالي يعني خروج تركيا من طاولة الحل النهائي في سوريا كما سبقتها السعودية وقطر ومصر والأردن، فالطرح التركي لحل أزمة إدلب ومحيطها يقوم على أن أنقرة مستعدة للجلوس والوصول لحل نهائي لها ما بعد الوصول لحل يرضي أنقرة بما يخص الشرق السوري، كما أن الأجواء المحيطة بالشرق الأوسط عسكرياً توحي على أن تطوراً عسكرياً قد يبدأ قريباً والهدف إيران وأذرعها، وبالتالي كسب الوقت في مصلحة أنقرة أيضاً.
من المؤكد أن اتفاق سوتشي بالرغم من كل سلبيته وضبابية نقاطه المعلنة وغير المعلنة استطاع أن يجنب الموت عن آلاف المدنيين السوريين في إدلب ومحيطها، إلا أن هذا لا يعني بأي شكل أنه حبل النجاة والطريق السليم لتحقيق الثورة السورية أهدافها، وبالوقت الذي تتدارس الدول اللاعبة في المسألة السورية أفضل الطرق للحفاظ على مصالحها في سوريا تتبعثر المعارضة السورية السياسية بين الداعم والمصالح الشخصية، ويبقى الجواب عند القيادات العسكرية في إدلب فإما أن يكونوا دبلوماسيين مع حليفهم التركي ويقبلوا اتفاقا يحفظ دماء المدنيين في إدلب لكنه قد يكون الخاتمة لآخر صفحات الثورة السورية، أو أن يعيدوا ترتيب أوراقهم ويستغلوا المنعطف الدولي الآتي على المنطقة.
قد التقت المصلحة التركية مع الثوار في سوريا فدعمتهم عسكرياً ضمن المسموح به ودبلوماسياً ضمن المُرضي لهم، كما التقت المصلحة الأمريكية مع أكراد العراق في مرحلة سابقة، وكما باعت واشنطن أكراد العراق أمام إيران وأنقرة العام الماضي، ستقدم أنقرة إدلب ومحيطها على طبق من ذهب للروس بمجرد أن تأخذ ضمانات بمنع الخطر الكردي في الشرق السوري.
فكما قال محمود درويش : فهل سيسفر موتنا عن دولةٍ أم خيمةٍ ؟ 
فيا ثوار سوريا لا تبدلوا حلمكم من دولة يسودها العدل والحرية بخيمة على الحدود السورية التركية …

إيفا كولوريوتي
المصدر: القدس العربي