الاقتصاد السورى يواصل نزيفه رغم انحسار الضربة العسكرية

14
رغم انحسار الضربة العسكرية الغربية ضد سوريا فإن الاقتصاد السوري لا يزال يواصل تدهوره تحت ضغط من زيادة تكاليف العملية العسكرية التى يقودها نظام الاسد ضد المعارضة وتراجع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي وزيادة الأسعار وانهيار الليرة السورية.

وفي الوقت الذي كان ائتلاف بقيادة الولايات المتحدة يستعد لتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا ردا على استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية ضد معارضيه ، تبدو نذر تفكك الإقتصاد السوري وانهياره بعد فترة طويلة من الضعف والتآكل ظاهرة للجميع.

ومنذ اندلاع الثورة السورية في منتصف مارس 2011 واستخدام النظام مختلف أنواع الأسلحة لقمع المحتجين بما في ذلك المدفعية والدبابات وأحيانا الطائرات ، عانى الاقتصاد كثيرا ودخلت مختلف قطاعاته إلى طريق مسدود.

فالمواد الغذائية في الأسواق أصبحت نادرة والعملة السورية انهارت وأصيبت الصناعات بالكامل بالشلل وتوقفت حركة السياحة والصادرات، وعلى الرغم من أن النظام السوري فرض ستارا من السرية على الأرقام الحقيقية الخاصة بتأثير الحرب الأهلية على الإقتصاد إلا أن ثمة مؤشرات على خطورة الوضع الاقتصادي القائم.

فالخبراء يقدرون أن ما نسبته 75% من منشآت الإنتاج في حلب ، العاصمة التجارية لسوريا، لم تعد تعمل، فقد تعرضت بعض المصانع للقصف بينما تم إحراق البعض الآخر أو استخدمه الثوار كحصون، والباقي لم يعد ممكنا الوصول إليه بسبب الموقف الأمني الخطير في المنطقة المحيطة.

كما أن المصاعب في وسائل النقل أصابت القطاع الزراعي، ولم يعد الفلاحون قادرين على زراعة حقولهم أو بيع محاصيلهم، وأصبح الطعام نادرا وسعره باهظا بشكل متزايد، وصار المواطنون السوريون يعانون بشدة وزادت مشاعر اليأس والغضب لديهم، ونتيجة للتوقف الزراعي أضطرت حكومة الأسد لاستيراد الحبوب والأرز والسكر.

كما أثرت العقوبات الاقتصادية التي وقعها الاتحاد الاوروبي ودول أخرى على الاقتصاد السوري سلبا وبشدة، وكانت سوريا تصدر ما نسبته 95% من إنتاجها البترولي إلى أوروبا ولكن هذه الصادرات توقفت حاليا، كما تصدر دمشق بترولها حاليا إلى بضع دول فقط وبأسعار منخفضة إلى حد كبير.

وعلى مستوى سوق الصرف ذكر تقرير لمجلة بيزنس ويك الأمريكية نشر مؤخرا أن العملة السورية تراجعت في السوق السوداء بسبب الضربة المحتملة ليصل سعر الدولار إلى 240 ليرة بعد أن كان قد سجل 195 ليرة منذ أسبوع، بينما بلغ السعر الرسمي وفقا للبنك المركزي 7.123 بينما كان سعره 47 ليرة قبل الثورة.

وتساند بعض الدول مثل إيران والصين وروسيا العملة السورية ولكن ذلك لم يوقفها عن التراجع أمام العملات الدولية بنسبة الثلث تقريبا.

وفي محاولة لمنع انهيار سعر الليرة ووقف المضاربة عيلها أصدر الرئيس بشار الأسد يوم 5 أغسطس الماضى مرسوما يقضي بمنع التداولات التجارية أو التسديدات النقدية بغير الليرة، ويعاقب من يخالف المرسوم بالحبس لمدة تصل إلى 3 أعوام والغرامة المالية ومصادرة المدفوعات.

ويرى الخبراء أن هذه الخطوة لن تساعد على صمود العملة السورية طويلا أمام ضغوط المعركة، خاصة وأن سعر صرف أي عملة تحدده أولا نسبة نمو الإنتاج القومي وأيضا قدرته على التصدير وجذب العملات الإستثمارات الأجنبية إلى جانب حجم الإحتياطيات من النقد الأجنبي.

وتشير التقارير الاقتصادية إلى أنه قبل الحرب الأهلية كان حجم احتياطيات النقد الأجنبي لدى سوريا يقدر بنحو 18 مليار دولار، وعلى الرغم من أن الحكومة لم تعلن عن الرقم الحالي لهذه الاحتياطيات إلا أن وحدة المعلومات الاقتصادية بلندن قدرتها حاليا بنحو 4.5 مليارات دولار، في حين قدرتها مصادر غربية بنحو مليارى دولار فقط.

كما تشير التقارير إلى أن النظام السوري يحاول الوصول إلى ودائع موجودة في حسابات بالخارج وتم تجميدها بمقتضى العقوبات، ومن ناحية أخرى منحت طهران دمشق ائتمانا غير محدود لشراء المواد الغذائية والمنتجات البترولية.

وتسعى الحكومة السورية للحد من الإنفاق العام ووفرت جزءا من مخصصات الدعم ، فقبل الحرب الأهلية أنفقت الحكومة 6 مليارات يورو سنويا على دعم السلع مثل غاز المنازل والكهرباء والوقود، وانخفض هذا الرقم إلى حد كبير عقب قيام الثورة لأنه لا يتم تزويد المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار بالسلع المدعمة، كما أدت الأوضاع الى ظهور السوق السوداء في الأماكن التي تسيطر عليها المعارضة وازدهرت الرشاوى وشبكات التهريب.

السياحة ، التي كانت مصدرا مهما للدخل القومي ومن ركائز الاقتصاد السوري، أصيبت أيضا في مقتل مع استمرار أعمال العنف.

وكانت دول الخليج مصدرا مهما للحركة السياحية والإستثمارات العقارية، وتأثرت السياحة سلبا وجفت إيراداتها التي كانت مزدهرة في السابق حيث بلغت إيراداتها في 2010 ثمانية مليارات دولار، ويرجع ذلك للقصف الذي أدى إلى إحراق أكثر من 500 متجر في سوق حلب التاريخي الذي أدرجته منظمة اليونسكو في قائمة مواقع التراث العالمي، كما أستولى الثوار على عدد من القلاع والمواقع التاريخية بل والحمامات التركية القديمة ليحولوها إلى حصون لهم.

ولم تعد السوق السورية مغرية للإستثمار أو إقامة المشروعات فيها ليس فقط بسبب المخاطر الأمنية وإنما أيضا بسبب تقلص هذه السوق نتيجة هجرة نحو مليوني سوري إلى الخارج منذ بدء الحرب الأهلية وفقا لتقرير حديث صادر عن الامم المتحدة.

وقال تقرير لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن نحو 5 آلاف لاجىء سوري يعبرون الحدود يوميا إلى الدول المجاورة وأكثر من نصف اللاجئين من الأطفال ويتزايد عدد اللاجئين بمعدلات سريعة تثير القلق، فقد تضاعف عددهم خلال الأشهر الستة الأخيرة وبنسبة 10 أمثال العام الماضي كما نزح نحو 4 ملايين آخرين داخل سوريا نتيجة أعمال العنف.

ويبدو أن القطاع الطبي هو الوحيد الذي يواصل نشاطه حيث يبيع الأدوية والمستلزمات الطبية للمصابين وهي منتجات يزداد الطلب عليها مع استمرار الحرب الأهلية الدموية، ومع ذلك تعرض نصف البنية التحتية لنظام الرعاية الصحية في سوريا للدمار وتعمل فقط 35 مستشفى حكومية من بين 75 مستشفى تديرها الدولة.

وأدى ذلك كله إلى إلحاق الضرر البالغ بالإقتصاد السوري، ويضاف إلى ذلك الخراب الناتج عن المعارك اليومية بين الجيش الحكومي والجيش الحر التابع للمعارضة، وكانت النتيجة تدمير الوحدات السكنية والأسواق التي يرجع تاريخها لقرون مثل حلب وحمص الى جانب المصانع وأنابيب نقل البترول والمدارس والمستشفيات والمساجدوالكنائس والبنية التحتية والاقتصاد والكنوز الثقافية.

وأعلن رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي مؤخرا أن إجمالي الخسائر الناتجة عن الحرب الأهلية حتى الآن تقدر بنحو 34 مليار دولار، ويرتفع هذا الرقم بشكل يومي بينما تقدر المعارضة الخسائر بنحو 100 مليار، ويقول الخبراء إنه لا يمكن تقدير قيمة الخسائر بدقة نظرا لاستمرار حالة العنف، وعلى الرغم من أن هناك بعض المناطق التي لم يطلها الدمار نسبيا إلا أن نسبة الدمار في معظم المدن السورية الكبرى هائل.

ويحذر الخبراء من أنه في حالة انتهاء الحرب فسوف تحتاج البلاد إلى جهد دولي جبار وربما جيل من السوريين لإعادة بناء ما دمرته الحرب.

وأشار تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان ومقرها لندن الى تدمير 598 ألف مبنى بشكل كامل مع تدمير جزئي لآلاف أخرى من المباني، وأن تكلفة إعادة بنائها تقدر بنحو 40 مليار دولار بينما قدرت دراسة أخرى تكلفة إعادة إعمار سوريا بنحو 73 مليار دولار.

وقال بيان للبنك المركزي السوري إن معدل التضخم بلغ 36% في يونيو الماضي مع نقص الوقود والسلع الأساسية والأغذية وارتفاع أسعارها، وأدى حظر الاتحاد الاوروبي استيراد النفط السوري إلى خسارة سوريا 400 مليون دولار شهريا الأمر الذي أثر سلبا على اقتصادها حيث أن النفط من أعمدة الدخل القومي.

ويرى المراقبون أن هذه الأوضاع الإقتصادية السيئة ستزداد تدهورا بعد تلقي الضربة العسكرية المرتقبة، وأنه على الرغم من تماسك النظام خلال الفترة الماضية ورغم المعاناة الاقتصادية فإن الضربة العسكرية ستسهم في انهيار الاقتصاد مما يحكم على النظام بالموت البطيء.

البلد