أمريكا تحيي في الجولان عصور الاستعمار

35

بعد نحو 60 عاماً من احتفال العالم والأمم المتحدة بتصفية الاستعمار، ونهاية عهوده المناقضة لحقوق الإنسان، وللقوانين والمواثيق الدولية، تأتي الولايات المتحدة الآن لتضفي شرعية ليس لها أي أساس إنساني أو قانوني، على الاستعمار الجديد الذي تمارسه «إسرائيل» في الأراضي العربية المحتلة، بالقرار الذي أصدره الرئيس ترامب بالاعتراف بالجولان السورية المحتلة جزءاً من «إسرائيل». 
وطبقاً لتقارير الأمم المتحدة، والدراسات الدولية العديدة حول هذه الظاهرة، يتضح عدم وجود أي فروق بين الممارسات «الإسرائيلية» المدعومة بمواقف أمريكية، والاستعمار الذي نبذه العالم منذ إعلان تصفيته. 
وطبقاً لما تنص عليه القوانين الإنجليزية في تعريف الاستعمار الاستيطاني، فهو عملية تقوم فيها دولة ما، بفرض سيطرتها على إقليم أو أكثر من أراضي آخرين. وكما جاء في تقارير الأمم المتحدة مؤخراً، فإن الاستعمار الاستيطاني هو ممارسته لإخضاع شعب آخر والسيطرة عليه سياسياً واقتصادياً. 
وكان عام 1960 قد تم تعريفه بأنه عام إفريقيا، نسبة إلى سلسلة الأحداث التي شهدها هذا العام، ممثلة في استقلال 17 دولة إفريقية، تتويجاً لانتصار حركات التحرر الوطني في إفريقيا. وفي نفس الوقت أعلنت اللجنة الخاصة بتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، أن تصفية الاستعمار كانت عملية لتقرير المصير، ولتأكيد حقوق الإنسان، بسقوط الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية. 
ثم يفاجأ العالم بعد هذه السنوات بخطوة معادية لتصفية الاستعمار، ليس فقط بإعلان ترامب ضم الجولان ل«إسرائيل»، بل أيضاً بنشر إدارته خريطة رسمية جديدة ل«إسرائيل»، تظهر ضم الجولان إليها، في تدشين لنوع من الاستعمار الجديد، بنفس صورة الاستعمار القديم وبكل تفاصيلها.
وإذا كانت «إسرائيل» تتعلل في احتلالها الجولان، وأطماعها في ضمها إليها، بموقعها الاستراتيجي بالنسبة لأرض «إسرائيل»، إلا أن هناك هدفاً استعمارياً يزيد أهمية بالنسبة لها هو استغلال أراضي الجولان الخصبة والغنية بالثروات الزراعية، وبالمياه، وحيث إن مياه الجولان تمثل منذ وقت احتلالها نسبة 50% من مصادر «إسرائيل» من المياه، بالإضافة إلى قيام «إسرائيل» في عام 2013 بإنشاء شركة AFEK 
للتنقيب عن البترول والغاز في الجولان، حيث أعلنت هذه الشركة أن بترول الجولان سيغير من مستقبل اقتصاد «إسرائيل». 
ومنذ احتلال الجولان عام 1967، أقامت «إسرائيل» 34 مستوطنة و167 مشروعاً اقتصادياً في الجولان، وأقدمت على هدم البنية السكانية هناك، وشردت 130 ألف سوري من بيوتهم، وهجّرت 400 ألف آخرين. 
وأصبح المستوطنون اليهود يسيطرون على اقتصاد الجولان، الذي تشمل منتجاته اللحوم، والفواكه، والمياه المعدنية، وكلها تمثل جزءاً مهماً من احتياجات دولة الاحتلال، كما أنها تصدر 20% من إنتاج مستوطنات الجولان إلى 20 دولة، منها كندا، وأستراليا، والولايات المتحدة، وبعض دول أوروبا. 
ومن إجمالي النهب «الإسرائيلي» لثروات الجولان، فقد بلغ دخل «إسرائيل» من منتجات هذه المنطقة الزراعية، أكثر من 500 مليون شيكل، أي ما يساوى 145 مليون دولار. 
وبالتوازي مع السيطرة السياسية الاستعمارية، والاستغلال الاقتصادي، فإن «إسرائيل» تمارس أقصى درجات التمييز العنصري ضد السكان السوريين، وإهدار حقوق الإنسان، وهو ما سبق أن اتهمتها به الأمم المتحدة، وسجلت وقائع الانتهاك لحقوق الإنسان في الجولان. 
ولا يخفي الساسة والاقتصاديون في «إسرائيل»، وإن كان ذلك بعبارات غير مباشرة، الربط بين احتلال «إسرائيل» الجولان، والاستيلاء على ثرواته، معلنين أن «إسرائيل» تخشى دائماً من أي انسحاب لها من الجولان، يمكن أن يخنق اقتصادها. 
إن الممارسات الاستعمارية الاستيطانية «الإسرائيلية» في الجولان، تمثل امتداداً للاستعمار القديم، في خروج صارخ على القانون الدولي، وحقوق الإنسان، وتقرير المصير، ونبذ العنصرية، وهو ما كانت الأمم المتحدة قد احتفلت به في الستينات، لانتهاء عهوده البغيضة والسوداء، التي قامت على نهب ثروات المستعمرات، واستغلالها اقتصادياً، وبعد ذلك يأتي قرار ترامب تعبيراً عن سلوك استعماري Colonialism، وكأنه يعيد فتح صفحة طواها العالم، أو كأن ترامب يمجد هذه الحقبة البشعة من الاستعمار الاستيطاني، ويحتفي بها.

عاطف الغمري
المصدر: الخليج 

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.