د. محمد الشاكر في حديث خاص للمرصد السوري لحقوق الإنسان

74

د. محمد الشاكر رئيس التيار العربي المستقل:

إيران وتركيا قطعتا شوطاً – على الأرض- في مشروع تقاسم الجسد السوري، ولا حل بدون إرادة عربية.. واحتجاجات دير الزور ضد قسد هي مطالب محقة.

التيار العربي المستقل تيار وليد أطلقه مجموعة من الشخصيات المستقلة من أبناء الجزيرة والفرات غالبيتهم من دير الزور، يحمل رؤى وتوجهات وطنية بدءاً من شرق الفرات، كمنطقة أصبحت مركزاً للتجاذبات الإقليمية والدولية، حيث يعمل التيارعلى الخروج من النمط التقليدي للمعارضة السورية، من خلال الوقوف على واقع السوريين الإنساني والخدمي في مناطق النفوذ، وقد ضم التيار شخصيات معروفة في الجزيرة والفرات، غالبيتهم من التكنوقراط، و الكفاءات، و أساتذة جامعات، والحقوقيين، والإعلاميين، وأصحاب مؤسسات خدمية وخيرية. وقد وضع التيار في أولوياته – استناداً لرؤيته السياسية- وحدة سورية واستقلالية القرار السوري، وإيلاء الجانب الخدمي والتنموي الأهمية القصوى للحفاظ على بنية المجتمع السوري المهدد بمشاريع التغيير الديمغرافي والطائفي، بالعمل على تلمس حاجات الأهالي بدءاً من شرق الفرات. حيث دعا التيار في رؤيته السياسية إلى ضرورة الخروج من نسق الاستقطابات الحادة التي أفرزها الصراع السوري، والتي انعكست على مكونات المعارضة السورية، التي أفرغت الثورة السورية من مضامينها الوطنية، لتتحول – حسب رؤية التيار- إلى صراع إقليمي ودولي، يدفع ثمنه السوريون منذ ثماني سنوات وحتى يومنا هذا.
المرصد السوري لحقوق الإنسان التقى الدكتور محمد الشاكر رئيس التيار العربي المستقل، وكان لنا معه هذا الحوار:

 

1- لنبدأ من آخر مستجدات الحدث السوري.. أنتم تيار أخذ على عاتقه العمل من شرق الفرات، انطلاقاً من تنمية المنطقة، وإعطاء دور لأبناء المكون العربي في إدارة مناطقهم وتنميتها، وقد نبهتم في الرؤية السايسية للتيار، و قبل أسبوعين من انطلاق الاحتجاجات المندلعة الآن ضد قسد من تداعيات الواقع المزري للمكون العربي خصوصاً في دير الزور، وتخوفتم من تحول المشكلات الاجتماعية والخدمية إلى مشكلات سياسية، قد تستفيد منها أطراف تتصارع على المنطقة. ما هو موقفكم من الاحتجاجات في مناطق المكون العربي ؟.

– بداية، لابد من القول أنّ أية احتجاجات سلمية هي مطلب حق، والمحتجون في مناطق دير الزور خرجوا سلميين بلافتاتهم وبأصواتهم فقط، منطلقين من واقعهم المزري، ومطالبين بتوزيع عادل للثروات، في منطقة فيها من الخيرات ما يكفي لبناء مجتمع معافى سياسياً واقتصادياً، وقد دعونا مراراً إلى ضرورات تنمية المنطقة، وعدم تركها ساحة للآفات الاجتماعية، التي تشكل تربة خصبة للاحتقان والحرمان والفوضى. ولهذا، يضع التيار في أهم أولوياته البعد الإنساني، والوقوف عند حاجات الناس الخدمية والتنموية، كرؤية سياسية لا تنطلق من ضرورة البدء بها في المنطقة وحسب، بقدر ما تؤسس لوطن سوري موحد، يؤمن بالعيش المشترك بين جميع مكوناته، ويقوم على الديمقراطية المستدامة والإنماء المتوازن للوطن بأكمله.

 

 

2- حسب معلومات المرصد السوري لحقوق الإنسان، علمنا بأنك سافرت قبل شهر تقريباً من اندلاع الاحتجاجات إلى مناطق الإدارة الذاتية، وألتقيت غالبية قيادات الصف الأول في مسد وقسد، وكانت جميع الحوارات، حول الواقع المزري لأبناء المكون العربي، وبالأخص في دير الزور، ودعوت من هناك إلى تشاركية تؤمن إدارة المنطقة من قبل أبنائها، والعمل على تنميتها وتخديمها. لماذا هذا التوقيت بالذات، وماهي الأدوات التي كانت بأيديكم في سبيل ذلك؟

– صحيح، فواقع المكون العربي بشكل عام في الجزيرة والفرات، أصبح يهدد بكارثة، و لا مجال للسلبية واللطم والسب. فالمكون العربي يعاني أولاً من الانقسام والتشرذم التشريد والفقر، في مناطق نفوذ القوى التي تتنافس فيما بينها، ولن يكون وقودها إلا أبناء المكون العربي المتوزعين في ثلاث بأجندات مختلفة، وهي مناطق النفوذ التركي في الشمال، ومناطق النفوذ الإيراني في غرب الفرات، ومناطق النفوذ الأمريكي في شرق الفرات، ما يضع المكون العربي من جديد في أتون مشاريع جديدة يدفع ثمنها دون غيره، تماماً كما حصل في مشاريع فوضى السلاح و النصرة وداعش، وما تركته هذه المشاريع من تداعيات سلبية على واقع المنطقة وأبنائها.

وعلى أساس ذلك، دعونا إلى تمكين أبناء المنطقة من المكون العربي من إدارة مناطقهم، وذلك بتطبيق اللامركزية الإدارية، في المناطق العربية بدءاً من مناطق دير الزور في شرق الفرات. إذ تشكل اللامركزية حلاً حتمياً لحل مشكلات ما بعد الصراع..أما بالنسبة للزيارة فقد حملت مشروعاً ومبادرة للعمل بتشاركية قادرة على تنمية المنطقة لامركزياً، وتدعيمها بمبادئ عامة دستورية في إطار وحدة سورية، وإرادة العيش المشترك، ونعمل – الآن- على الإجراءات التنفيذية في سبيل ذلك. خصوصاً وأنّ الجزيرة السورية اليوم تمر في لحظة تاريخية هي الأخطر، صحيح أنّ داعش انتهى عسكرياً، ولكن مع بقاء مولدات الصراع قد يعود داعش بأشكال أخرى وبمسميات جديدة، من خلال العزف على وتر تثوير الخطابات الشوفونية. الأمر الذي يحتاج من الجميع إلى تذليل مولدات الصراعات التي تتربص بالمنطقة، خصوصاً وأنّ الحرمان والتهميش والجهل، ستشكل حاضناً لولادات جديدة من أجيال التطرف والإرهاب.

أما بالنسبة للأدوات والإمكانيات التي نمتلكها، فقد ضم التيار العربي المستقل مؤسسات خدمية وخيرية جاهزة لدخول المنطقة، والعمل تخديمها من صحة وكهرباء وبناء مدارس وغير ذلك. كما يضم التيار خبرات قانونية، وتكنوقراط، وأكاديميين، وخبراء إداريين، شغل غالبيتهم مناصب سياسية وإدارية عليا في الدولة السورية، ما يؤهلهم لوضع الآليات الكفيلة لإدارة رشيدة. لذلك فالتيار لم يعلن عن انطلاقته إلا بعد تأمين مؤسساته السياسية والإدارية والخدمية.

 

 

3- أنتم تيار يعمل على المكون العربي في منطقة تحت العين التركية والإيرانية. كيف تقيمون العلاقة بين هاتين الدولتين في إطار تحالف أو ضامني أستانا المفترض كمسار للحل في سورية، وما أثر ذلك سواء على الثورة السورية، لاسيما بعد مسلسل التصريحات بين البلدين، الذي يكشف مصالحهما بعيداً عن تطلعات السوريين، بدءاً من قبول تركيا ببشار الأسد إذا نجح بانتخابات نيابية نزيهة. وانتهاءاً بالإدانة التركية لتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، قابله – مؤخراً – إدانة إيران لسعي الولايات المتحدة لتصنيف الأخوان المسلمين كمنظمة إرهابية. كيف تقيمون ذلك كتيار مستقل، خصوصاً وأنكم أطلقتم رؤى توضح استقلاليتكم عن بعض مواقف المعارضة، كما إطلاقكم للتيار دون الرجوع إلى أية دولة ؟

– أولاً، ما قدمه السوريون على مذبح الحرية والكرامة لم يقدمه شعب في التاريخ البشري، ومن هذه البديهية ننطلق، فذاكرة السوريين لن ولم تكن يوماً ذاكرة سمك. لذا نحن لا نستغرب هكذا تصريحات. فالحقيقة تستقضي أن لا نفرق بين إيران كداعم للمليشيات الطائفية في سورية، وبين من يدعم جميع تفريخات الإسلام السياسي المتطرف، التي سرقت تطلعات السوريين. فكلاهما ولدا من جذر فكري واحد، يقوم على فكرة وهمية أطلقها الخميني وتضمنها الدستور الإيراني، تدعو إلى ” الدولة الإسلامية الجامعة والجهاد المستمر”، وقد تأكد ذلك بالتحالف في تحالف ثلاث أستانا تركيا، إيران، روسيا) وتعزز أكثر باتفاق سوتشي.. إذاً الهدف واحد. ولهذا كله أرى أن مشروع تقاسم الغنائم بين الدولتين يسير على قدم وساق، وكل منهما يغض الطرف عن الآخر بالانطلاق من فكرة إطالة أمد الصراع، الذي يؤمن تنفيذ مشروع كل منهما.. لن أتحدث في هذا الخصوص بتحليلات ورؤى سياسية.. دعنا نستعرض أداء الدولتين في الواقع، و ما يجري على الأرض. فقد قطعت إيران أشواطاً كبيرة في مشروعها الطائفي في غرب الفرات، حيث تعمل على نشر التشيّع، بعد أن اختارت مدينة الميادين – وأنا ابن المدينة- مركزاً لمشروعها، لأنها تُدرك أنّ المدينة مركزاً اقتصادياً و إدارياً لعموم الريف الشرقي لدير الزور، مستغلة في ذلك إحجام أكثر من 90% من الأهالي من العودة إليها، وكذا عموم الريف الشرقي لغرب الفرات، حيث تنتشر المركز الثقافية الإيرانية وصور الخميني وخامنئي في كل مكان، وهو ما يمهد لتغيير ديموغرافي يتوازى مع عدم قدرة الأهالي على العودة إلى ديارهم، حيث ينتشرون كلاجئين في تركيا، أو مناطق النزوح في الشمال السوري، حيث وصلت معاناة غالبيتهم إلى عدم قدرتهم على دفع إيجار بيوتهم، في مناطق تعاني من حالة الفراغ الأمني والخدمي، الذي تقوده مكونات سياسية وعسكرية هشة، في إطار مشروع تركي – هو الآخر- أصبح واقعاً على الأرض، بدءً من تصريحات رئيس الائتلاف الذي تحث عن نفسه كتركماني وليس كسوري قائلاً بالحرف” نحن جزء من الأناضول”، بالتوازي مع تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الذي أعلن ” أنّ عفرين هي أرض تركية، وأنّ اتفاقية لوزان 1923 لم تتضمن التنازل عن عفرين” .. وهنا لنسأل: أين ما خرج من أجله السوريين، وأين الدم السوري، وهل نحن أزاء مشاريع إقليمية أم أزاء هزة عنيفة عصفت بسورية، سببها الشمولية، والاستبداد، والاستئثار بالسلطة، وغياب المؤسسات، الأمر الذي نحتاج معه إلى إعادة صياغة ماهية المعارضة الوطنية، التي تعمل للحيلولة دون وقوع الأجيال القادمة في هزات عنيفة أخرى، وذلك بالعمل على إنقاذ سورية من التفكك و الإنهيار، والعمل على دولة طبيعية بدستور عصري يتضمن المبادئ العامة الأساسية وفي مقدمتها مبدأ تداول السلطة، ومبدأ الفصل بين السلطات، واستقلالية القضاء.

 

 

4- في الرؤية السياسة للتيار طرحتم مبادرة للحل تبدأ من شرق الفرات، كنقطة انطلاق لحل سوري شامل، وبدءاً من منطقة أصبحت مركزاً للصراع الدولي والإقليمي. ما هي هذه المبادرة، وما هي آلياتها التنفيذية؟

لابد من القول، إن إهمال منطقة شرق الفرات كمنطقة تشكل ثلث مساحة سورية، وسلة غذائها، وخزان وقودها، إنما يعني إهمالاً للحل برمته في سورية، خصوصاً وأنّ المنطقة أصبحت مكسراً لعصا التجاذبات الدولية والإقليمية. والتيار العربي المستقل، تيار وطني يطرح مبادرة وطنية للحل بدءاً من شرق الفرات، للخروج من حالة الاستقطاب الحاد بين روسيا والولايات المتحدة، فالأولى ( الرؤية الروسية) تدعو لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين، وهذا متعذر مع وجود أية سلطة أمنية للنظام. أما الثانية ( الرؤية الأمريكية ) فهي تريد اختراق فعلي في العملية السياسية، وهذا أمر متعذر أيضاً في ظل حالة الاستقطاب الحاد في العملية السياسية ومواقف الدولتين منها. لذلك طرحنا في التيار رؤية توافقية تحقق الرؤيتين في آنٍ معاً، وذلك بتطبيق اللامركزية بدءً من شرق الفرات، وبضمانات عربية، كضامن لوحدة سورية في إطار عمقها العربي ، كما أدوار الدول العربية المعنية في إعادة الإعمار بدءاً من شرق الفرات. وبالتالي تضع المبادرة كل من الولايات المتحدة وروسيا، أمام حلول واقعية، تبدأ من تنمية المنطقة اقتصادياً، وإدارة أهلها لمناطقهم، والشروع بعمليات التنمية، في إطار اللامركزية التي ستساعد في ضبط علاقة المركز مع شرق الفرات، في إطار العملية السياسية والقرار 2254. هذا من جهة، ومن جهة أخرى إدخال مكونات شرق الفرات في العملية السياسية، لأن استبعادهم الممنهج، هو محاولة لإطالة أمد العملية السياسية التي تفترض انضواء جميع المكونات السورية، كما شمولها كامل التراب السوري.

 

 

5- هل تعتقدون أن اللجنة الدستورية قادرة على كتابة الدستور السوري وإحداث اختراق فعلي في العلية السياسية، وهل مهمة اللجنة الدستورية هي كتابة دستور جديد أم إصلاح الدستور الحالي أو مناقشته؟.

يجب الإشارة أن عمليات بناء الدساتير ليس من مهام اللجنة الدستورية – في معرض صراع عنيف- كتابة الدستور خارج البلاد، ولابد من المرور بثلاث مراحل، الأولى التوافق، والثانية الاتفاق، والثالثة التسوية. أما في الحالة السورية فلم ننجز حتى هذه اللحظة المرحلة الأولى وهي التوافق، وهنا أقصد التوافق على المبادئ العامة. فعبارة دستور جديد، أو إصلاح دستوري، أو مناقشة دستور هي مجرد مصطلحات، الأهم من ذلك هو أن اللجنة الدستورية ليس من مهامها كتابة الدستور خارج سورية، وإنما الاتفاق على المبادئ العامة، التي تحدد شكل الدولة ( مركزية أو لامركزية)، وشكل النظام السياسي( رئاسي ، نصف رئاسي، برلماني). وبالتالي فإن الأولوية تبدأ بإصلاح المؤسسات الدستورية وتفعيلها، لتكون قادرة على تطبيق وتنفيذ المبادئ العامة بشكل عملي . لذلك يصبح التركيز على ضرورة الاتفاق على التصميم المؤسسي الذي يعكس التفاعل بين مؤسسات الحكم ضمن شكل النظام السياسي أياً كان شكله، وأيضاً شكل العلاقة بين المؤسسات ذاتها، عبر ديناميات بناء الدستور، كتلك التي تتعلق بتصميم السلطات التشريعية (أي حل المجلس النيابي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. وتصميم السلطة التنفيذية ( أي الاتفاق على آليات تشتيت وعدم تركيز السلطة سواء بشكل أفقي عن طريق التشاركية في مؤسسة الرئاسة، أو بشكل عمودي عن طريق اللامركزية). وتصميم السلطة القضائية ( عن طريق إصلاح المجلس الدستوري، ومجلس القضاء، والمحكمة الدستورية العليا). وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية، وهذه جميعها ضوابط وطرائق قادرة أن تشكل أرضية للانتقال السياسي. وهذا يحتاج إلى الوصول إلى صيغة نهائية للعملية السياسية. أما مسألة اللجنة الدستورية الحالية، فأعتقد أنّ تركيبتها الحالية، مازالت تعكس مصالح الدول، فالأسماء في اللجنة الدستورية سمتها القوى المتصارعة، بما في ذلك الثلث الثالث، ولم يكن الانتقاء على أساس الكفاءة أو المتخصصين، كما تم تهميش القوى الوطنية والديمقراطية، و تهميش مكونات شرق الفرات التي تشكل ثلث مساحة سورية، وكأنها خارج الأراضي السورية، وبالتالي خارج العملية السياسية التي تقتضي حلاً على جميع الأراضي السورية، وكأن الرافضين دخول مكونات شرق الفرات إلى العملية السياسية، يدفعون بهم لكي يكونوا خارج الجسد السوري جغرافياً، وتمثيلاً داخل المعارضة.

 

 

6- لماذا وضعتم في تسمية التيار كلمة ” العربي” هل من دلالات لذلك؟.

– أولاً بالنسبة للتسمية ( العربي) فهو مجرد إشارة للعالم والمحيط العربي إلى ما آل إليه المكون العربي من كارثة تشكل وصمة عار في جبين الإنسانية؛ أنه مكون سوري يكاد يتلاشى وينقرض، ويجتث من أرضه ليتوزع في المخيمات و النزوح ودول اللجوء، هؤلاء يشكلون غالبية مطلقة من القبائل العربية. وبسبب الأمر الواقع في شرق الفرات، الذي جعل من المنطقة في إطار التجاذبات الدولية والإقليمية، فإن تخوفنا من المشاريع القادمة إلى المنطقة، وهو أمر إن لم نعمل على الوقوف بوجهه، فستكون تداعياته لا تتعلق بالمكون العربي وحسب، بل سيهدد أجمل ما تتميز به منطقة شرق الفرات حيث الفسيفساء السورية الفريدة من عرب وسريان وكورد وآشوريين وأزيديين وغيرهم، وهذه أيقونة سورية تعكس الإرادة التاريخية للعيش المشترك بين السوريين. وهنا لابد من أن أشير بأن التسمية هي تأكيد آخر، للتنوع وحرية التعبير، فهناك في شرق الفرات مسميات لأحزاب بأسماء كردية، وسريانية، وآثورية ، وفي أوروبا أيضاً أحزاب بمسميات إثنية و مسيحية، والعبرة من ذلك هو تعبير كل مكون عن ممارسة لهويته، وهذه هي الديمقراطية الحقة في إطار إرادة العيش المشترك. ولهذا فإن كلمة ” العربي” هي تأكيد على هذا التنوع. و التيار ولا يفرق بين أي مكون في سورية، وقد أوضحنا في رؤيته السياسية أنه تيار وطني، وهو مفتوح على جميع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني من كافة المكونات. لذلك فتسميته تياراً وليس حزباً، ليكون مفتوحاً على جميع البرامج الوطنية والتنموية والخدمية.ولهذا فهو يدعو للعمل على وحدة الأراضي السورية، والإيمان بالتحول الديمقراطي، والإنماء المتوازن، والديمقراطية الاجتماعية المستدامة.

 

 

7- كونكم تياراً مستقلاً، كيف يقيم التيار العربي المستقل مكونات المعارضة بدءاً من الائتلاف فالهيئة العليا للمفاوضات، فأستانا واتفاقية سوتشي. وكيف تنظرون إلى مستقبل العملية السياسية ؟.

منذ أيام فشلت الجولة 12 من محادثات أستانا، كما فشلت معه مفاوضات الهيئة العليا للمفاوضات، التي كنا نستبشر بها خيراً بعد التوسعة، لكنها للأسف بقيت مشلولة أمام بسبب الإبقاء على هيمنة الإيديولوجيات ماقبل التوسعة، وضعف التمثيل في المكونات التي وسعتها. أما الائتلاف فقد أصبح جسماً هرماً لا حول له و لا قوة. أما بالنسبة لمسار أستانا فقد فشل ضامنو أستانا في إحراز أي تقدم يُذكر. خصوصاً مع الفشل في اقناع تركيا بتفكيك هيئة تحرير الشام ( النصرة)، الأمر الذي قد يدفع للتصعيد العسكري. أما الحديث عن الأسماء الستة التي عرقلت إطلاق اللجنة الدستورية، فهي مجرد حجة واهية في إطار إطالة أمد الصراع، الذي يؤمن للقوى الإقليمية والدولية تصفية حساباتها على رقعة الشطرنج السورية، خصوصاً وأنّ القوتين الإقليميتن ( تركيا وإيران) تلعبان على عامل الوقت، لأن مشروعهما يحتاج إلى المزيد من الوقت، سواء المشروع الطائفي الإيراني، أو مشروع المجال الحيوي لتركيا في شمال سورية. لذلك، يبدو أن المبعوث الأممي الجديد، قد وصل إلى قناعات مردها انسداد الأفق في العملية السياسية، بالاعتماد على الحوامل الثلاثة للمعارضة السورية الرسمية ( الائتلاف، أستانا، الهيئة العليا)، وربما يدفعه ذلك إلى قراءة متأنية وقانونية للقرار 2254، الذي تحدث عن ” عملية سياسية بقيادة سورية” تضم ” أوسع طيف ممكن من السوريين”. خصوصاً وأن بيدرسون يدرك أن جميع القوى الديمقراطية للمعارضة مهمشة ومستبعدة وغير ذات أثر في المشهد الرسمي للمعارضة السورية. لذلك نرى أنّ من أهم استحقاقات عمل بيدرسون هي العمل على إعادة هيكلة المعارضة، والاتجاه نحو مؤتمر وطني عام جامع للمعارضة السورية، قد يؤسس لمرحلة انتقالية ( استناداً لجنيف1)، بحيث تكون تشكليتها من جميع الأطراف ( استناداً للقرار2254) ، وبالتالي التوفيق بين المسارين الأمريكي والروسي.

 

 

8- كونكم دكتور في القانون الدولي، ماهو موقف القانون الدولي من إنشاء المنطقة الآمنة في سورية، وهل تعتقدون أن فكرة المنطقة الآمنة أو العازلة ستكون حلاً في إطار الحل السياسي الشامل؟.

المنطقة الآمنة أو العازلة، هي حل للقوى المتصارعة وليست حلاً لمعاناة الشعب السوري، ولو أريد لها أن تكون كذلك، فلماذا لم يتم إنشائها في أصعب المراحل التي مرّ بها السوريون، عندما كان القصف اليومي على رؤوس السوريين، وتقطع السبيل بهم، حيث ماتت عوائل كاملة في الصحراء وهي تبحث عن ملاذ أمن. أما اليوم فالمنطقة الآمنة لن تكون إلا في إطار مشروع التغيير الديمغرافي، لإسكان الذين تركوا منازلهم ومناطقهم، ما يحول دون عودتهم إلى ديارهم. وبالتالي ستصب في إطار مشاريع التغيير الديمغرافي والطائفي. ولهذا فنحن ندعو إلى أن تكون كامل المنطقة منطقة آمنة، وليس شريطاً منها وحسب، بحيث يبقي على الصراع وتداعياته.

أما من وجهة نظر القانون الدولي، فهي تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع من الميثاق، لتبرير التدخل الدولي والإقليمي، وهذا متعذر أمام الاستقطابات الحادة بين القوى الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ورسيا. ودون ذلك فنحن أمام انتهاك آخر للسيادة السورية.

 

 

9- ماهي رؤيتكم لشكل الدولة السورية المستقبلية؟.

العمل على دولة طبيعية، ودستور عصري، يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات، وتداول السلطة، واستقلالية القضاء، وبناء جيش وطني، والعمل على بناء الدولة القانونية المدنية الديمقراطية التعددية. وإيلاء الأهمية للامركزية كروح للديموقراطية، وكضرورة في مراحل ما بعد الصراع، فهي أسلوب عصري مطبق في غالبية دول العالم، كما تشكل اللامركزية الحماية القانونية لفكرة عدم تركيز السلطة، والضامن لمبدأ سيادة الشعب في مراحل ما بعد الصراع، بحيث يكون الفيصل بين إيجابياتها وسلبياتها الحكم الرشيد والشفاف، وممارسة الديمقراطية بشكل واسع، بما يتسق مع دستور يوضح بدقة علاقة المؤسسات فيما بينها، بما يتسق مع المبادئ العامة التي يتضمنها الدستور، كتلك المتعلقة باستقلالية القضاء، ومبدأ تكافؤ الفرض، والشفافية والنزاهة في التعين والانتخاب، في إطار دولة قانونية تقوم على مبدأ المواطنة، والتأسيس لبيئة سياسية وأمنية وخدمية موازية لمتطلبات العملية السياسية والانتقال السياسي المنشود .

 

 

10- ما هي الخطوط العريضة التي تم تحديدها للعمل عليها في التيار العربي المستقل؟.

من أبرز الخطوط العريضة، العمل على وحدة سورية وعمقها العربي، فلا حل سياسي في سورية بدون إرادة عربية تنبع من كون سورية قوة مضافة ببعدها العربي، وخصماً على نفسها خارج هذا البعد. خصوصاً وأن سورية الآن أصبحت تهددها مشاريع رسم خطوط التماس ومناطق النفوذ.أما الهدف الآخر فهو تطبيق مبدأ اللامركزية، ولو على اقل تقدير تطبيق ” اللامركزية اللامتناظرة” وأقصد هنا إيجاد الحلول للمناطق التي مازالت تشكل استعصاءاً في العملية السياسية، ومازالت تعاني من تداعيات الصراع، الذي يحول دون قدرة رجوع أهلها إليها بسبب أوضاعهم الأمنية. والعمل على مشروع وطني جامع، يحقق للسوريين ماخرجوا من أجله، فالسوريون خرجوا على الاستبداد من أجل الحرية والكرامة والدولة المدنية الديمقراطية، ولم يخرجوا من أجل خلافة، أو إمارة، أو لجوء، أو جنسية، أو سلة غذائية. لذلك يدعو التيار العربي المستقل المعارضة السورية إلى إعادة صياغة ماهية المعارضة في الفكر السياسي الحديث، الذي يولي الأهمية للفرد فالحرية والكرامة لا يتوقفا عند ممارسة الفرد لحقوقة السياسية، بل الحصول على حقوقه الاقتصادية في التنمية وتوفير الخدمات، وهذه هي الديمقراطية المستدامة. لذلك فقد أصبح لزاماً إخراج المعارضة السورية من عقلية الإقصاء والارتهان والارتزاق، والعمل على معارضة وطنية تعبر عن تطلعات الجماهير.، من خلال مأسسة العمل، وبالتالي فهي بحاجة إلى البرامج والخطط والاستراتيجيات التي تضطلع بها الكفاءات السياسية والعلمية والخبرات الإدارية من التكنوقراط.باختصار: السوريون بحاجة لمعارضة وطنية سورية تعمل بعقلية الدولة، فقد قيل: ” المعارضة التي لا تعمل بعقلية الدولة، هي مجرد انتحار سياسي”.

خاص بالمرصد السوري لحقوق الإنسان