عندما ترفض دمشق

36

تتفق تركيا والولايات المتحدة على مشروع منطقة آمنة شمال سوريا، وقبل أن يتحول المشروع إلى واقع تخرج دمشق لتدين وتستنكر وترفض. لا تعرف الغاية من ذلك. وتسأل نفسك متى يستيقظ نظام بشار الأسد من وهم السيادة الذي يعيشه تحت رايات خمس دول تحتل البلاد منذ سنوات؟

حكومة دمشق لا تتجرأ على البوح باسم ومنصب مَنْ نُسبت إليه تصريحات وزارة الخارجية الرافضة للتفاهم التركي – الأميركي شمال سوريا. وما الغريب في ذلك، إن كان رأس النظام نفسه يجلس بحضرة المرشد الإيراني دون عَلَمَ بلاده، ويُستَدعَى إلى موسكو كلما أراد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟

ماذا يعني رفض دمشق لمخططات تركيا والولايات المتحدة في الشمال؟ ما الذي تملكه دمشق للتعبير عن رفضها سوى بيانات مجهولة الهوية؟

منذ رفضت دمشق الاستماع إلى مطالب الثورة في تغيير الأوضاع وليس الرئيس في بداياتها السلمية عام 2011، فقدت “الدولة” حقها في الرفض مثلما فقد الأسد حقه في الرئاسة. وفي كل مرة ترفض فيها دمشق يزداد الأمر سوءاً، حتى بات رفضها مؤشراً على أن مصيبة ستضاف إلى رصيد السوريين.

رفضت “الدولة السورية” دخول الجيش التركي إلى غرب الفرات وها هي تركيا تصنع ولاية جديدة لها هناك، رفضت وجود الولايات المتحدة في الشمال فاحتلت واشنطن ثلث الأراضي السورية، رفضت الاعتداءات الإسرائيلية فباتت مقاتلات تل أبيب تغزو البلاد كل أسبوع تقريبا. رفضت تدخل دول عربية في شؤونها وسلمت مفاتيح أبواب دمشق للإيرانيين وسواحل البلاد للروس.

“الدولة السورية” لم تعد تمتلك حق الرفض في شؤونها الخارجية ولا حتى الداخلية. الرفض الوحيد الذي ما زال يمارسه الأسد دون خوف من إيران أو روسيا، هو رفض الأصوات المعارضة له، فيقيم المحاكم الغيابية للمعارضين في الخارج بتهمة الخيانة ويلاحق المعارضين في الداخل بتهمة وهن نفسية الأمة.

في تشخيص حالة “الدولة السورية” اليوم، نقول إن منصب الرئيس بات فخرياً، ومناطق النظام منقسمة بين دولتين عميقتين واحدة لإيران وأخرى لروسيا. أدوات تحكم الدولتين في القرار السوري داخليا وخارجيا، تمتد من ميليشيات الدفاع الشعبي، مرورا بشخصيات سياسية ودينية، وانتهاء بقادة عسكريين في صفوف الجيش والمخابرات وحتى في القصر الجمهوري.

في ظل الدولتين العميقتين المتحكمتين في القرار السوري، تحوّل رفض دمشق إلى ورقة توت يستتر بها النظام، أو إلى موقف روسي أو إيراني تنقله “الدولة السورية” رغماً عنها في أحسن الحالات. لا يحمل هذا التشخيص أي مبالغة، فالكلمة الأخيرة في الأزمة السورية خرجت من يد الأسد منذ أن دخلت ميليشيات حسن نصرالله إلى البلاد، بزعم محاربة الإرهاب وشرعت في قتل السوريين.

رفض دمشق لما تفعله الدول الخمس المحتلة للبلاد يشبه رفض قزم لاعتداء مارد وهو يكاد يختنق في قبضة يده. لا تملك دمشق حيال سلوك الدول المحتلة شيئاً سوى الصبر، لعل معجزة ما تعيد للأسد الأيام الخوالي التي كان فيها صاحب القرار الأول والأخير في البلاد، ولكن كما يقول المثل الشعبي “أمل إبليس في الجنة”.

بهاء العوام
المصدر: العرب

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.