18 سجناً مقسمة على 3 فئات.. التعذيب من نصيب معتقلي النظام و”العملاء” والمعارضين لها.. وأصحاب السوابق يشرفون على السجون.. “المرصد السوري” يكشف أوضاع المعتقلين في سجون هيئة تحرير الشام

72

في الثامن والعشرين من يناير/كانون الثاني 2017، أعلنت مجموعة من الجماعات الجهادية المتشددة عن اندماجها فيما يُعرف باسم “هيئة تحرير الشام”، حيث تألف ذلك التحالف من اندماج كل من جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا)، وجبهة أنصار الدين وجيش السُنة ولواء الحق وحركة نور الدين الزنكي. وبعد إعلان التأسيس، انضمت مجموعة منَ الجماعات الأخرى وعددٌ من الأفراد والمُقاتلين من سوريا وخارجها، إلى الجبهة. وعلى الرغم من هذا الاندماج، يُسيطر عناصر جبهة النصرة على أبرز المراكز القيادية في الهيئة، ما أدى إلى توسع سيطرتها حتى باتت لاعبا رئيسيا في النزاع السوري. ولأنه ليس هناك من سوري لم يتأثر بويلات الحرب وسقوط مناطقه تحت سيطرة الفصائل المسلحة باختلاف توجهاتها، لم تختلف ممارسات هيئة تحرير الشام ضد معتقليها كثيرا عن ممارسات النظام والفصائل الموالية لتركيا. وكما كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان عن أوضاع المعتقلين داخل سجون النظام وداخل سجون الفصائل المسلحة الموالية لتركيا –تحديدا فصيل “فرقة السلطان مراد” الأقوى من بين تلك الفصائل- يواصل المرصد السوري كشف حقيقة أوضاع المعتقلين داخل سجون هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، والتي كشفت مصادر لـ”المرصد” عن تقسيم سجونها إلى عدة فئات في عدة مناطق.

 

18 سجنا و3 فئات.. سجون “الهيئة” مقسمة وفقا للغرض منها
بحسب مصادر المرصد السوري الموثوقة، فإن السجون التابعة لهيئة تحرير الشام مقسمة بشكل أساسي إلى 3 فئات وفقا للغرض منها، بمعنى أن الفئة (أ) تتضمن مجموعة من السجون الصغيرة تجمع مقرات فصيل معين، والغرض منها هو إجراء التحقيقات ومن ثم تسليم المعتقلين إلى المحاكم الشرعية، ولا تستوعب سجون تلك الفئة سوى أقل من 50 معتقل فقط. أما الفئة الثانية، وهي الفئة (ب)، فهي سجون متوسطة الحجم سرية مستقلة قضائيا تصل طاقتها الاستيعابية إلى أقل من 300 شخص. وتعد الفئة الثالثة هي الأكبر من بين سجون هيئة تحرير الشام، وهي تتبع مباشرة محاكم النُصرة الشرعية، وتتخطى طاقتها الاستيعابية أكثر من 300 شخص.
بشكل عام، أنشأت هيئة تحرير الشام 18 سجنا مقسمة وفقا للفئات الثلاثة، بحسب ما أشارت إليه مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان. ووفقا للمصادر، فإن السجن الأول بين تلك السجون هو سجن خاص يندرج ضمن الفئة (أ)، وهو يقع في منطقة الغسانية في قرية بزرة التي تبعد عن طريق الأوتستراد حوالي 5 كيلومترات، وهو يخضع لسيطرة مجموعات وجماعات جهادية تعمل في محور ريف اللاذقية، غالبيتهم من الإيرانيين ودول شرق آسيا من التركستان والأوزبك والمغاربة والعراقيين، وبشكل عام –وفقا للمصادر- يخضع السجن لإدارة سجَّانين ومسؤولين إيرانيين.
وكشفت مصادر المرصد السوري كذلك عن باقي سجون الفئة (أ)، وهي سجن “البحوث العلمية” الذي يقع في سهل الروج ويخضع لإدارة هيئة تحرير الشام، إضافة إلى سجن “مداجن الكوخية” في سهل الروج أيضا ويخضع كذلك لسيطرة هيئة تحرير الشام. وأضافت المصادر: “هناك أيضا سجن (معسكر التدريب) الذي يقع في منطقة خربة الجوز، وهو تابع لهيئة تحرير الشام. وكذلك، هناك سجن (عين البيضة) الذي يخضع أيضا لسيطرة هيئة تحرير الشام”.
أما عن سجون الفئة (ب)، كشفت مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان عن وجود 6 سجون تندرج ضمن تلك الفئة، وهي سجن سري جدا في قلب معبر باب الهوى أسفل مباني المكاتب وله مدخلان تحت الأرض، إضافة إلى سجن “العقاب” الذي يقع في جبل الزاوية ما بين “بليون” و”كنصفرة” شمالي “كنصفرة”. وتابعت المصادر: “كذلك هناك سجن (إيكادرا) الذي يقع على طريق حلب وتسيطر عليه هيئة تحرير الشام، في حين يوجد سجن آخر يُطلق عليه اسم (سجن الزنبقي) وهو يقع إلى جانب “دركوش”، ويخضع لسيطرة العناصر التركمان وهيئة تحرير الشام”. وبحسب ما كشفت عنه المصادر الموثوقة، هناك أيضا سجن “دير عثمان” الواقع في ريف منطقة “دركوش” ويتبع هيئة تحرير الشام، إضافة إلى سجن “مزرة” في منطقة “زرزور” في ريف جسر الشغور ويتبع هيئة تحرير الشام أيضا. وتابعت المصادر: “هناك أيضا سجن خربة الجوز الذي تحول إلى محكمة حاليا، وهو يتبع هيئة تحرير الشام”.
مصادر “المرصد السوري” كشفت كذلك عن سجون الفئة (ج)، وهي سجن “شاهين” المركزي الذي يتبع هيئة تحرير الشام، إضافة إلى سجن “حارم” الذي يقع في منطقة القلعة الأثرية ويندرج تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، إضافة إلى سجن “حارم” المركزي الذي يخضع لسيطرة الهيئة أيضا.
وإلى جانب تلك السجون سالفة الذكر، هناك مجموعة من السجون لم تتمكن مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان من تحديد فئاتها، وهي على النحو التالي: “سجن الكهف الذي يقع في ريف سراقب الجنوبي على أتستراد حلب – دمشق، بين كفربطيخ وخان السبل في منطقة الحرش، إضافة إلى سجن غرب منطقة السحر في ريف المهندسين، وأخيرا سجن آخر في منطقة قبر الإنكليزي بمدرسة المميزون”.

 

 

 

أعداد المعتقلين غير معروفة.. والاتهامات فضفاضة.. والتعذيب من نصيب معتقلي النظام و”العملاء”

حاول المرصد السوري لحقوق الإنسان الحصول على إحصاء دقيق بأعداد السجناء المعتقلين لدى هيئة تحرير الشام أو الفصائل المنضوية تحتها، إلا أن الأعداد غير معروفة حتى الآن وسط تقديرات بأنها تتجاوز الآلاف، خاصة في ظل ورود معلومات عن وجود بعض المعتقلين الذين يقبعون في سجون الهيئة منذ أيام سيطرة جبهة النُصرة قبل إعلان الاندماج في هيئة تحرير الشام، إضافة إلى وجود سجون سرية لا يعلم عنها أحد. وبحسب مصادر “المرصد السوري”، فإن فترات الاعتقال تتراوح ما بين أسبوع إلى أربعة سنوات كلٌ حسب الاتهامات الموجهة إليه، إلا أن هناك عدد من السجناء تجاوزت فترات اعتقالهم تلك المدة بكثير، دون ورود أي معلومات عن أسباب الإبقاء عليهم محتجزين، فيما أشارت مصادر موثوقة إلى أن هناك عدد من المعتقلين المنتمين إلى الجيش الحر لا يزالون معتقلين في سجون الهيئة منذ عدة سنوات.

وعن الاتهامات الموجهة إلى المعتقلين لدى هيئة تحرير الشام، أشارت مصادر موثوقة للمرصد السوري إلى أن الاتهامات صغيرة وكبيرة تبدأ من إطلاق الرصاص في الأعراس وتنتهي بالعمالة مع النظام أو الروس أو التحالف، إضافة إلى تهم أخرى عديدة لا تستوجب السجن فيها ويُكتفى باستدعاء المتهم فيها لعدة ساعات للاستفسار عن التهم الموجهة له ثم الإفراج عنه دون الدخول إلى السجن. وبحسب المصادر، فإن الاتهامات التي تلاحق المتهمين تتنوع إلى حد كبير، حيث تتضمن تبني أفكار تنظيم “الدولة الإسلامية” أو ما يُسمى بـ”الدعشنة”، وتبني أفكار التيار الحازمي نسبة إلى الشيخ أحمد بن عمر الحازمي، إضافة إلى مقاتلة الهيئة والتحريض عليها أو ضرب عنصر من عناصرها أو من عناصر حكومة الإنقاذ، إضافة إلى اتهامات أخرى بسبب الخلافات العائلية وتجارة الحشيش والمواد المخدرة أو تعاطيها، إضافة إلى الاتهامات الخاصة بالقتل أو الانتساب إلى عملية “درع الفرات” المدعومة من تركيا، إلا أن مصادر المرصد السوري أشارت إلى أن مسألة الانتساب إلى “درع الفرات” بات يتم التغاضي عنها إلى حد كبير في الفترة الأخيرة.

مصادر مطلعة أشارت إلى أن معظم المعتقلين في سجون هيئة تحرير الشام، اتُهموا بقتال الهيئة أو الانضمام لعملية “درع الفرات” أو الانضمام إلى عملية “غصن الزيتون” في أوقات سابقة، وكذلك معاداة الهيئة. وأضافت المصادر: “إضافة إلى ذلك، هناك عدد من معتقلي الرأي والصحفيين الذين يتم تلفيق تهم العمالة أو التخابر لهم، وكذلك هناك عمليات اعتقال تجري بحجة الوشاية بأحد عناصر الهيئة، حتى ولو كان الاتهام دون دليل عليه، ويكفي أن يتهم أحد الموالين للهيئة شخص ما حتى يتم اعتقاله وسجنه”. ولفتت المصادر كذلك، إلى أن “معظم السجناء لا يتم محاكمتهم من الأساس، وكذلك هناك عمليات اعتقال تعسفي دون إمكانية زيارة أهل المعتقل لابنهم، حيث أصبح الكثير من المعتقلين في عداد المفقودين ولا يعلم عنهم شيء”.

وحين تُجرى محاكمات للمعتقلين تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، فإن تلك المحاكمات تجري عن طريق قاضٍ يتم تنصيبه من قبل الهيئة. وكشفت المصادر، لـ”المرصد السوري”، عن “وجود شخص يدعى أبوعزام الجزراوي، هو المسؤول عن ذلك الملف. وبعد تلك المحاكمات، لا تتجاوز فترة اعتقال أغلب أصحاب التهم الصغيرة شهر، ولكن المحاكمة تكون بطيئة إلى حد كبير”. وأشارت المصادر إلى أن سجون هيئة تحرير الشام تخضع بشكل عام لإشراف أمنيين ذوي سمعة سيئة معروفين بقسوتهم وموالاتهم للهيئة، إضافة إلى أن أغلبهم من أصحاب السوابق الذين انضموا للهيئة، في حين تخضع بعض السجون لإشراف المهاجرين كما أشرنا سابقا”.

وعن الانتهاكات داخل سجون هيئة تحرير الشام، أشارت مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن “الانتهاكات موجودة بشكل كبير، ولكن اختلف وضعها تماما عن السابق، فمنذ مدة طويلة لم يتم تعذيب أصحاب التهم الصغيرة. أما معتقلي النظام في المعارك أو العملاء مع التحالف والروس وعناصر تنظييم الدولة الإسلامية، فيخضعون لعمليات تعذيب بشكل كبير، حيث يتم ضربهم ووضعهم في التابوت، واستخدام أساليب الشبح والصعق بالكهرباء، وأحيانا خلع الأظافر والتغييب القسري والتعذيب. وبحسب بعض المعتقلين، فإن التعذيب في سجون هيئة تحرير الشام لا يختلف عن التعذيب في سجون (الأسد)، وتصل الانتهاكات إلى حد القتل تحت التعذيب أو القتل عمدا”.

وكان “المرصد السوري” نشر في 19 يونيو/حزيران الماضي، نبأ مقتل ملازم منشق عن قوات النظام منذ أكثر من ثماني سنوات، داخل سجون هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب، دون أن ترد معلومات عما إذا كانت وفاته طبيعية أو تحت التعذيب أو أنه جرى تصفيته، حيث كان الملازم الذي ينحدر من بلدة تريسمة في “ريف حماة”، وجرى اعتقاله من قبل هيئة تحرير الشام، متهما بـ”التخابر مع جهات خارجية”. وعلى الرغم من أن “المرصد السوري” نشر في أبريل/نيسان الماضي، نبأ تسلم حكومة الإنقاذ ملف السجون من هيئة تحرير الشام بشكل فعلي، فإن “المرصد” أشار إلى أن الأوضاع لم تتغير ولا يزال مصير عدد كبير من المعتقلين في تلك السجون مجهولا.

إن المرصد السوري لحقوق الإنسان وإذ يكشف عن أوضاع السجون والمعتقلات لدى هيئة تحرير الشام والظروف القاسية وعمليات التعذيب التي يخضع لها المعتقلين، فإنه يطالب المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية بالتحرك لتسليط الضوء على ما يعانيه المعتقلون في تلك السجون وممارسة أكبر قدر من الضغوط على الأطراف المختلفة في سوريا، لاحترام حقوق الإنسان وحريات المواطنين والتوقف عن عمليات التعذيب والاضطهاد وانتهاكات حقوق الإنسان التي تجري تحت سيطرة أطراف النزاع المختلفة، وتحت مرأى ومسمع من جميع القوى العالمية المنخرطة في النزاع السوري.