فلتانٌ أمني أودى بحياة العشرات.. صراع إيراني – روسي على النفوذ.. ملاحقات أمنية واعتقالات تعسفية.. أوضاع إنسانية كارثية.. “المرصد السوري” يرصد 14 شهراً من سيطرة قوات النظام على محافظة درعا

36

مضى أكثر من 14 شهراً منذ إعلان ” قوات النظام وحلفائها” السيطرة الكاملة على محافظة، تلك السيطرة التي تمت عبر عمليات عسكرية واتفاقيات إقليمية، فرضت على المدنيين إما الرضوخ وإجراء “تسوية” أو التهجير نحو الشمال السوري، إلا أن آثار الحرب وويلاتها ماتزال واضحة في جميع مفاصل الحياة في درعا، ففي الوقت الذي يتصدر الفلتان الأمني فيه واجهة الأحداث اليومية بالمحافظة، يعيش المواطنون الذين رفضوا “التهجير” ظروفاً إنسانية غاية في الصعوبة على كافة الأصعدة، في ظل إطباق النظام قبضة أمنية على المواطنين، ضارباً باتفاق “التسوية” المبرم برعاية روسيا عرض الحائط.

“المرصد السوري لحقوق الإنسان” يواصل رصده لمعاناة أهالي محافظة درعا في مختلف جوانب الحياة، فالاعتقالات التعسفية متواصلة بحق أبناء المحافظة، عبر صدور مذكرات توقيف بشكل مستمر استناداً على تقارير كيدية وخلافات شخصية من خلال “عملاء الأفرع الأمنية” المنتشرة في عموم درعا، أو لذرائع وتهم تتعلق بعمل الأشخاص كناشطين أو اطباء أو عاملين في منظمات المجتمع المدني إبان سيطرة الفصائل على درعا، ما يمنع الشبان من التنقل بحرية لمواصلة أعمالهم خوفاً من الاعتقال، على الرغم من وجود بطاقات التسوية بحوزتهم، كما أبلغت مصادر “المرصد السوري” أن المواطنين يتخوفون من مراجعة المراكز الخدمية والدوائر الحكومية خشية الاعتقال، حتى أن بعضهم لم يتمكن من تسجيل الأطفال حديثي الولادة في دائرة السجل المدني، ولا حتى الحصول على “البطاقة الذكية” الخاصة باستلام مخصصات العائلة من مادتي الغاز والمازوت، ووصل الحال بمخابرات النظام إلى اعتقال النساء والرجال بتهمة ” التواصل مع أقربائهم في الشمال السوري” بعد تفتيش هواتفهم الشخصية.

كما أن قوات النظام لاحقت الشبان والرجال منذ سيطرتها على محافظة درعا، بغية سوقهم إلى الخدمة الإلزامية والاحتياطية في “جيش الوطن”، ولم تكتفي بهذا الحد بل زجت بالكثير منهم في معارك الشمال السوري، حيث وثق المرصد السوري مقتل العشرات من أبناء درعا خلال العمليات العسكرية في الشمال السوري بعد أن جرى وضعهم على الخطوط الأمامية، كما رصد “المرصد السوري” هجرة كبيرة للشباب هرباً من مصيرهم المحتوم في التجنيد الإجباري والاحتياطي قاصدين دول الجوار ومنها إلى دول أوربية.

سيطرة قوات النظام على محافظة درعا أفضت أيضاً إلى أزمة اقتصادية خانقة، فمعظم أهالي محافظة درعا باتوا تحت خط الفقر بسبب قلة العمل والتضييق الأمني عليهم وهو ما يدفعهم وفقاً لمعلومات “المرصد السوري” للعمل في مجال الزراعة وإتباع مواسم الزيتون والقمح لتأمين لقمة العيش، كما أنهم يعيشون على المساعدات المالية المقدمة من قبل ذويهم وأقربائهم في دول الخارج، التي لولاها لكان الوضع كارثياً أكثر مما هو عليه الآن، حيث تشهد الأسواق حالها كحال جميع مناطق نفوذ النظام السوري، ارتفاعاً جنونياً في أسعار المواد الغذائية مع كل انخفاض في قيمة العملة السورية مقابل الدولار الأمريكي وهو ما يزيد من معاناة الأهالي مع أوضاعهم المادية السيئة وانتشار البطالة بين الشباب، وتنحصر فرص العمل بالزراعة الموسمية والحصاد وغيرها من المهن الحرفية، إضافة إلى بعض أعمال البناء، وتعد أجورها اليومية لا تكفي العائلة من احتياجاتها الاساسية فهي لاتزيد عن ألفي ليرة سورية أي مايعادل أقل من 4 دولارات أمريكية، في حين أن أسرة مكونة من خمسة أفراد في حاجة يومياً على الأقل إلى نحو خمسة آلاف ليرة كحد أدنى.

أما عن الواقع الخدمي فأكدت مصادر موثوقة لـ “المرصد السوري” أنه مهمل بشكل كامل، فلا تزال مياه الشرب تنقل بالصهاريج، ومحطات ضخ المياه لا تعمل في معظمها، فضلاً عن تعرضها للخروج عن الخدمة بفعل القصف إبان العمليات العسكرية هناك، كما تعاني المناطق عامة من التلوث وإهمال الصرف الصحي ورفع القمامة، أما عن الكهرباء فهي لا تتجاوز بضع ساعات في اليوم الواحد ناهيك عن الأعطال الدائمة في الشبكة الكهربائية وأحياناً تنقطع لأيام عن بعض المناطق، كما أن هناك قرى وبلدات واقعة في حوض اليرموك غرب مدينة درعا محرومة من الكهرباء لكونها مناطق، كانت تحت سيطرة “جيش خالد بن الوليد” المبايع لتنظيم ” الدولة الإسلامية “.

ولم تتوقف معاناة المواطن السوري في درعا عند هذا الحد، فالحرب الباردة وصراع النفوذ الإيراني – الروسي كان له تأثير كبير على المواطنين هناك، حيث أن إيران والمليشيات التابعة لها متمددة بشكل كبير وصاحبة النفوذ في القسمين الشرقي والشمالي من درعا، بينما الروس والمليشيات الموالية لهم تبسط نفوذها على القسم الغربي من المحافظة، ووفقاً لإحصائيات “المرصد السوري” فإن إيران تمكنت من تجنيد أكثر من 3510 شخص في الجنوب السوري عبر عمليات “تشيُّع”، واللعب على الوتر المذهبي والطائفي مستغلة الأوضاع المذرية للشبان والرجال في درعا.

كما أن جميع ما سبق كان لابد له أن يولد فلتان أمني كبير، تمثل باستهدافات وتفجيرات واغتيالات وكمائن بشكل متصاعد يوم بعد يوم، حتى بلغ أشده انطلاقاً من شهر حزيران/يونيو الفائت من العام 2019 وحتى يومنا هذا، حيث وثق “المرصد السوري” خلال الفترة هذه أكثر من 122 محاولة وهجوم، ووصل عدد الذين استشهدوا وقتلوا إثر تلك المحاولات خلال الفترة ذاتها إلى 80، وهم 9 مدنيين بينهم مواطنتين وطفل، إضافة إلى 41 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها والمتعاونين مع قوات الأمن، و16 من مقاتلي الفصائل ممن أجروا “تسويات ومصالحات”، وباتوا في صفوف أجهزة النظام الأمنية من ضمنهم قادة سابقين، و9 من المليشيات السورية التابعة لـ”حزب الله” اللبناني والقوات الإيرانية، بالإضافة إلى 5 مما يعرف بـ”الفيلق الخامس” الذي أنشأته روسيا.