التدخل في شرق الفرات: “ربما نأتي فجأة ذات ليلة” قريبة جدا الممر هو الهدف الوحيد لـ”المحاصرين” من الداخل و”المحتلين الداخليين”! دعوة أخيرة من أردوغان: تصفير كل مخططات الخرائط.. واشنطن: “لو دخلت تركيا سنضطر للخروج”

50

إن تدخل تركيا في منطقة شرق الفرات في سوريا هو دفاع مشروع بكل ما تحمله الكلمة من معان مجردة، وليس هناك أي دولة أو حكومة أو قوة لديها الحجة الداحضة التي يمكن أن تقف في وجه هذا الدفاع المشروع.

ذلك أن شرق الفرات ليس مسألة إرهاب أو منظمة بي كا كا الإرهابية وحسب، بل إنه أكبر وأقرب تهديد يحدق بتركيا. وبعدما رأيناه في نموذجي سوريا والعراق ليس هناك أي محل حتى للنقاش حول ماهية هذا التهديد.

كان ينبغي لكل الدول التي أرادت أن تقول “لا” أن تتحدث عن الحرب هناك وتجهيزات الهجوم الذي يستهدف تركيا، لكن بدلا من ذلك فإنها دعمت صراحة نمو ذلك التهديد الذي يستهدف تركيا.

ماذا كانت لتفعل جميع الدول التي تدعم ممر الإرهاب في شمال سوريا اليوم لو ظهر على حدودها ولو واحد بالمائة من هذا التهديد؟ ماذا كانت الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل لتفعل؟ فإجابة هذا السؤال وحدها كافية لتوضيح كل شيء.

لن نستطيع أن ننتظر ولو ليوم واحد!

يجب تصفير مسودات الخرائط

حتى لو كان ذلك يعني الانتحار..

وانطلاقا من هذا الأمر، لا يمكن أن تتحمل تركيا ولو ليوم واحد أمام ما يحدث من إنشاء “جبهة تركيا” التي تمتد لمسافة مئات الكيلومترات عند النقطة صفر من حدودها. وكما قال الرئيس أردوغان، تركيا ليس لديها أي فرصة ليمر حتى ولو يوم واحد في ظل هذه الظروف.

إن هذا التدخل الجيوسياسي سيرسم ملامح مستقبل تركيا، وسيقضي على كل مسودات الخرائط التي تستهدف المنطقة، كما لن يكون قاصرا على سوريا وحسب، بل سيجبر كل من في المنطقة على إعادة حساباته.

سيكون ذلك التدخل هو أقوى تدخل لمواجهة “الحصار الخارجي” الممتد من حدود إيران شرقا إلى البحر المتوسط غربا ومن بحر إيجة جنوبا إلى البحر الأسود شمالا، وكذلك سيتصدى لـ”الجبهة الداخلية” وتلك الجبهة التي شكلها محور حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي.

لقد دافعنا على مدار عامين كاملين عن فكرة هذا التدخل “مهما كان ثمنه، حتى لو كان معناه الانتحار”. ذلك أن الأمر كان متعلقا بمبادرة أمتنا لرسم ملامح المنطقة، تلك الوتيرة المستمرة منذ أيام السلاجقة إلى يومنا هذا، كما كان جزءا من الكفاح الذي خضناه في الأناضول وما حولها منذ أيام الحملات الصليبية وحتى الحرب العالمية الأولى قبل قرن من الزمان.

دعوة أخيرة من الرئيس أردوغان:

“ربما نأتي ذات ليلة فجأة” لا بد أن تكون قريبة..

ألقى الرئيس أردوغان على مدار نحو عامين كاملين الكثير من الخطابات حول عملية التدخل، وقال “يمكن أن نأتي فجأة ذات ليلة”، ولم يثق أبدا بأي من اتفاقات التعاون مع الولايات المتحدة، ولقد كانت النتيجة بالفعل في هذا الاتجاه.

لقد أرادوا تقليل تأثير كل خطاب لأردوغان في الداخل وحاولوا منع حشد الرأي العام حول هذا الموضوع. ولقد أطلق أردوغان في آخر خطاب له دعوة لموقف وطني متضامن، وهي الدعوة التي تعتبر النقطة الأخيرة.

وكان وزير الدفاع خلوصي أكار هو الآخر أدلى بتصريح أمس كان بمثابة الإعلان عن أن كل الخيارات فقد صلاحيتها. كما قال عبارة كانت بمثابة النقطة الأخيرة؛ إذ جاء فيها “للأسف تخلفنا كثيرا عن توقعاتنا حول إقامة المنطقة الآمنة. لقد أتممنا استعدادات لمواجهة كل الاحتمالات، فلدينا خططنا الجاهزة، وينبغي للجميع أن يعلم هذا الأمر”.

الممر هو الهدف الوحيد لـ”المحاصرين” من الداخل و”المحتلين الداخليين”!

لقد بذلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الخارج وبي كا كا وداعش (لم يعد لزلك التنظيم معنى) في سوريا ومحور السعودية والإمارات كل ما بوسعهم لمنع التدخل وكسب الوقت وإتمام عملية الحشد العسكري في تلك الأثناء.

وكلما استعدت تركيا للتدخل، جاؤوها بعروض جديدة، لكنهم لم يلتزموا بأي من تلك العروض ولم يفوا بأي من تلك العهود، وما كانوا ليفعلوا ذلك أصلا، فنحن كنا نعلم هذا.

إن الهدف الأساسي للتحالف المشكل في الداخل بين حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي لم يكن السياسة الداخلية أو الانتخابات، بل كان إتمام هذا الممر. فوفق تلك الخطة اتخذوا مواقعهم وتحركوا، فهم لم يخرجوا من محور الولايات المتحدة-بي كا كا.

لقد رسموا ملامح أهدافهم السياسية في الداخل وفق مخططات تركيا والمنطقة التي وضعتها “الجبهة الدولية”. فهذا هو السبب الوحيد لاندماجهم تحت سقف جبهة واحدة ضد أردوغان! وإن إجابة سؤال “من جمعهم على قلب رجل واحد؟” وحدها كافية لكشف النقاب عن كل تلك المخططات.

هناك من انتزعوهم من حزب العدالة والتنمية ليكلفوهم بـ”مهمة”…

إن كل الانتقادات الموجهة لحزب العدالة والتنمية وجهود الخروج من صفوفه للبحث عن طرق سياسية جديدة متعلقة بعملية “تكليف” تتم في هذا الإطار. فهناك مخطط دولي يتخفى وراء عبارات “السياسة السامية” و”القضية”. ولو تلاحظون فستجدون أنه لا يوجد بينهم أحد ينبس ببنت شفة حول هذه الاستعدادات التي تضعها الولايات المتحدة وإسرائيل لتهدد بها بلدنا بشكل مباشر، وما كان لهم أن يفعلوا هذا أصلا.

ولهذا السبب تحديدا فإننا نطلق دعواتنا للوطنين من كوادر وأنصار أحزاب الشعب الجمهوري والجيد والسعادة لنقول لهم إن هذه المسألة أكبر بكثير من كونها مسألة سياسة داخلية، بل إنها مسألة “إيقاف تركيا”، ولهذا علينا أن نتخلص من هذا العمى السياسي…

واشنطن: “لو دخلت تركيا سنضطر للخروج”

لن تستطيع أي دولة الوقوف في وجه التدخل..

لا تستطيع أي دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، الاعتراض صراحة على تدخل تركيا. فليس للولايات المتحدة هناك أي شرعية، لكن هذا يعتبر دفاعا عن الوطن بالنسبة لتركيا. فتلك المنطقة تشهد استعدادات من أجل “حرب معلنة من دولة ضد دولة أخرى”. وإن الخطوة التالية من هذه الاستعدادات هي تشكيل “جبهة تركيا”.

وقد نشرت جريدة ذا وول ستريت الأمريكية أمس خبرا جاء فيه “هناك احتمالية كبيرة لأن تتدخل تركيا في شمال سوريا. وفي حالة كهذه ربما لا يكون أمام الجنود الأمريكان خيار آخر سوى الانسحاب”. فهذه هي المسألة.

الفوضى عمت العراق، وغدا ستعم كل مكان من اليمن إلى لبنان

ولهذا علينا تأمين أنفسنا

بدأت أمس تقريبا في كل مدن العراق مظاهرات احتجاجات واشتباكات في الشوارع. فنيران الصراع السعودي-الإيراني، أو العربي-الفارسي، تنتشر في كل شبر من أرض العراق. كما يمكن تصفير كل مخططات الحرب من خلال تدخل محتمل في أي لحظة من ناحية الجنوب في سوريا.

يمكن أن يتحول التوتر القائم بين إيران من جهة وبين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية والإمارات في منطقة الخليج إلى وضعية تشعل المنطقة كلها من العراق إلى سوريا ومن لبنان إلى اليمن.

ربما عندما نستيقظ من نومنا ذات صباح نجد أنفسنا أمام تطورات مثيرة تجعلنا نعيد كل حساباتنا.

وفي ظل ظروف غامضة كهذه لا يمكن تأخير مبادرة تركيا الفورية لتأمين نفسها.

إن قوتنا الرادعة معلومة للجميع، والمسرحية التي تشهدها المنطقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وما يجب فعله كذلك معلوم، كما لا يخفى على أحد ما هو التهديد والحل وما هو الصواب الذي يجب القيام به.

اتخاذ قرار صائب وصعب في أصعب اللحظات

لقد نجحنا دائما بهذه الطريقة في حماية مستقبلنا

لقد نجحنا منذ أن جئنا إلى الأناضول في حماية مستقبلنا من خلال اتخاذ القرارات الصائبة والصعب في أصعب اللحظات. فهذه كانت طريقتنا لرسم ملامح التاريخ والجغرافيا.

لقد كانت عملية التدخل في قبرص هي أخطر عملية جيوسياسية في تاريخ الجمهورية التركية بعد الحرب العالمية الأولى. فنحن نرى معنى هذه العملية اليوم بشكل أفضل. الأمر ذاته ينطبق على عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون في سوريا عقب محاولة انقلاب 15 تموز الفاشلة.

لقد أغلقت بوابة البحر المتوسط لتلك “الخريطة” الممتدة من حدود إيران إلى البحر المتوسط، واليوم فغن بوابتها الشرقية تغلق بفضل عملية المخلب.

من أجل القضاء على الجبهة المعلومة من الداخل والخارج..

إن التدخل الآن في شرق الفرات سيساهم في تمزيق “جبهة تركيا”، فهذا ما يجب أن يحدث. وهو ما سيكون أكبر تدخل جيوسياسي، فتركيا لديها القدرة على ذلك.

لن تمزق الجبهة القائمة على الحدود وحسب، بل سيمزق كذلك “الحصار” الخارجي و”جبهة الاحتلال الداخلي”، لكن لن يحدث ذلك إلا بإرسال عدد من الجنود.

لسنا بحاجة لتدخل ظاهري، بل يجب التدخل بشكل جاد من أجل حل دائم في المنطقة وتصفير كل مخططات الخريطة ومواصلة المسيرة المستمرة منذ أيام السلاجقة إلى عهد الجمهورية التركية.