الإيرانيون.. دواء مر تجرعه السوريون

58
كان الإيرانيون الدواء المر الذي أُكره السوريون على تجرّعه على مدى أربعة عقود وأكثر.

ما جمع الشامي في صف واحد مع الإيراني لا علاقة له بالبعد الديني الطائفي كما ظن الكثير. المفروض أن “الغايات” هي ما تجمع بين الناس، ولكن في الحالة السورية الإيرانية فإن “الوسائل” هي ما قارب بين الطرفين.

لا توجد أي ضرورة لذكر ألف سبب وسبب يفرّق بين السوريين والإيرانيين، خاصة عند الحديث عن البعد الديني والطائفي.. فدمشق هي عاصمة الأمويين، وملالي إيران حتما لن ينسوا هذه الحقيقة، فهم لا يعيشون إلا في الماضي، وليسوا على استعداد لتجاوز خلافاته، بل هم يصرون على إحياء المناسبات حرصا على ألا تنساها الأجيال، وتتناقلها جيلا بعد آخر.

ملالي طهران أطلقوا من جانبهم الكذبة، والنظام السوري اختار التظاهر بتصديق الكذبة وعمل على تأكيدها. الإيرانيون يدركون ذلك، ويدرك السوريون ذلك أيضا. كان الإيرانيون الدواء المر الذي أُكره السوريون على تجرّعه على مدى أربعة عقود وأكثر.

غالبا ما يختار السياسيون أصدقاءهم بناء على مبدأ عدوّ عدوّك… ولكن في حالات كثيرة ينقلب السحر على السياسيين، لينتهي الأمر بهم في مواجهة عدوّين بدلا من عدوّ واحد.

على رأس الاختيارات الخاطئة التي اتخذتها دمشق، كان تحالفها مع آية الله الخميني في حربه مع النظام العراقي، عدوّ النظام في دمشق. حينها كان جواز سفر السوريين يمهر بعبارة مسموح بزيارة دول العالم، ما عدا إسرائيل والعراق.

الولايات المتحدة ليست عدوّ ملالي إيران وليست إسرائيل أيضا، فكلتاهما خدعة استخدمت للتضليل.. كاموفلاج، وابتزاز عاطفي انطلى فقط على بعض العرب. عدوّ إيران هو عدوّ تاريخي مزروع في هواجسهم المريضة.

اكتفى الملالي بالتهديد والوعيد عندما تعلق الأمر بإسرائيل والولايات المتحدة، وتفرغوا لحياكة المؤامرات عندما تعلق الأمر بالدول العربية. زرعوا عملاءهم في لبنان وفي العراق، الذي أهداه لهم الشيطان الأكبر، وكانوا القشة التي تعلقت بها دمشق، ففتحوا الأبواب لهم ودعوهم للدخول.

نجحت طهران في خديعة بعض العرب، بعض الوقت، وامتدت خارطة مؤامراتها، من اليمن إلى المغرب، وإن لم يتم ذلك بتدخل مباشر دائما، فقد تم من خلال بعثات وجمعيات خيرية موظفة لنشر الفتن وبث الفرقة.

وكما هو متوقع لا يمكن للخديعة أن تنطلي على الجميع، وإن انطلت لا تنطلي كل الوقت. المشروع الإيراني في سوريا وصل إلى طريق مسدود، واليوم تكاد الأخبار تخلو من ذكر الإيرانيين هناك، حيث تمت إزاحة الملالي بهدوء وثقة، من قبل الثعلب الروسي فلاديمير بوتين، الذي تصدى للمشروع التركي الأردوغاني شمال شرقي سوريا، بمباركة أميركية.

في العراق ولبنان أزيلت الخطوط الحمراء، وسمي كل باسمه. اللبنانيون ملأوا صفحات المواقع الاجتماعية بمقاطع فيديو يعلن فيها حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، ولاءه لولاية الفقيه في إيران. وانتشرت تغريدة تقول “كلهم يعني كلهم.. نصرالله واحد منهم”، وتحولت إلى شعار تبناه اللبنانيون بكل طوائفهم.

العراقيون تلقفوا نفس التغريدة، ونفس الشعار بتغيير الاسم، لتصبح “كلهم يعني كلهم.. مقتدى الصدر واحد منهم”. وفي الحالتين، اللبنانية والعراقية، ترجم رفع الشعار من قبل المحتجين على أنه احتجاج مرفوع في وجه ملالي إيران.

أكبر المخاطر التي واجهها العالم، هي مخاطر ارتبطت بأعداء تسلحوا بأفكار كبيرة وادعوا امتلاك الحقيقة المطلقة، الشيوعية والنازية مثال على ذلك. وملالي إيران بما أبدوه من عداء للمجتمع الدولي آخر تجليات تلك المخاطر.

المواجهات العسكرية في سوريا ستنتهي عاجلا أو آجلا، يفرض بعدها على الجميع التوجه إلى طاولة المفاوضات، بحثا عن حل سياسي، ينفرط إثره عقد الشامي عن الإيراني، عندها لن يكون مستبعدا أن يخرج الإيرانيون إلى الشارع رافعين شعار “ارحل” في وجه حكم الملالي.

علي قاسم 
المصدر: العرب

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.