هذه دمشق.. فادخلوها آمنين

33

كل شيء جاهز ليوم الأربعاء، حيث تتجه أنظار العالم إلى مقر الأمم المتحدة في مدينة جنيف، لمتابعة ما ستتمخض عنه اجتماعات اللجنة المشكلة لصياغة دستور جديد، يعيد الاستقرار لسوريا، وينهي واحدة من أكبر المآسي التي شهدتها المنطقة.

بعد مشاورات ماراثونية، استغرقت قرابة العامين، جرت في مدينة سوتشي الروسية، وشملت الدول الضامنة لمسار أستانة، تركيا وروسيا وإيران، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 23 سبتمبر، تشكيل لجنة إعداد الدستور، وقدمت المعارضة السورية قائمة تضم خمسين اسما، وقدم النظام قائمة مماثلة، بينما اختار المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، القائمة الثالثة من بين المثقفين ومندوبي منظمات المجتمع المدني السوري. فكر المشرفون على إعداد اللجنة بكل التفاصيل، وحددوا مجموعة من القواعد الإجرائية، تم الاتفاق عليها بين النظام والمعارضة، بشأن عمل اللجنة الدستورية، ومن بين المواد؛ الحديث عن الدستور نفسه، الذي ستكتبه الهيئة المصغرة.

وتم الاتفاق على أن يرأس اللجنة رئيسان مشتركان، عين النظام أحدهما، وعينت المعارضة الآخر، يعملان معا لإدارة الجلسات، وترؤس الهيئات الموسعة والمصغرة، ويتقاسمان الصلاحيات. وأهملوا شرطا دونه لن يتم نجاح أي اتفاق، هو المسامحة والغفران ونسيان آلام الماضي والحاضر، والكف عن الإشارة لبعضنا باستخدام كلمة معارضة وكلمة نظام.

الأطراف جميعها، محلية وإقليمية ودولية، متفقة على أن الحل في سوريا لا يمكن أن يحسمه القرار العسكري، ولابد من البحث عن حل سياسي للصراع. ولكن، هل يحل إعداد الدستور الأزمة السورية؟ وهل يحق للسوريين أن يأملوا بقدوم الفرج، بعد طول اقتتال، أدى إلى عشرات الآلاف من الضحايا، وتدمير البنية التحتية للبلاد، وتهجير وتشريد ملايين السوريين؟

إن كان الطرف الرسمي الذي يمثل الحكومة، يظن أن المعارضة “خائنة” كيف يجلس إليها على طاولة المفاوضات. وكيف للمعارضة إن كانت هي الأخرى ترى بالنظام السوري مجرما، أن تجلس إليه.

والسؤال الأهم من ذلك كله، هل يمكن الذهاب إلى الانتخابات دون بيئة آمنة ومحايدة؟

جميعنا مخطئ، وجميعنا على حق، حكومة ومعارضة. باستطاعة المعارضة أن تسجل قائمة من الاتهامات والمآخذ ضد الحكومة السورية، وبإمكان الحكومة أن تسجل، هي الأخرى، قائمة من المآخذ ضد المعارضة. وكلا الجانبين على حق، بمقدار ما هو أيضا على خطأ.

إن كان لديكم مثل تلك القوائم، وفروا على أنفسكم الألم ومزقوها، أو أحرقوها وذروا رمادها في الهواء. ما تحتاجونه اليوم ليس “كتابا أسود” تحصون فيه السيئات، كبيرها وصغيرها. ما تحتاجون إليه هو كتاب أبيض، تحصون فيه حسنات بعضكم، مهما صغرت.

تذكروا أن الشديد من امتلك نفسه عند الغضب. وأنتم اليوم في أعلى حالات الغضب. إقطعوا علاقتكم بماض تباهيتم فيه برجال لم يروا من حولهم إلا رؤوسا أينعت وحان قطافها، وابحثوا لأنفسكم عن رجال يديرون خدهم الأيسر لمن ضربهم على خدهم الأيمن.

قالوا لكم من مات وهو يظن أنه على حق دخل الجنة، وأنتم مدعوون جميعا للمساهمة، في اجتماعاتكم بجنيف، إلى إعادة إحياء جنة أرضية طالما تغنى بها الشعراء، أنتم مدعوون إلى إحياء مجد دمشق.. فادخلوها أمنين.

كونوا شجعانا تطالبون بالمصالحة، وليكن لكم في الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، والزعيم الهندي غاندي، أسوة حسنة.

لماذا نقتل “الناطور” وبمقدورنا أكل العنب؟

السوريون الذين عرفتهم وكبرت بينهم، ولا أعلم إن كان من حسن الحظ أم من سوئه، أنني لم أعش معهم مأساة الحرب والاقتتال، يفضلون ثقافة أكل العنب، ويحبذون صوت الموسيقى على صوت الرصاص.

في دمشق وحدها، وعلى بعد خطوات، يرفع الأذان، وتقرع الأجراس، وترفع الكؤوس.