التركيز على إلحاق الهزيمة الدائمة بـ«داعش»

26

النضال لإلحاق الهزيمة بـ«داعش» قد تغيرت صورته. ففي عام 2014، كان التحالف الدولي يقاتل تنظيماً أعلن تأسيس دولته، وسرعان ما توسع باسطاً هيمنته على 110 ألف كيلو متر مربع من أراضي العراق وسوريا. ولكن، وبفضل تضحيات قوات التحالف الدولي وشركائنا على الأرض، لم يبق من «داعش» سوى فلول في شكل شبكات متناثرة من الإرهابيين، أما الأراضي التي كان «داعش» قد احتلها ذات يوم فقد تحررت.
ومع ذلك، فإن شيئاً واحداً لم يتغير؛ إنه الإصرار الجماعي على مواصلة هذا الكفاح حتى نهايته. وفي 14 نوفمبر (تشرين الثاني)، اجتمع وزراء خارجية التحالف الدولي في واشنطن؛ حيث بدا هذا الإصرار جلياً.
وفي الاجتماع الوزاري للمجموعة المصغّرة للتحالف، وافق 31 من الشركاء بالإجماع على الاستمرار في بذل ما يتطلّبه الأمر من جهود، ليس لهزيمة «داعش» عسكرياً، وحسب، بل لجعل العالم في مأمن أيضاً من آيديولوجية هذه المجموعة الإرهابية.
يعمل التحالف جنباً إلى جنب مع القوات الشريكة على الأرض في سوريا والعراق، وسيواصل القيام بهذا الدوْر، مقدماً التدريب وإسداء المشورة بشأن كيفية اجتثاث فلول «داعش». فهذه المجموعة الإرهابية تمرّ منذ مقتل البغدادي بفترة انتقالية على صعيد قيادتها، ما يجعلها في أكثر أحوالها ضعفاً – وهكذا فإن هذا هو أنسب الأوقات لاستمرار الجهود الدولية في متابعة الضغوط على «داعش».
إن العمل على تحقيق استقرار المناطق المحرَّرة يعني تهيئة الظروف التي يحتاج إليها أكثر من 1.5 مليون نازح كي يعودوا إلى ديارهم. ولقد أكد الوزراء في الاجتماع بكل وضوح عدم السماح بأي محاولة لتغيير التركيبة السكانية، أو إجبار الناس على الانتقال إلى أماكن أخرى؛ ولكن اللاجئين الذين هم بأمسّ الحاجة للعودة إلى ديارهم، لا يمكنهم العودة حتى يتم تأمين المناطق المحررة من «داعش»، بحيث تصبح جاهزة تماماً لاستقبالهم. إن العمل على تحقيق الاستقرار – على صعيد استعادة البنية التحتية وحتى توفير الخدمات الضرورية – يكمن في صميم جهود التحالف. ومن شأن ذلك أن يتيح للاجئين والنازحين داخلياً العودة إلى ديارهم وإعادة بناء حياتهم.
بالطبع إن مسألة المقاتلين الإرهابيين الأجانب تحتل أهمية قصوى؛ ونحن في التحالف نشترك بالتزامنا الإبقاء على إرهابيي «داعش» رهن الاحتجاز حتى يصبح بالإمكان مثولهم أمام المحاكم وفقاً للأعراف الدولية. يجب أن يتحمّلوا مواجهة القانون بكل ثقله عقاباً لهم على ما اقترفوه من جرائم. 
وتُجرى الآن محادثات بشأن كيفية التعامل مع هذا الأمر بالنظر إلى طبيعته المعقدة والاختلافات ما بين النظم القانونية الوطنية، لكن العديد من الإرهابيين قد خضعوا للمحاكمة فعلاً، وسوف نشهد المزيد من المحاكمات في الفترة المقبلة.
إن هؤلاء الإرهابين، بشبكاتهم والموالين لهم، إنما يهددون دولنا جميعاً، تماماً كما تفعل دعاية «داعش» المُغرضة المتطرفة. ونحن في التحالف نردّ بصوت واحد للتصدي لآيديولوجية «داعش» الخطيرة من خلال مراكز التواصل الدولية لدينا، التي يوجد عدد منها في المنطقة العربية نفسها – مثل المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) في المملكة العربية السعودية ومركز «صواب» في الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب مراكز أخرى في أنحاء العالم. 
وهكذا نرى أن تعزيزنا لقوة الأصوات التي تقدم بدائل إيجابية للدعاية «الداعشية» المغرضة العنيفة، وحرمان الإرهابيين من فرصة استغلال الإنترنت ووسائل الإعلام الرئيسية، هو السبيل الوحيد لتمكين المزيد من الناس من الابتعاد عن الأفكار المتطرفة.
كما يعمل التحالف على حرمان «داعش» من الموارد المالية التي يحتاجها للقيام بأنشطته. فقد سبق لإرهابيي «داعش» أن سيطروا يوماً على موارد نفطية عادت عليهم بالإيرادات. وما زالوا يحاولون بيع القطع الأثرية المسروقة، واستغلال النظام المالي لتوفير الأموال اللازمة لتنفيذ عملياتهم.
ويعتقد الخبراء أنه يتوفر لدى «داعش» ما بين 50 إلى 300 مليون دولار. ويعمل شركاء التحالف على إعاقة تدفق مزيد من الأموال على التنظيم. 
وقد اجتمعتْ هذا الأسبوع في لوكسمبورغ مجموعة العمل التابعة للتحالف الدولي المعنية بمكافحة التمويل، برئاسة المملكة العربية السعودية وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية، لتنسيق هذه الجهود. وإلى جانب المؤسسات الوطنية لإنفاذ القانون، أنشأ شركاؤنا العديد من المراكز بهدف العمل بشكل خاص على تعطيل عمليات تمويل الإرهاب. ومن الأمثلة على ذلك مركز استهداف تمويل الإرهاب في الرياض.
لا شك في وجود اختلاف بين دول التحالف في المصالح ووجهات النظر حيال بعض هذه القضايا الرئيسية، وذلك نظراً لتنوع دول التحالف ذاتها. وهذا أمر متوقع بالنسبة لتحالف دولي بهذا الحجم. فنحن تحالف يضم 81 عضواً، ونتطلع جميعاً إلى تحقيق مهمة واحدة هي مواجهة عدو مشترك متمثل في «داعش». وقد كان مما أثلج صدري ملاحظة وجود تفاهم بين جميع المشاركين في اجتماع واشنطن على أن هزيمة «داعش» تحتاج إلى التزام مستمر وجهد منسق متعدد الجنسيات، لا سيما في وقت كهذا، حيث تلقي التطورات الاجتماعية والسياسية بظلالها القاتمة على المشهد الذي نعمل فيه ليزداد غموضاً.
واليوم، ألمس ما تحقق من تقدم حين أنظر إلى المدن المحررة، التي أعيد فيها بناء المدارس والمستشفيات، ورجعت إليها العائلات وبدأت الحياة فيها تعود إلى طبيعتها. ومع ذلك، يقلقني أنه يمكن لهذا التقدم أن ينهار في لحظة، إذا عاد «داعش» لأي سبب من الأسباب. عندئذ سيلحق الدمار بكل هذه المدارس والمستشفيات والحياة والمستقبل المشرق، وستتحطم كل هذه الآمال. سيكون هناك الكثير مما سنخسره؛ ولذا، يجب علينا جميعاً أن نواصل تركيزنا على إلحاق الهزيمة الدائمة بـ«داعش»، وهو ما سوف نفعله.

الكاتب:نانسي جمال