ما هي خلفيات الإصرار على الوجود العسكري الأمريكي شرق سوريا

25

بعد انتهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفييتي، أصبح منظرون العلاقات الدولية وعلماء الاجتماع والفلاسفة، يبحثون عن المحرك الأساسي للتفاعلات في العلاقات الدولية بعدما كانت بين الشيوعية والليبرالية.
بعض المنظرين أمثال صامويل هنتنغتون قال إنه صدام الحضارات بين الإسلام الشرقي والمسيحية الغربية، ولكن وقوف الولايات المتحدة الامريكية عام 2008 إلى جانب جورجيا وتركيا الدول المسلمة ضد أرمينيا وروسيا الدول المسيحية أفشل هذه النظرية، وخاصة أن هذه الحرب كانت من أجل تمديد أنابيب الغاز من أذربيجان عبر جورجيا وتركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي. أصبحت موارد الطاقة والجيوبولتيك ( طرق إمداد الطاقة ) من أهم المحركات في العلاقات الدولية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.

عملية «نبع السلام»

في الحالة السورية دخلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى سوريا من أجل محاربة تنظيم «الدولة»، وأسست فيها قواعد عسكرية. و بعدها عندما أطلقت تركيا عملية «نبع السلام» ضد قوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) ظهرت تصريحات كثيرة من الرئيس الأمريكي ترامب حول تخليه عن «قسد» مما أدى إلى قيام قوات قسد بفتح قناة مفاوضات مع النظام السوري عبر روسيا من أجل عقد صفقة تحمي قسد من التقدم التركي السريع، يكون من خلال دخول قوات من جيش النظام السوري إلى مناطق قسد، وتـكون هناك تشاركية في إدارة المناطق في الوقت الحالي على أن يتـم التوافـق على المحـددات السـياسية لاحقا.
ولكن الولايات المتحدة الأمريكية أعادت انتشار قواتها في منطقة شرق الفرات بعد ضغوطات من مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكي على حكومة ترامب من أجل إعادة تثيبت القوات الأمريكية في منطقة شرق الفرات و خاصة في مناطق انتاج البترول. وهذه المنطقة التي لها أهمية اقتصادية وجيوسياسية. ولكن السؤال الأهم في هذه المعادلة ما هي أهمية منطقة شرق الفرات بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية؟ هل البترول؟ ام لأهمية جيوسياسية؟

الحرب المشتعلة

حسـب الاحصائيات الـدولية تمتلك سوريا احتياطيا مثبـتا مـن البترول بما يقارب 2،5 مليار بـرميل، أي 0،18 من الاحــتياطي العـالمي.
ويقدر الإنتاج المتوسط اليومي لسوريا قبل الحرب بما يقارب 405 الف برميل يوميا. وأهم الحقول التي تنتج البترول في سوريا تقع في محافظتي الحسكة ودير الزور، حقل السويدية الذي ينتج يوميا 116 ألف برميل يوميا وحقل الرميلان الذي ينتج 90 ألف برميل يوميا، وحقل العمر والتيم والتنك التي تنتج يوميا 170 ألف برميل يوميا. في حين أن الإنتاج العالمي اليومي من البترول بما يقارب 87 مليون برميل، والاستهلاك اليومي العالمي حسب السوق الدولية بين 87 و 90 مليون برميل يوميا، أي ان الإنتاج السوري من البترول لا يشكل أي تأثير على السوق الطاقة الدولية، وخاصة أن قسما كبيرا منه يذهب إلى الاستهلاك المحلي. بالإضافة أيضا أن هناك صعوبة لنقل الإنتاج السوري خارج سوريا بسبب ظروف الحرب.
وعلى أثر الحرب المشتعلة في سوريا تم تدمير بعض مواقع الإنتاج والبنية التحتية مما أدى إلى انخفاض الإنتاج بشكل كبير، أي أنه أصبحت الجدوى الاقتصادية لاستغلال هذه الآبار ضعيفة، ولهذا لا يمكن لدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية أن تطمع في انتاج سوريا من البترول، ولكن ممكن أن تكون ثروة لميليشيات مثل قسد. لكن الولايات المتحدة الأمريكية تريد حرمان النظام السوري من استغلال البترول في تمويل عملياته العسكرية، وجزء من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أمريكا على النظام السوري. وأعتقد أن إدارة ترامب قالت إنها سوف تبقى لتحمي مواقع البترول، تبريرا لقرار الانسحاب الذي اتخذه ترامب في وقت سابق، وخاصة بعد الضغوطات من المؤسسات الأمريكية الحكومية.

الموارد الطبيعية

ومن هنا يبقى السؤال مطروحا ما أهمية منطقة شرق الفرات بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية؟
تعتبر منطقة الشرق الأوسط منطقة صراع ونفوذ بين الدول الكبرى والإقليمية، بسبب أن هذه المنطقة تمتلك القسم الأكبر من الموارد الطبيعية في العالم وخاصة موارد الطاقة، بالإضافة لتحكم المنطقة في أهم الطرق والمعابر المائية في العالم. لذلك يحتدم الصراع بين القوى الكبرى لكسب حصة أكبر من النفوذ في المنطقة. حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية على إحكام سيطرتها على المنطقة وخاصة بعد ازدياد النفوذ الروسي في سوريا. روسيا تسعى إلى السيطرة على سوريا بشكل كامل بعد إحكام سيطرتها على الساحل السوري ومناطق داخل سوريا، ولكن هذه السيطرة لن تكون كاملة وناجحة بتواجد قوات أمريكية في منطقة شرق الفرات ومنطقة التنف على الحدود السورية الأردنية العراقية.
الولايات المتحدة الامريكية لن تنسحب من هذه المناطق، بسبب أن انسحابها يعني سيطرة روسيا وإيران على كامل سوريا، بالإضافة أنه يوجد تحالف استراتيجي بين إيران والعراق وسوريا تحت الرعاية الروسية، الأمر الذي سوف يؤدي إلى سيطرة روسيا من شرق البحر المتوسط إلى إيران شرق، هذه السيطرة إذا ما تمت سوف تشكل تهديدا استراتيجيا على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وخاصة منطقة الخليج العربي.
لذلك يشكل التواجد الأمريكي العسكري في شرق سوريا ومنطقة التنف، أهمية جيوسياسية استراتيجية، لمنع روسيا من إكمال سيطرتها على منطقة واسعة في الشرق الأوسط وخاصة بعد تمركزها بشكل كبير على ساحل البحر المتوسط. أي أن التواجد الأمريكي في سوريا ذو أهمية جيوسياسية، بالإضافة إلى أنه منطقة مراقبة جغرافية للحدود السورية العراقية التي تعتبر خط الوصل والشريان من إيران إلى النظام السوري وحزب الله في لبنان. أي أن البترول السوري ليس الهدف من تواجد القوات الأمريكية في شرق الفرات.

باحث في العلاقات الاقتصادية الدولية

الكاتب حسن الشاغل