أكاذيب كشفتها الثورة السورية

28
عد قرابة تسعة أعوام من الثورة في سورية، هناك ظاهرة تتصل بأكاذيب أبقتها الأسدية قرابة أربعة عقود حاضرة في الحياة العامة ووعي معظم السوريين، ربما كان أكثر أهمية أن النظام قوي والمجتمع ضعيف، وأن حكام سورية متفوّقون على محكوميها، على الأصعدة الفكرية والأخلاقية بصورة خاصة. ولكن الثورة أكدت عكس ما ادّعاه النظام، وأظهرت أن المجتمع الأعزل، والبعيد عن السياسة والتنظيم، والذي شنّت الأسدية الحرب عليه ليس ضعيفا، بل هو جد قوي. والدليل أنه صمد قرابة عقد أمام جيشٍ مسلح حتى الأنياب، منظم وقابض على أعنّة البلاد والعباد، بل ونجح في تحرير قرابة سبعين بالمائة من وطنه، وكاد يُسقط الأسدية مرة عام 2013، وأخرى عام 2015، عندما تدخلت عسكريا ضده قوة عظمى إقليمية، وأخرى دولية، إلا أنهما فشلتا إلى اليوم في حسم الصراع لصالحهما. لذلك يقر العالم، وتقرّان كلاهما باستحالة الحل العسكري الذي كان خيارهما، بسبب قوة المجتمع السوري وتمسّكه بحريته، وبإخراج الأسد من وطنه. 
لم يُبد المجتمع السوري قوة خارقة وحسب، وإنما أظهر كذلك تفوقا أخلاقيا على العصابة الأسدية، تجلى في ما أبداه من تمسّكٍ بمطالبه النبيلة، على الرغم مما كابده من الألم وقتل مجاني الموت، وما أظهره من كبرياء في مواجهة محاولات تجويعه وإذلاله، لثنيه، من دون جدوى، عن ثورته، بينما كان فساد أهل السلطة وانحطاطهم يبلغان دركاً كان من الصعب تصوّر وجوده، قبلهم. أليس من السمو الأخلاقي أن يرفع شعبٌ ثائرٌ رايةً كتب عليها “الشعب السوري واحد”، ومطلبه الحرية التي سينالها كل فرد منه، من دون تمييز أو استبعاد، بينما رفعت الأسدية راية “نحن أو هم”، ولا تلبية لمطالبهم، ولا بد أن نجد الأعذار والتهم الضرورية لقتلهم، بكل وسيلةٍ وأداة، ومن دون رحمة. 
إذا كان للثورة من فضل، فهو أنها كشفت حجم الهوة بين شعبٍ يطلب الحرية، حتى لمن يحاربونه، وبين الأسديين كقتلة ومجرمين ولصوص، وعدوا الشعب بالحرية نيفا ونصف قرن. وحين ذكّرهم بوعدهم، شرعوا يبيدونه عقابا له على تذكّرها، ورغبته في نيلها. يقال بحق إن الثورات تكشف حقيقة الحاكمين. ومع أن حقيقة الأسديين كانت معروفة للسوريين، فإن أحدا منهم لم يصدّق أنهم مجرّد قتلة بالمعنى الجنائي للكلمة، إلى أن انفجر الغضب، وبان أهل السلطة عراةً من ورقة التوت. ومع ذلك، لم يصدّق السوريون أن ما يفعلونه يمكن أن يصدر عن بشر. يكفي أنهم ارتكبوا، في بيانات الأمم المتحدة، قرابة أربعمئة مجزرة ومذبحة ضد آمنين وعزّل، واستخدموا من الأسلحة ضد الأبرياء ما قد يتردّد الصهاينة في استعماله ضد الفلسطينيين. وقد فعلوا ذلك في وقتٍ قطعوا خلاله أي علاقةٍ كانت لهم مع شعبهم، غير علاقة القتل والتجويع التهجير، فلا عجب أن صاروا سبّة العصر والإنسانية بأسرها، وصار يكفي أن تقول أنا سوري، حتى يبادرك محاورك إلى السؤال: كم أنا آسف لما أنتم فيه، من أين جاء هذا الوحش الذي يقتلكم؟ 
تبنّت ثورة السوريين مطالب نبيلة، لو نفّذ ربعها، لكان شعبنا في طريقه إلى العدالة والإخاء، ولما سفكت دماؤهم، ولحققوا حريتهم، ونالوا حقوقهم مدنيا وسلميا، لصالح كل فردٍ من مجتمعهم، ولاتجهوا نحو نظام مواطنةٍ يحكمه القانون، لكن المجرم أبى إلا أن يتمسّك بحكم الغابة، ودولته العميقة التي قمعت السوريين ونهبتهم نيفا ونصف قرن، لكنهم طالبوا بالحرية حتى لمن ينتسبون إليها، باعتبارهم ضحايا للطغيان، كغيرهم من مواطنيهم. 
سيسجل التاريخ أن الشعب السوري ارتقى بثورته إلى صعيدٍ مفعمٍ بالقيم والأخلاق، بينما انحطّت الأسدية سياسيا وأخلاقيا إلى دركٍ لا قاع له، دفاعا عن نظامٍ يعيش على سفك الدم.. القوة التي لن يوقف سيرها نحو حريتها أحد.
الكاتب : ميشيل كيلو