موسكو بين الكرد والنظام في سورية

24
وضعت عملية “نبع السلام” العسكرية التركية في شمال شرق سورية الكرد والسلطات السورية وجهاً لوجه. ومع هذا الواقع الجديد، برز الروس ضامناً للحوار بينهما، لا سيما أن الجانب الروسي نجح في عقد تفاهم أمني عسكري بينهما، أفضى إلى انتشار القوات السورية النظامية في المناطق الحدودية مع تركيا، كما حلت القوات الروسية تدريجياً محل القوات الأميركية في القواعد والمناطق التي انسحبت منها الأخيرة. ولعل هذه التطورات دفعت بقوات سورية الديمقراطية (قسد) إلى الموافقة على الاتفاق الروسي – التركي عقب عملية “نبع السلام”، وإلى تكثيف اللقاءات مع الجانب الروسي، أملاً في دور روسي يفضي إلى التوصل إلى اتفاق سياسي مع السلطات السورية.
أمام هذا الواقع الجديد، ثمّة أسئلة كثيرة تطرح، لعل أهمها: هل فعلاً يمكن أن تعترف دمشق بالوجود القومي للكرد؟ وهل يمكن أن تقبل بالإدارة الذاتية في شرقي الفرات؟ في المقابل، هل يمكن لـ”قسد” أن تقدم خطاباً واضحاً لجهة الخيارات السياسية النهائية؟ وإلى أي درجةٍ تستطيع أن توفق بين مطالبها المحلية ومحدّدات العلاقة مع المركز؟
مع الاعتراف المسبق باختلاف الرؤى وتناقضها بين النظام و”قسد” بشأن التطلعات التي تطرحها “قسد”، وكيفية التوصل إلى اتفاق بينهما، ثمة محدّدات ربما تساعد على حوار منشود  

بين الطرفين، ولعل من أهمها اتفاق الطرفين على أهمية وحدة الصف والجهود في مواجهة المخاطر التركية، إذ أبرزت العمليات التركية الثلاث (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام) والخطوات التركية الجارية في المناطق التي سيطرت عليها، ما تقول عنها “قسد” نوايا تركية على شكل أطماع بالشمال السوري، واستراتيجية للبقاء طويلاً في هذه الأراضي.
ثانياً، أن روسيا تقدم نفسها بدور الضامن للحوار بين دمشق و”قسد”. ومع أن حدود هذا الدور لم تتضح بعد، إلا أنه نجح في دفع الطرفين إلى التوصل إلى تفاهم عسكري في مناطق في شرقي الفرات، وهو ما رسم خريطة جديدة للنفوذ والأدوار والمسارات، لعل أهمها أن انتشار القوات السورية في المناطق الحدودية مع تركيا ينزع من الأخيرة حجة أن الكرد انفصاليون ويريدون تقسيم سورية. وثالثاً، طبيعة العلاقة والأدوار بين “قسد” ودمشق تشكل محدّداً طبيعياً للحوار، إذ لم تشهد العلاقة بينهما طوال سنوات الماضية حروباً أو صراعاتٍ دموية. وفي أحيان كثيرة، تقاطعت هذه العلاقة، لا سيما لجهة محاربة تنظيمات وفصائل مسلحة معارضة. وهنا ينبغي التذكير بأن اللقاءات لم تنقطع بين الطرفين طوال الفترة الماضية.
بعيداً عن تناقض المواقف بين دمشق و”قسد” بشأن القضايا السياسية المثارة، ثمّة تصوّر لدى دمشق بأن التطورات أخيراً أضعفت من موقف “قسد” وخياراتها، خصوصاً في ظل الضغط  

الروسي واستمرار التهديد التركي. وعليه، انطلاقاً من هذا التصور، تنطلق دمشق في تصورها للحوار مع “قسد” من حقيقة عدم قبول وجودها بوصفها مؤسسة عسكرية وإدارة ذاتية في المستقبل، في حين أن هذا التصور هو ضد المطلبين الأساسيين لها، أي الاعتراف بالإدارة الذاتية والاعتراف بخصوصية “قسد” في الجيش السوري في المستقبل، فنموذج الاتفاق الذي تطرحه “قسد” هو من أشكال الاعتراف السياسي، في حين أنه بحسب دمشق، وكما طرح الرئيس السوري بشار الأسد، في مقابلته أخيراً مع وسائل إعلام سورية، يدور حول شكلٍ من الحقوق الثقافية، ولعل حديثه عن النموذج الأرمني في سورية من حقوق ثقافية وتعليمية كان رسالة واضحة وموجهة إلى الكرد أكثر من أي طرف آخر، مفادها بأن النموذج الثقافي وحده مطروح للحوار والاستجابة.
أمام هذا الواقع، تتجه الأنظار إلى الدور الروسي، ومدى جديته في تحقيق الهدف المنشود. ومن يراقب التصريحات الروسية، لا سيما من وزير الخارجية لافروف، يرى أن التصور الروسي لا يصبّ في صالح الاستجابة لمطالب “قسد” المتمثلة بالاعتراف بالإدارة الذاتية، فروسيا التي لوّحت سابقاً باستخدام الورقة الكردية في وجه تركيا هي الآن في أفضل علاقات مع الأخيرة، بل ترجّح المصالح المتزايدة بين الجانبين مزيداً من التفهم الروسي للمطالب التركية، كما أن موسكو كثيراً ما تتهرّب من مطالب الكرد من بوابة معاقبة “قسد” على تحالفها مع واشنطن. ولعل هذا الواقع يضع “قسد” أمام خيارات ورهانات صعبة، تحديداً في ظل الخرائط الجديدة لموازين القوى في شرقي الفرات، والمخاطر التي تهدّد تحالفها مع القبائل العربية التي يعمل النظام على إخراجها من منظومة “قسد”. ولكن في جميع الأحوال، يبقى الروسي هو الأقدر على الضغط على دمشق و”قسد” معاً للتوصل إلى حلٍّ لا يكون على مقاس “قسد”، ولعل ما يدفع الروس إلى ذلك هو التطلع إلى التمسّك بكل أوراق الأزمة السورية.

الكاتب:خورشيد دلي