محرقة سوريا المدفونة

21

كان ملفتاً الموقف العنيف الذي تم اتخاذه من حصول الكاتب النمساوي بيتر هاندكه على جائزة نوبل، رغم أن السبب الذي دفع الكثيرين للاحتجاج على تسلمه هذه الجائزة يكاد أن يبدو منطقياً لجهة حقوق الإنسان، فالحاصل على نوبل للآداب ينكر وقوع إبادة جماعية من قبل القوات الصربية بحق البوسنيين.

مظاهرات احتجاجية في العاصمة السويدية شارك بها صحفيون وأكاديميون وناشطون من مختلف دول العالم، وآخر هذه الاحتجاجات كان إعلان طبيبة سويدية حاصلة على نوبل للسلام نيتها إعادة الجائزة احتجاجاً على حصول هاندكه عليها، ولعل موقف الطبيبة كريستينا جدير بالاحترام والتقدير.

لا نريد الدخول في تاريخ جائزة نوبل، وفي مدى استحقاق بعض الأسماء لهذه الجائزة أم لا، خصوصاً وأن الكثير من الانتقادات وجهت للجنة هذه الجائزة على مر الأعوام، ولكن ما نود السؤال عنه هنا، هل يمكن لبشار الأسد يوماً أن يحمل جائزة عالمية مثل نوبل؟

قبل 10 أعوام  حصل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على جائزة نوبل للسلام ، وهو الرئيس الذي راقب بحراً من دماء السوريين، شكلت سياسته أحد أهم نقاط تغذيتها.
أوباما الذي أعلن سلسلة من الاعترافات والاعتذارات على أخطاء سياسته، لمنظمة أطباء بلا حدود بعد قصف الجيش الأميركي مستشفى تابع للمنظمة في قندوز بأفغانستان ، واعترافه بأن أكبر الأخطاء التي ارتكبها خلال فترة رئاسته هو فشله في وضع خطة ناجحة لمرحلة ما بعد سقوط نظام القذافي.
أوباما الذي حمل جائزة نوبل للسلام، رفض 50 اقتراحاً عام 2012 من وكالة استخباراته الـ CIA لإزاحة بشار الأسد، وجاء رفض أوباما بعد موافقة الكونغرس ورؤساء لوكس في الاستخبارات على تلك الخطط، ولم يكتف الرئيس الأمريكي في رفض الخطط وإنما رفض حتى الاستماع لتلك الخطط.

حسناً، إن كان أوباما رئيس أكبر قوة في العالم وجد من يعترض على حصوله على جائزة نوبل، فهل سيجد الأسد من يعترض على بقائه على نهر الدماء السوري؟ وهل من المستحيل أن يحصل على جائزة سلام يوماً ما؟ ولماذا نبدو متشائمين إلى الدرجة التي يبدو حصول الأسد فيها على تكريم احتمالاً موجوداً؟

لنعترف، أننا كسوريين فشلنا في إيصال قضيتنا إلى العالم، وتفوق علينا الأسد، حين حولنا قضيتنا إلى مجرد صور تتبناها وكالات عالمية، نحفظها وننشرها ونتنادى لنضع اسم “سورية” بجانبها؛ لنصل إلى العالم، نفرح يوم تتصدر صورة لنا صفحة وكالة أنباء عالمية، ولكننا ننسى بعضنا، فنهتم بنكئ جراح بعضنا، والقفز على جثث بعضنا لنصل إلى عالمية كاذبة.

تحولنا خلال سنوات الثورة إلى خبراء إصدار بيانات، وخبراء تواصل مع منظمات أوروبية؛ لنحصل على تمويل لمؤسساتنا الخلبية، ونتصدر المشهد السياسي بوفد للتفاوض، فتتحول حياتنا إلى الهرولة من طيارة إلى أخرى، ومن بلد إلى آخر، ونضحك في سرنا لفوزنا بدعم فصيل أو كيان سياسي، وحصولنا على مقعد بجانب المستفيدين وأعمار بعضنا لم تتخطَّ 26 عامًا.

أنشأنا خلال 6 سنوات ما لا يعد ولا يحصى من الدكاكين الثورية، وسمعنا أول مرة بتعبير “أساء إلى الذات الإلهية” في إدلب معقل المعارضة، وكفّرنا بعضنا بعضًا، وحين وصلنا إلى بلد اللجوء صرخنا في وجه باقي السوريين، طالبين بإغلاق الباب وراءنا، استخدمنا داعش وإرهابها للحصول على اللجوء، وتجاهلنا الأسد وجرائمه وإرهابه.

أنشأنا إعلاماً هزيلاً، بلا مصداقية، يختبئ وراء داعمين، يرسم خططه الإعلامية وأخباره بناء على رغبة الداعم والممول، وأصبحنا خبراء بالاحتيال وقطع أرزاق بعضنا، ومارسنا كل ما تعلمناه من سنوات الصمت الأربعين من طرق تذاكي؛ لكي نسرق الفرص من أمام بعضنا، لم نستطع أن نوصل للعالم المجازر التي ارتكبها الأسد بحق أهلنا، ونعرف أننا لن نخرج من مستنقع الموت والتجاهل العالمي، إلا عندما نتعامل على أننا أناس عاديون نحب ونكره ونغار ونخطئ ونصيب، والثورة ليست معصومة عن الخطأ، ولسنا جلادين؛ لنمارس أحكام الإعدام على كل من يقول رأياً مخالفاً، عندها فقط ربما سنحرك بعد سنوات مظاهرة ضد بقاء الأسد جالساً على بحر دماءنا.

الكاتب :هنادي الخطيب