المسؤولية الدولية تجاه هدف إنساني عاجل

18

تكاد منطقة شرق المتوسط، تنفرد عن مناطق العالم الباقية في وقوعها ضمن دائرة العنف القاتل والمتصاعد. ففي هذه المنطقة تستعر نيران حرب معلنة ومستمرة في سوريا منذ ثماني سنوات، ويقف العراق ولبنان على شفا حرب مماثلة في ضوء ما يشهدانه من تظاهرات واحتجاجات تواجه بعنف شديد، يوفر أساسا لإطلاق حرب، ثمة من يدفع اليها بكل طاقته باعتبارها البوابة الوحيدة للحفاظ على وجوده واستمراره، فيما تستمر المواجهات الفلسطينية/الإسرائيلية المزمنة، والتي تهدد في ضوء الوقائع القائمة باندلاع حرب بين الجانبين على نحو ما صار مكرراَ حدوثه بين وقت وآخر بين الإسرائيليين وفلسطيني قطاع غزة.

غير أن ما سبق، لا يمثل إلا ملمحاَ من ملامح عنف شرق المتوسط، ويشمل وقائع ما يجري من حرب في سوريا، تنخرط فيها دول وجماعات، يكاد يكون من الصعب حصر عددها، لكن في عداد الدول روسيا والولايات المتحدة وكلتاهما من أكبر واقوى دول العالم، ومن الدول الإقليمية ايران وتركيا وإسرائيل، وثلاثتها بين الأهم والأقوى في الشرق الأوسط، ومن التشكيلات والعصابات المسلحة ميليشيات باكستانية وأفغانية وعراقية ولبنانية، تضاف إلى قوات سوريا الديمقراطية الكردية وما تبقى من ميليشيات “داعش” وفرع القاعدة “هيئة تحرير الشام” وفي قائمتها بعض أهم العصابات المسلحة في العالم.

وحضور تلك الدول والجماعات في الحرب الجارية، يجعلها بمثابة حرب عالمية على مسرح صغير، يستعير اليوم إدلب ومحيطها ليقدم احد فصوله الأشد دموية، حيث يتعاون حلف نظام الأسد مع الإيرانيين والروس في هجوم خارجي، يقوم فيه طيران الروس بقصف صاروخي، فيما ترسل حوامات الأسد البراميل المتفجرة، وتشن قوات النظام وإيران وميلشياتهما هجمات برية، فيما تقوم هيئة تحرير الشام وحلفاؤها من تشكيلات مسلحة بهجوم داخلي في مدن وقرى إدلب ومحيطها لإحكام قبضة التطرف عليها، ويمثل المدنيون ببيوتهم وأسواقهم ومستشفياتهم ومدارسهم هدف الهجمات الخارجية والداخلية على السواء، التي توقع قتلى بالعشرات يومياً وأضعافهم من الجرحى، وقد أصبح نحو مئة ألف من السكان في مخيمات مؤقتة أو تحت أشجار الزيتون وسط ظروف الشتاء، وانهيار قيمة العملة المحلية.

وحشية الحرب الجارية في سوريا، ولا سيما مشاهدها الفظيعة في إدلب ومحيطها، لها صورة تقاربها في العراق، تشمل بغداد والنجف، ممتدة إلى البصرة والناصرية وأغلب المحافظات، حيث يقتل يومياً عشرات المتظاهرين السلميين باعتراف كل الأطراف وبكل أدوات القتل من الأسلحة البيضاء الى الأسلحة النارية والقنابل المسيلة للدموع، التي ثبت أنها لا تسيل الدموع فحسب، وإنما تؤدي إلى القتل المباشر، والكل يستنكر، ويطالب بالكشف عن القتلة، والكل يعرفون القتلة، لكنهم يتجنبون تسميتهم أو الإشارة إليهم حتى.

ورغم أن الوضع في لبنان أقل مأساوية، فإنه متجه نحو تصعيد العنف والإرهاب مؤخراً بالتزامن مع انهيار في سعر صرف العملة، ما دفع إلى تزايد ضحايا هجمات شبيحة نافذين في النظام من أنصار حركة أمل وحزب الله من جهة، وحالات الموت انتحاراً من جهة أخرى.

وتطرح مجريات واحتمالات الوضع اللبناني، ما يمكن أن يصيب بلدانا أخرى في شرق المتوسط ومحيطها القريب، ليس فقط لأن انفجاراَ حصل مؤخراَ في إيران، وتمت السيطرة عليه بعنف غير مسبوق، إنما لأن الوضع في لبنان وإيران أيضا، لم يكن انفجارهما الأخير متوقعاً، لكنه حدث، وهو ما يمكن أن يحصل في بلدان آخرى، وقد تحولت إلى بلدان هشة، وصار الخوف في أغلب عواصم المنطقة أساس السياسة، التي تواصلها الحكومات، وكله يجعل انفجارها مرتقباً.

والمأساة الإنسانية التي تغرق بها بلدان شرق المتوسط، واحتمالاتها الكارثية المرتقبة، تطرح على العالم خطوة عاجلة لوقف ما يجري والتصدي لاحتمالات تطور الكارثة، والتي ترى بعض دول ومؤسسات، أنه غير كاف للتحرك من هذا النوع،  وفي هذا تجاهل أو عزوف عن أن يكلف هؤلاء أنفسهم التمعن بالوضع من جوانبه المختلفة، لاكتشاف أن ثمة أسباب إضافية وحقيقية، تفرض التحرك المأمول، وأول هذه الأسباب هو منع تداعيات ما يحدث واحتمالاته على بقية العالم، ولعل الأبرز فيها الإشارة إلى ثلاث نقاط أفرزتها الأحداث السورية على محيطها القريب من دول الجوار والأبعد منها كما هي حال أوروبا، وقد واجهت لجوءاً وهجرة غير شرعية واسعين، وتحملت أعباء اللاجئين إضافة لما تركه تصاعد نشاط جماعات الإرهاب والتطرف في سوريا من هواجس وتحديات أمنية.

إن أسبابا أخرى، تتجاوز الأسباب الطارئة، تفرض تحركاً عالمياَ للتدخل في شرق المتوسط، بينها أن المنطقة، ما زالت ذات تأثير قوي في الواقع الاقتصادي للعالم وبخاصة بسبب امتلاكها مخزونا كبيرا من النفط والغاز من جهة، وبفعل موقعها الجغرافي على عقدة المواصلات الدولية، وتماسها مع الشرق الأوروبي إضافة لما تمثله من إرث في السياق الحضاري الإنساني، وكلها مهددة بالضياع والدمار، إذا استمر العنف والدمار وتفاعلاته المتواصلة والمتصاعدة في المنطقة.

لقد قصرت السياسة الدولية وبخاصة من جانب الولايات المتحدة وأوروبا في اتخاذ مواقف حاسمة وقوية مما جرى في سوريا، بل إن مواقفها جسدت تناقضا معلنا، وسط إطلاق مبررات غير حقيقية بينها عجز المعارضة عن خلق بديل لنظام الأسد ووجود جماعات الإرهاب والتطرف ولا سيما جبهة النصرة وتنظيم داعش، الأمر الذي فهم منه نظام الأسد وحلفاؤه سكوتا أميركيا/ أوروبيا عن سياساته وممارساته بحكم التابعية الأوروبية للسياسة الأميركية، وهو ما شجع إيران وميليشياتها على الذهاب إلى الأعمق في موقفها إلى جانب النظام، وجعل روسيا تدخل الصراع بكل ثقلها السياسي والعسكري، لتشكل مع نظام الأسد وإيران حلفاً عدوانياَ ضد الشعب السوري وطموحاته للحرية.

وسط ما حصل في سوريا، وما صارت إليه القضية السورية، ومع احتمالات تعميم الحالة السورية في بلدان أخرى في شرق المتوسط، ومع تردي السياسة التي تتابعها الدول المتدخلة، فقد صار على الرأي العام الدولي ومنظماته ومؤسساته المختلفة التحرك العاجل للمطالبة بتدخل دولي حاسم في سوريا والمنطقة لوقف ما يجري، ليس من دواعي الضمير فحسب، وإنما تجنباً للأضرار، التي ستصيب العالم من جراء ما يجري.

صحيح أن الرأي العام منشغل بقضايا كثيرة منها الاهتمام بالبيئة وحقوق الأطفال والنساء وقضايا الفقر والبطالة والتعليم والإرهاب والفساد، وكلها حاضرة في واقع شرق المتوسط إضافة إلى القتل والدمار والتهجير. لقد أن الأوان لتسمع دول العالم ومنظماته الأممية من يطالب بوقف ما يجري وأوله عمليات القتل والتدمير، وهو ما ينبغي أن يكون هدفاَ إنسانيا عاجلاَ.

الكاتب: فايز سارة