سورية الشهيدة !

28

واظب الخبراء الدوليون على الحديث عن سورية المفيدة، التي ستبني الأسدية نظامها فيها، تاركة مناطق البلاد الأخرى، غير المفيدة، للمعارضة.

تلك كانت ، على الأرجح ، خبطة إعلامية هدفها ضعضعة معنويات خصوم الأسد والروس، التي لم تكن بحاجة الى من يضعضعها، بعد الهجوم الروسي عليهم، والتحول في ميزان القوي الذي أحدثه لصالح سفاح دمشق.

أما هدف الخبطة فربما كان جر المعارضة إلى تركيز قواها مناطق ما صار يسمى” سورية المفيدة”، أو على مناطق قريبة منها، يسهل القضاء عليها فيها.

ولكن، ما إن حتلت واشنطن شرق الفرات، حتى ظهرت سورية مفيدة أخرى ، لكنها حقيقية ولا تقارن بسورية الأسدية، التي سرعان ما زال اسمها من التداول، بعد أن بانت المنافع الباهرة للمنطقة البديلة، وتأكد أنها تسبح على بحر من النفط، ومخزون هائل من الغاز، وتنعم بعشرات مليارات الأمتار المكعبة من الماء الغني بالطمي، وبسهول تصلح لزراعة القطن والقمح والشعير والعدس والحمص والشوفان والشمندر السكري… الخ، وأن موقعها كمنطقة بين العراق وتركيا والسعودية والأردن وساحل المتوسط الشرقي يضعها في قلب استراتيجيات هذه الدول وقوى العالم الكبرى والعظمى،  لذلك يتصارع عليها وفيها الأصدقاء والأعداء، وتحافظ واشنطن على وجودها العسكري فيها، رغم إعلان رئيسها سحب قواته منها مرتين، سمح بعد الثانية منهما بدخول قوات روسية وتركية وإيرانية وأسدية ومعارضة وقسدية إليها، في حشد للقوى يرشحها لما يمليه ما صار فيها من تعارض مصالح ومشاريع وخطط تضيق بها وبألاعيبها، التي صار يبدو أنها ستقرر مصير السوريين ، معارضة وموالاة، بما يتخطاهم الى صراعات وتوافقات مادتها وموضوعها مصالح الآخرين في سورية وما وراءها، بعد أن أخذت مسألتها تنضوي تحت حيثية الأمن القومي التركي، الذي حوّل قضية الكرد السوريين إلى مسألة المسائل في سياساته السورية، مع أنها ليست كذلك في الحقيقة، لكونها جزءا أصيلا وجوهريا من المسألة الديمقراطية الوطنية السورية، ويحبط  حلها الممكن في الاطار الوطني السوري تحويلها إلى مكاسرة تجري اليوم بين االمنخرطين في المنطقة من الدول،  والموافقين على السياسة التركية ومعارضيها من السوريين، ومن المؤكد أنها ستجري غدا بين تركيا وسورية كدولتين جارتين تقرر الأولى منهما منذ بعض الوقت مصير الثانية استباقيا، وتعيد إنتاجها انطلاقا من حل مفروض بالقوة لمسألة ذات أبعاد تركية أكبر بكثير من توضعها السوري، ولن تحل بالتالي وإن تجاهلت أنقرة جانبها الداخلي، علما بأن كرد سورية لا يهددون أمن اسطنبول القومي ، ولن تفعل ذلك أيضا الدولة السورية العتيدة، رغم أن حماقات وتطرف بعض الكرد ، وقصور المعارضة الوطني، ساعدا تركيا على على اعتماد سياساتها الراهنة، وسهّلا احتلال جيشها مناطق مهمة جدا من سورية، وتحويلها إلى “منطقة آمنة” بفضل ترحيل قسم كبير من سكانها الحاليين وإسكان مليون مهاجر سوري فيها ، دون تشاور مع الائتلاف ورفض من سيرحلون منها إلى منطقة لا يعرفونها، لأن معظمهم غريب عنها، ومن المؤكد أنه ستكون في انتظارهم مصاعب تصحب عادة من  يقتلعون من بيئتهم، حيث أهلهم وأصدقاؤهم وعملهم وموارد رزقهم، ويوطنون في بيئة لا ينتمون إليها، وليست موجوداتها وأراضيها ملكهم، بل هي لسكانها الأصليين ، الذين سيخسرون مقومات وجودهم، وممتلكاتهم، وبيوتهم التي ولدوا وعاشوا فيها، بما سيؤدي إليه ذلك من مشكلات ستدخل سورية في طور جديد من ازمان نوعية داخلية ودولية، لن تحل مع ذلك مشكلة  تركيا، التي ليست مع كرد سورية بل مع كردها، بينما يمكن للسوريين التوصل الى حل وطني ديمقراطي يمكن أن تكون أنقرة طرفا فيه، وجزءا من الجهود الضرورية لإنجاحه، فضلا عن ضمان أمنها تعاقديا بإدراجه فيه ، واعتباره جزءا رسميا وملزما منه ، قبل وبعد عودة السوريين إلى بيوتهم، التي يجب ان تتم من خلال تطبيق قرارت مجلس الأمن، التي تقر بهذه العودة كحق طبيعي لهم، لطالما اعلنت انقرةج دعمها له، والحت على احترامه بضمانات دولية، بينما سيكون إسكان مليون منهم بين منطقتي تل أبيض ورأس العين تدبيرا تركيا تعسفيا وأحادي الجانب، ولن يحترم حقوق سكانها الأصليين، التي تحميها القرارات الدولية.

ليس كرد سورية جزءا من المشكلة الكردية في تركيا، ولن ينهي تهجيرهم مع من سيرحلون من العرب وغيرهم،  تهديد أمن انقرة القومي، بل سيزيده . وإذا سلمنا جدلا أنه ينهي المشكلة الكردية بالنسبة لأنقرة، فإنه سيخلق بالتأكيد مشكلة عربية/ كردية في سورية،  سيكون من الصعب حلها، ما دامت إعادة سكانها الأصليين إلى مناطقهم ستعني ترحيل سكانها البديلين، والغرق في دائرة شيطانية لا تحتاج سورية اليها ، ويتعارض الدور التركي فيها مع تأكيدات المسؤولين الاتراك حول حرصهم على سورية وامن وسلام شعبها ، بعد خلاصه من عدوهما المشترك: نظام الأسد ! .

أخيرا، ماذا لو حدث تبدل في السياسة التركية، وحلت حكومة أخرى محل حكومة الرئيس أردوغان،صاحب مشروع المنطقة الآمنة ، التي ستفصل مناطق يسكنها بعض كرد سورية عن تركيا،  في حال بقي وضع كرد الداخل التركي على ما هو عليه، أو تردى، وبدأ عمل وطني جاد للتوصل إلى حل ديمقراطي للمسألة الكردية في سورية، يعترف بالحق في المواطنة المتساوية لعموم السوريين، وبحقوق الكرد القومية في إطار الجماعة الوطنية السورية؟. لا شك أن من سيرحلون عن ارضهم سيربطون قبول هذا الحل باستعادتها، وبالتالي تهجير من حلوا محلهم فيها ، وفي هذا ليس فقط تعطيل للخيار الديمقراطي الوطني بومته، وإنما أيضا مواجهة سورية الجديدة بحقبة من الفوضى والنزاع بين السوريين، لن تكون بحاجة إليها .

لا بد من الدخول في حوار سوري تركي صريح حول أهداف أنقرة في بلادنا، يغطي ايضا ما حدث خلال مأساة عفرين، التي فقد عشرات آلاف السوريين الكرد خلالها ممتلكاتهم وروابطهم الأسرية والإنسانية، وهجروا من بيوتهم، بوسائل  يستخدمها محتلون أغراب، ولا يستخدمها أخوة في وطن واحد. لا بد أيضا، من التقيد بالقرارات الدولية الخاصة بسورية، لمنع ما لا يقبل الاصلاح، وإضافة كارثة جديدة إلى بلايا شعبنا الممزق وبلادنا المدمرة، سيتناقض حدوثها مع   تأكيدات تركيا حول حرصها على شعبنا ووطننا، ورغبتها في مساعدتنا على بلوغ أهدافنا العادلة، والتحرر من الوباء الأسدي !

الكاتب:ميشيل كيلو  – المصدر بروكار برس