سوريا في نحو 9 سنوات: قتل وتدمير متواصل.. ومرتكبي جرائم الحرب يفلتون من العقاب.. وروسيا وإيران ورقة “النظام” الرابحة لاستعادة السيطرة.. و”الدولة الإسلامية” يتحول إلى “خلايا”.. ومناطق النفوذ والسيطرة تتبدل يوما بعد يوم

62

يحل العام الجديد دون أن تحل معه بوادر حلول في الأفق لأزمة تقترب في عمرها من تسع سنوات كاملة، فلم يعد يفصل العالم سوى شهران وعدة أيام على اكتمال تسع سنوات على بداية الأزمة السورية التي شهدت على عجز المجتمع الدولي وعدم قدرته على إنقاذ الأبرياء والمدنيين من آلة القتل المستمرة التي لا تتوقف للحظة واحدة على أيدي مختلف الأطراف. ومع اكتمال السنوات التسع، لا تزال الأوضاع متأزمة على الأرض في ظل تبدلات السيطرة من طرف إلى آخر وانتقال مناطق النفوذ من هذا إلى ذاك، ليبقى المواطن السوري منذ اليوم الأول للأزمة هو الضحية الرئيسية التي لا يعبء لها أي طرف من أطراف الأزمة. في تسع سنوات، عمل المرصد السوري لحقوق الإنسان على توثيق ورصد كل ما يجري من تطورات على الأرض وعلى المستوى السياسي كذلك، من أجل توثيق كل ما يجري من انتهاكات بحق الشعب السوري، لعله يأتي يوما يُحاسب فيه مرتكبي جرائم الحرب التي جرت خلال كل تلك السنوات على أفعالهم. وعلى الرغم مما حملته السنوات التسع من أحداث ومتغيرات حددت وغيرت المشهد على أرض الواقع في الداخل السوري، فإن هناك أحداثا بارزة شهدتها تلك السنوات مثَّلت منعطفا في تاريخ الثورة السورية التي تحولت إلى حرب أهلية. ويستعرض “المرصد السوري” أبرز تلك الأحداث على مدار السنوات التسع التي خلفت مئات الآلاف من القتلى وملايين المصابين وملايين النازحين داخليا واللاجئين خارجيا، ناهيك عن الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية في كافة أنحاء سوريا نتيجة القصف العشوائي الهائل الذي تشنه أطراف الأزمة دون أي اهتمام بما يؤول إليه مصير المدنيين على الأرض.

النظام يقمع المتظاهرون بحثا عن الحرية والديمقراطية.. والثورة تتحول إلى حرب أهلية

في السادس من مارس/آذار 2011، اعتقلت قوات النظام 15 فتى بسبب كتابة شعارات مناهضة لرئيس النظام على بعض الجدران في محافظة “درعا” في جنوب سوريا، ما دفع العشرات إلى الخروج في مظاهرات للمطالبة بـ”الحرية” ورحيل رئيس النظام بشار الأسد الذي تحكم عائلته البلاد منذ عام 1971، وبدأت قوات النظام عملية قمع المظاهرات المعارضة بالقوة والسلاح مع تمدد تلك المظاهرات إلى مدن سورية أخرى. ولم تكد تمر أسابيع قليلة على انطلاقة الأحداث في مارس 2011، حتى بدأت قوات النظام حملة اعتقالات موسعة طالت عشرات الآلاف لا يزال مصير أعداد كبيرة منهم مجهولا حتى اللحظة، حيث وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان على مدار السنوات التسع، استشهاد 16152 مدنيا سوريا في سجون ومعتقلات النظام التي باتت أشبه بـ”أقبية موت”، وتنقسم حصيلة الشهداء في معتقلات النظام، على النحو التالي: 15964 رجلاً وشاباً و125 طفلاً و64 مواطنة منذ انطلاقة الثورة السورية. وتعد تلك الحصيلة هي ما نجح المرصد السوري لحقوق الإنسان في توثيقه بالأسماء والهويات الكاملة لهؤلاء الشهداء، من أصل 104 آلاف علم “المرصد السوري” أنهم فارقوا الحياة واستشهدوا في المعتقلات، حيث حصل على معلومات من عدد من المصادر الموثوقة عن أنه جرى إعدامهم وقتلهم واستشهادهم داخل معتقلات وسجون قوات النظام ومخابراتها، من ضمنهم أكثر من 83% جرى تصفيتهم وقتلهم ومفارقتهم للحياة داخل هذه المعتقلات في الفترة الواقعة ما بين شهر آيار/مايو 2013 وشهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 2015، فيما أكدت المصادر كذلك أن ما يزيد عن 30 ألف معتقل منهم قتلوا في سجن صيدنايا سيئ الصيت، فيما كانت النسبة الثانية الغالبة هي في إدارة المخابرات الجوية.

لم تمر سوى أشهر قليلة، حتى جرى تأسيس ما يسمى بـ”الجيش السوري الحر” المكون من مدنيين قرروا حمل السلاح ومنشقين عن الجيش السوري، من أجل قتال قوات النظام وحماية المدنيين، لتبدأ بعدها معارك عنيفة نجح من خلالها مقاتلو المعارضة في السيطرة على مناطق مهمة، خصوصا في حمص وحلب. وفي مارس/آذار 2012، سيطرت قوات النظام على معقل المعارضة في حمص، وشهدت مناطق عدة عمليات عسكرية دامية خصوصاً في حماة بعد تظاهرات حاشدة ضد النظام. وفي يوليو من العام ذاته، أطلقت فصائل المعارضة معركة “دمشق”، التي نجحت فيها في السيطرة على مناطق واسعة في ضواحي العاصمة، أبرزها الغوطة الشرقية.

وفي عام 2013، بدأت مرحلة جديدة غيرت المشهد على الأرض وخلقت سلسلة أزمات لا تحصى في سوريا، حيث بدأت الطائرات والمروحيات بإلقاء الصواريخ والبراميل المتفجّرة على مناطق الفصائل تزامناً مع فرض حصار بري خانق، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف قوات النظام عن ارتكاب أبشع الجرائم والانتهاكات بحق المواطنين السوريين بحجة مكافحة الإرهاب واستعادة مناطق سيطرة فصائل المعارضة.

“حزب الله” اللبناني.. تحول في مسيرة النزاع بعد عامين من انطلاقة الثورة

في أبريل/نيسان 2013، أعلن حزب الله اللبناني دخوله طرفا في الحرب السورية دعما لحليفه رأس النظام السوري بشار الأسد، وهو ما يمثل انتهاكا جديدا ارتكبه “الاسد” بحق أبناء شعبه باستقوائه بقوى خارجية واستحضارها إلى الأراضي السورية لممارسة أبشع أنواع القتل بحق السوريين، حيث كان تدخل “حزب الله” اللبناني مصحوبا بدعم عسكري ومادي إيراني سخي، بداية من “المستشارين العسكريين” والمقاتلين الشيعة من العراق وأفغانستان وباكستان، وحتى محاولة فرض النفوذ الشيعي والسيطرة على الأراضي السورية، حيث أطلقت إيران بمعاونة “حزب الله” حملة شرسة ضد السوريين أسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد عشرات الآلاف مع استعادة قوات النظام السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد على مدار السنوات القليلة الماضية، في وقت تعمل فيه إيران من أجل نشر نفوذها في كافة أنحاء المناطق السورية، عبر عمليات التشييع واستقطاب السوريين للانتماء إلى فصائلها وميليشياتها مقابل رواتب مالية مغرية.

وفيما يعد دليلا على أن النظام لم يعد يملك مقاليد الأمور وبات خاضعا لا يمكنه السيطرة على البلاد دون حلفائه، يتواصل الصمت من جانب النظام حول استمرار القوات الإيرانية ووالمليشيات الموالية لها عمليات التجنيد السرية لصالحها في الجنوب السوري والضفاف الغربية لنهر الفرات، عبر عرابين تابعين لها أو مواقع جرى تحويلها لمراكز للتشيع، مثل “سرايا العرين” التابع للواء 313 في شمال درعا، بالإضافة إلى مراكز في منطقة اللجاة ومناطق أخرى بريف درعا ومدينة الميادين وباديتها وضواحيها ومنطقة البوكمال وغيرها بريف دير الزور غرب نهر الفرات. وبحسب مصادر “المرصد السوري”، فإن عمليات التشيع تلك تجري مقابل السخاء المادي واللعب المتواصل على الوتر الديني والمذهبي، حيث أكدت المصادر تزايد أعداد المتطوعين في الجنوب السوري إلى أكثر من 4620 متطوع، فيما ارتفع عدد الشبان والرجال السوريين من أعمار مختلفة ممن جرى تجنيدهم في صفوف القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها مؤخراً بعد عمليات “التشيُّع” إلى نحو 2870، ضمن منطقة غرب نهر الفرات في ريف دير الزور، إذ تعمد المليشيات الإيرانية لتكثيف عمليات التجنيد، تزامنا مع انشغال الجانب الروسي بالعمليات العسكرية والاتفاقات الأخيرة مع تركيا فيما يتعلق بشمال سوريا.

“الخلافة”.. فصل جديد في الأزمة السورية بإعلان تنظيم “الدولة الإسلامية” سيطرته في سوريا والعراق

كان السوريون على موعد جديد مع تحول في مجريات الأمور في يونيو/حزيران 2014، حيث أعلن زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” ما أسماه بـ”دولة الخلافة” في مناطق واسعة سيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق. وبعد سيطرة التنظيم على مناطق واسعة في سوريا، عمل عناصره على ارتكاب انتهاكات عدة ضد المواطنين السوريين في المناطق الخاضعة لهم، حيث عملوا على طرد المواطنين من منازلهم واعتقالهم وفرض عقوبات وإتاوات عليهم، إضافة إلى عدد لا يحصى من الانتهاكات.

كانت نقطة التحول في مسيرة تنظيم “الدولة الإسلامية” هي محاولته السيطرة على مدينة عين العرب (كوباني) الحدودية السورية في 13 سبتمبر/أيلول 2014، إلا أن المنطقة شهدت معارك عنيفة بين الوحدات الكردية المسماة بـ”وحدات حماية الشعب” وعناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، حيث تمكن المقاتلون الأكراد من صد هجمات عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، وفي 27 يناير/كانون الثاني 2015، نجحت الوحدات الكردية بمساعدة الضربات العسكرية التي شنتها قوات التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” في دحر التنظيم والتسبب في الهزيمة الأولى له منذ سيطرته على مناطق شاسعة في سوريا والعراق، حيث اعتبرت المعركة نقطة تحول في المعركة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”

منذ ذلك الحين، بدأت معارك عنيفة بين وحدات حماية الشعب الكردية بالتعاون مع قوات التحالف الدولي وعناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، حيث أطلق التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” عملياته في سوريا، وعكفت الولايات المتحدة على البحث عن حلفاء موثوقين يمكن دعمهم لتشكيل قوة برية يتولى “التحالف” توفير الغطاء والدعم الجوي لها، حتى انتهى الأمر بالتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية نواتها الرئيسية، ونجحت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالتعاون مع التحالف الدولي، في السيطرة حتى الثلاثين من سبتمبر المنصرم، على مساحة 28.8% من مساحة سوريا بإجمالي مساحة تصل إلى 53396 كيلومتر مربع من مناطق شمال وشرق سوريا تشمل كامل منطقة منبج وريفها في غرب نهر الفرات، وكامل منطقة شرق الفرات باستثناء عدة مناطق تسيطر عليها قوات النظام وحلفاؤها في شرق الفرات قبالة مدينة دير الزور، إلا أن الأوضاع تبدلت في أعقاب التدخل العسكري التركي، حيث انسحبت قوات التحالف لصالح القوات الروسية وفقا للاتفاق المبدئي بين قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية برعاية روسيا، والذي ينص على انتشار قوات النظام والشرطة العسكرية الروسية في مناطق شمال سوريا.

وتوجت عمليات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا بإعلان هزيمة التنظيم وإنهاء سيطرته على الأراضي السورية في مارس/آذار 2019، ثم إعلان مقتل زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بعد أن كانت قوات سوريا الديمقراطية بالتعاون مع التحالف الدولي، استعادت السيطرة على مدينة “الرقة” التي كانت تعتبر أبرز معاقل التنظيم في سوريا والتي أطلق عليها التنظيم لقب “عاصمة الخلافة”. وبعد ذلك تحول التنظيم إلى “خلايا نائمة” تنفذ عمليات انتحارية وتفجيرات من آن لآخر ضمن الانفلات الأمني في مناطق نفوذ “قسد” في دير الزور، إضافة إلى سيطرة التنظيم على 1.8% من إجمالي الأراضي السورية في منطقة البادية.

التدخل الروسي.. النظام يستقوي بالخارج لاستعادة السيطرة على أراضيه مقابل دماء شعبه

في الثلاثين من سبتمبر/أيلول عام 2015، منح مجلس الاتحاد الروسي تفويضا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للانخراط العسكري في سوريا، حيث أعلن “بوتين” وقتها أن التدخل الروسي سيقتصر على الضربات الجوية من أجل هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” والمتطرفين في الحرب الشرعية التي يخوضها الجيش السوري ضد تلك الجماعات، بطلب من رئيس النظام بشار الأسد. وبدأت القوات الروسية على الفور بشن ضربات جوية على مواقع تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” وفقا لما أعلنته وزارة الدفاع الروسية، لتنطلق بعدها سلسلة من الضربات والغارات والمساعدات العسكرية والسياسية لنظام “الأسد”، أفضت إلى استعادة النظام السوري السيطرة على حوالي 71.7% من إجمالي الأراضي السورية بعد أن كان يسيطر على أجزاء ضئيلة جدا من الأراضي السورية. ووفقا لإحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان، حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2019، تبدلت الأوضاع في أعقاب التدخل العسكري التركي، حيث لم يتبق لـ”قسد” سوى 29220 كم2 بنسبة 15.7% من إجمالي مساحة الأراضي السورية، مع سيطرة “النظام” على 133262.8 كم2 بنسبة 72% من الأراضي السورية، إضافة إلى سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على 3283 كم2 بنسبة 1.8%، فيما تسيطر الفصائل المختلفة المدعومة أمريكيا وتركيا والفصائل المقاتلة على نسبة 10.5% من إجمالي الأراضي السورية بما يعادل 19414.2 كم2.

التدخلات التركية.. عمليات عسكرية تقضم مناطق سيطرة ونفوذ داخل سوريا

في 24 أغسطس/آب 2016، أعلنت تركيا تدخلها في الأزمة السورية بشكل مباشر عبر عملية عسكرية أطلقت عليها اسم “درع الفرات”، قالت إن الهدف منها هو مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” و”الجماعات الكردية الإرهابية على الحدود”. وشنت القوات التركية وجماعات المعارضة السورية المسلحة المتحالفة معها عمليات عنيفة حتى 29 مارس/آذار 2017، حين أعلن الجيش التركي رسميا اكتمال عملية “درع الفرات” بنجاح، وسيطرت تركيا بموجب تلك العملية على مناطق واسعة في غرب نهر الفرات. وفي 20 يناير/كانون الثاني 2018، عادت تركيا لتشن عملية جديدة تنتهك بها الأراضي السورية، حيث شنّت بالتعاون مع مقاتلين سوريين موالين لها، هجوماً غير مسبوق في شمال سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية في منطقة “عفرين”. وبعد شهرين تقريبا من المعارك العنيفة ضمن ما يعرف باسم عملية “غصن الزيتون”، نجحت القوات التركية والفصائل الموالية لها في السيطرة على منطقة “عفرين” ذات الغالبية الكردية، ما أسفر عن مقتل وإصابة ونزوح عشرات الآلاف، ناهيك عن الانتهاكات شبه اليومية التي يوثقها المرصد السوري لحقوق الإنسان والتي ترتكبها الفصائل الموالية لتركيا على مرأى ومسمع من الجيش التركي ضد المواطنين، دون أي اعتبار لقوانين ومواثيق ومعاهدات الحروب ومناطق النزاعات والتعامل مع أسرى الحرب.

ورغم الهدوء النسبي الذي ساد مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا بعد إعلان هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”، فإن ذلك الهدوء لم يكن مقدرا له الاستمرار، حيث أعلنت تركيا من جديد عن شن عملية عسكرية جديدة ضد قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا تحت مسمى عملية “نبع السلام”، والتي تمكنت تركيا بموجبها من السيطرة على المنطقة الواقعة بين رأس العين وتل أبيض، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من شمال سوريا في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ما دفع قوات سوريا الديمقراطية إلى اللجوء إلى روسيا والنظام لإبرام صفقات لانتشار قوات النظام في مناطق عدة في الشمال السوري، لمنع التدخلات التركية في المنطقة.

المفاوضات السياسية.. وسيلة روسيا لاستعادة الأراضي السورية تحت سيطرة النظام

لم تكتف روسيا بانخراطها عسكريا في الأزمة السورية، بل إنها قررت استخدام المجال السياسي كذلك لإبعاد تركيز العالم عن مفاوضات جنيف وسحب البساط منها، حيث أطلقت روسيا في الثالث والعشرين والرابع والعشرين من يناير/كانون الثاني 2017، النسخة الأولى من محادثات “أستانا” بين حكومة النظام و”المعارضة” السورية. وعلى مدار 3 أعوام تقريبا، شهدت الأراضي السورية تحولات هائلة في مساحات السيطرة على الأرض، وباتت تلك المحادثات بمثابة نقطة الانطلاق الأول التي نجحت من خلالها روسيا بمعاونة تركيا، في إعادة السيطرة على أغلب الأراضي السورية إلى “النظام السوري”، لتكون روسيا وتركيا قد قدمت لنظام بشار الأسد على طبق من ذهب ما فشل فيه على مدار السنوات السابقة على انطلاق تلك المحادثات. في شهر يناير 2017، ووفقا لإحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان، كانت المساحة الواقعة تحت سيطرة “النظام” السوري لا تتجاوز 35944 كيلومتر مربع، أي ما يعادل 19.4% من إجمالي مساحة الأراضي السورية، في حين كانت قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على 34230 كيلومتر مربع بإجمالي نسبة 18.5%، بينما كان نصيب الأسد لتنظيم “الدولة الإسلامية” الذي سيطر آنذاك على 79293 كيلومتر مربع بنسبة 42.8% من إجمالي الأراضي السورية، فيما كانت الفصائل الإسلامية والمقاتلة و”درع الفرات” والفصائل المدعومة غربيا تسيطر على 35713 كيلومتر مربع، بنسبة 19.3% من إجمالي الأراضي السورية. لكن المحادثات التي كان يفترض بها أن تكون من أجل تسوية الأزمة والتركيز بشكل أساسي على تثبيت وقف إطلاق النار، تحولت إلى منفذ لكل من روسيا وتركيا لتثبيت سيطرة النظام على الأراضي السورية من خلال الاتفاقات التي جرى التوصل إليها برعاية روسيا وتركيا، حتى باتت قوات النظام والفصائل الموالية لها –بحلول الثاني من يناير/كانون الأول 2020- تسيطر على نحو 72% من إجمالي مساحة الأراضي السورية.

9 أعوام ولا تزال آلة القتل مستمرة.. أكثر من 380 ألف قتيل وشهيد موثق.. والتعداد الحقيقي يتخطى ذلك الرقم

على مدار تسع سنوات إلا شهرين وبضعة أيام، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان استشهاد ومقتل ومصرع 380636 شخصاً على الأراضي السورية، منذ انطلاقة الثورة السورية في 15 آذار/مارس من عام 2011 وحتى مطلع اليوم الأول من عام 2020، وتوزعت الخسائر البشرية على النحو التالي:

*الشهداء المدنيون السوريون: 115490، بينهم 21949 طفلاً و13612 مواطنة، وقد توزعت نسبة الشهداء المدنيين وفقا للطرف الذي تسبب باستشهادهم على النحو التالي: 75.9% على يد النظام وطائراته، و7.3% على يد روسيا وطائراتها، و6.9% على يد الفصائل و”قسد”، و5.4% على يد تنظيم “الدولة الإسلامية”، و3.3% على يد التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية”، و1.2% على يد القوات التركية وطائراتها وحرس حدودها.

*المقاتلون السوريين في صفوف الفصائل المقاتلة والإسلامية وقوات سوريا الديمقراطية وفصائل وحركات وتنظيمات أخرى: 66547 قتيلا، إضافة إلى 2625 من المنشقين عن قوات النظام.

*قتلى قوات النظام: 66620، إضافة إلى 51594 من قوات الدفاع الوطني والمسلحين السوريين الموالين للنظام.

*حزب الله اللبناني: 1682 قتيلا، إضافة إلى 8245 قتيلا من المسلحين غير السوريين الموالين للنظام والمسلحين من الطائفة الشيعية.

*جنود أتراك: 111

وخلال الفترة ذاتها، وثق “المرصد السوري” مقتل 67395 من مقاتلي الفصائل الإسلامية وهيئة تحرير الشام “جبهة فتح الشام -وجبهة النصرة سابقاً” وتنظيم “الدولة الإسلامية” والحزب الإسلامي التركستاني وتنظيم جند الأقصى وتنظيم جند الشام والكتيبة الخضراء وجنود الشام الشيشان والحركات الإسلامية من جنسيات لبنانية وعراقية وفلسطينية وأردنية وخليجية وشمال أفريقية ومصرية ويمنية وإيرانية وأفغانية وسودانية وجنسيات عربية أخرى. وبحسب توثيقات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن مجموع القتلى مجهولي الهوية الموثقين بالأشرطة والصور، بلغ 417 قتيلا، وكان المرصد السوري “قد وثق أسماء 3691 شخصاً كانوا مجهولي الهوية”

ولا تتضمن تلك الإحصائية التي وثقها المرصد السوري لحقوق الإنسان عبر جهود متواصلة، نحو 88000 مواطن استشهدوا تحت التعذيب في معتقلات نظام بشار الأسد وسجونه، كان “المرصد السوري” قد حصل على معلومات عن استشهادهم خلال فترة اعتقالهم، كما لم تتضمَّن مصير أكثر من 3200 مختطف من المدنيين والمقاتلين في سجون تنظيم “الدولة الإسلامية”، إضافة إلى أنها لم تشمل مصير أكثر من 4100 أسير ومفقود من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، وما يزيد عن 1800 مختطف لدى الفصائل المقاتلة والكتائب الإسلامية وتنظيم “الدولة الإسلامية” وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً)، بتهمة موالاة النظام.

ويقدّر المرصد السُّوري لحقوق الإنسان العدد الحقيقي لمن استشهد وقتل خلال السنوات التسع الماضية، بما يزيد بنحو 105 ألف عن الأعداد التي تمكن “المرصد السوري” من توثيقها، نتيجة التكتم الشديد على الخسائر البشرية من قبل كافة الأطراف المتقاتلة، إضافة إلى وجود معلومات عن شهداء مدنيين لم يتسنى التوثق من استشهادهم لصعوبة الوصول إلى بعض المناطق النائية في سوريا. كما أن العمليات العسكرية المتواصلة وعمليات القصف والتفجيرات أسفرت عن إصابة أكثر من مليوني مواطن سوري بجراح مختلفة وإعاقات دائمة، فيما تشرد نحو 12 مليون مواطن آخرين، من ضمنهم مئات آلالاف الاطفال ومئات الآلاف من النساء بين مناطق اللجوء والنزوح، كما تدمرت البنى التحتية والمشافي والمدارس والأملاك الخاصة والعامة بشكل كبير جداً.

وفي محاولة لتقديم توثيق أكثر دقة للخسائر البشرية وفقا لهوية مرتكب جرائم القتل والانتهاكات بحق المدنيين، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان الحصيلة عبر جداول وتصنيفات لهوية المنفذ، حيث توزع المجموع العام للشهداء المدنيين البالغ عددهم 115490 على أقسام مفصلة تتبع لطريقة القتل التي أزهقت أرواح المدنيين السوريين لتكون على الشكل التالي:

* بلغت الخسائر البشرية على يد قوات نظام بشار الأسد والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية 45188 شهيد مدني سوري، هم: 27834 رجلاً وشاباً و10874 طفلاً و66480 مواطنة. ووبلغت الخسائر البشرية نتيجة غارات طائرات نظام بشار الأسد الحربية والمروحية إلى 26280 شهيد مدني، هم: 16588 رجلاً و5926 طفلاً و3766 مواطنة، في حين بلغت الخسائر البشرية في معتقلات النظام وسجونه 16152 شهيد مدني سوري، هم: 15963 رجلاً وشاباً، و125 طفلاً و64 مواطنة.

* وفيما يتعلق بحصيلة الخسائر البشرية على أيدي القوى المتدخلة في سوريا بذريعة تخليص أبنائها من الظلم والقتل، فقد بلغت الخسائر البشرية في الضربات الصاروخية والجويَّة الروسيَّة 8427 شهيد مدني سوري، هم: 5107 رجلاً وشاباً و2040 طفلاً و1280 مواطنة، فيما بلغت الخسائر البشرية جراء قصف التَّحالف الدَّولي 3833 شهيدا مدنيا، هم: 2150 رجلاً وشاباً و972 طفلاً و711 مواطنة، في حين بلغت الخسائر البشرية بقصف القوات التركيَّة وطائراتها 993 شهيدا مدنيا، هم: 675 رجلاً وشاباً و193 طفلاً و125 مواطنة، بينما بلغ تعداد الخسائر البشرية على يد حرس الحدود التُّركي 445 شهيدا مدنيا، هم: 324 رجلاً وشاباً و79 طفلاً و42 مواطنة.

* نزفت دماء السوريين على أيدي الفصائل وقوات سوريا الديمقراطية والحركات والتنظيمات الموجودة على الأرض السورية، والتي صُنِّفت على أنها “معارضة” للنظام، حيث بلغت الخسائر البشرية على أيدي الفصائل المعارضة 7981 شهيدا مدنيا، هم: 6019 رجلاً و1217 طفلاً و745 مواطنة، فيما وصل تعداد الخسائر البشرية على يد تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى 6183 شهيدا مدنيا، هم: 5266 رجلاً وشاباً و520 طفلاَ و397 مواطنة. كذلك، قتلت الاستهدافات الجوية والبرية الإسرائيلية 8 شهداء مدنيين سوريين، هم: 3 رجال و3 أطفال ومواطنتان.

ثمانية أعوام وعشرة أشهر تقريبا على انطلاقة الثورة السورية وتحولها إلى حرب أهلية لم تتوقف خلالها آلة القتل التي انتهجتها كافة أطراف الأزمة منذ اللحظة الأولى ضد المدنيين السوريين.. تمر تلك الأعوام ويجدد المرصد السوري لحقوق الإنسان تأكيداته بأنه كان ممكن تجنب كل تلك الويلات التي عانى منها السوريون وانعكست آثارها على المنطقة والعالم بأسره، لو كان المجتمع الدولي أبدى إرادة حقيقية للتدخل والضغط على النظام وداعميه وأطراف النزاع الأخرى وداعميهم، من أجل وقف نزيف الدماء السورية. يحل عام جديد على السوريين لكنه لا يحمل معه حلول مطروحة في الأفق لحل الأزمة، في وقت تعزز فيه روسيا والنظام وتركيا وأطراف أخرى من عملياتها في سوريا سعيا لحصد أكبر قدر ممكن من المكاسب والنفوذ، وعلى هذا، يجدد المرصد السوري لحقوق الإنسان مناشداته إلى المجتمع الدولي لاتخاذ موقف حاسم تجاه ما يجري من نزيف دماء للسوريين على أيدي مختلف الأطراف. ويؤكد “المرصد السوري” أن استمرار المجتمع الدولي في تجاهل جوهر الأزمة والاكتفاء بالتنديد والإدانات ومحاولة احتواء الآثار الجانبية، لن يسفر إلا عن سقوط المزيد من الأبرياء والضحايا الذين لم تقطعت بهم السُبل ما بين مشردين في العراء في أجواء وظروف إنسانية صعبة ومشردين في مخيمات النزوح التي تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات المعيشة الإنسانية الكريمة، وما بين لاجئين في دول خارجية يعيشون في أسوأ الظروف الممكنة وبعضهم يشكل عبئا على دول فقيرة بالأساس، ناهيك عن مئات الآلاف من الأطفال الذين انقطعوا عن الدراسة وباتوا يعيشون تحت خط الفقر، إضافة إلى مئات الآلاف من المصابين الذين يعانون إصابات وإعاقات دائمة.

إن السنوات الماضية تسبب في تدمير نسيج المجتمع السوري إلى حد كبير، خصوصا في ظل الانتهاكات التي تجري ومحاولات التغيير الديمغرافي التي رصدها “المرصد السوري” والتي تحاول تركيا إحداثها في المناطق الحدودية السورية. من جديد، إن الحل الآني الذي يقي السوريون ويلات جديدة وينقذ المنطقة بالكامل من آثار ستمتد إلى عشرات السنين، هو اتخاذ قرارات حاسمة عبر المنظمات الدولية المعنية لوقف آلة الحرب السورية وفرض حل سياسي على كافة الأطراف. كما يناشد المرصد السوري لحقوق الإنسان المنظمات الدولية الإغاثية المعنية بأوضاع النازحين واللاجئين، بالنظر في أوضاع مئات وربما آلاف المخيمات العشوائية التي تعاني أسوأ الظروف الإنسانية وتهدد بكوارث إنسانية هي الأكبر في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير.

وانطلاقا من عقيدة “المرصد السوري” وإيمانه بحق السوريين في دولة ديمقراطية وحياة كريمة تضمن له مقومات حياة إنسانية كريمة، يؤكد “المرصد السوري” أنه لا يزال مستمرا في توثيق ورصد كافة ما يجري على الأراضي السورية والانتهاكات التي ترتكبها مختلف الأطراف. ويؤكد “المرصد السوري” كذلك استعداده لتقديم كافة الوثائق والأدلة والمستندات إلى الجهات الدولية المعنية حال طلبها، من أجل محاكمة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا، حيث يؤكد “المرصد السوري” أن التهاون في حساب من ارتكبوا تلك الجرائم سيرسخ عقيدة عالمية جديدة للإفلات من العقاب، وعلى هذا، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يدعو الجهات القضائية الدولية المعنية بالتحقيق فيما جرى في سوريا من جرائم وانتهاكات، والوقوف على مرتكبيها ومحاسبتهم وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.