عن التمييز بين الضحية والقاتل.. قاسم سليماني نموذجا

23

قبل أيام لقي قاسم سليماني قائد ما يسمى “فيلق القدس” حتفه في غارة أمريكية، في بغداد، ما أثار تساؤلات وخلافات كبيرة وعميقة، في الأوساط السياسية العربية، وفي وسائط التواصل الاجتماعي، بشأن دور هذا الرجل ومكانته في إطار المشروع الإقليمي لإيران، كما في شأن تقييم هذا المشروع، الأمر الذي يمسّ بتعريف القتيل، كضحية أو كمجرم.

بداية انطلق المستنكرون لمقتل سليماني، والذين تعاملوا معه كضحية، وكبطل، وكأسطورة، من دلالة أن الرجل كان خطرا على المشروع الأمريكي والإسرائيلي، وأنه قضى في غارة أمريكية، بيد أن هؤلاء ينسون تفصيلا بسيطا، وهو أن أبو بكر البغدادي زعيم داعش، ومدعي الخلافة، كان قد قتل قبل أشهر معدودة، أيضا، في غارة أمريكية (قرب إدلب)، وقبله بسنوات قضى أيضا بن لادن زعيم القاعدة في غارة أمريكية، فلماذا لم يتم التعاطي معهما على النحو ذاته إذن؟ أو هل أن استهدافه من قبل غارة أمريكية دلالة على براءته، أو بياض صفحته؟

أيضا ينسى هؤلاء أن سليماني كان طوال السنوات الماضية، يتحرك في جغرافية ممتدة من طهران إلى لبنان، مع سوريا والعراق، بسلام وأمان، تحت العين الأمريكية، دون أن يتم استهدافه. الأهم من كل ذلك أن هؤلاء يتناسون أن الولايات المتحدة، التي كانت أسقطت نظام صدام حسين في العراق (2003) هي التي قوضت جهاز الدولة العراقي، وحلّت الجيش وكل أجهزة الأمن في العراق، وتاليا هي التي مكّنت إيران، عبر ميلشياتها الطائفية العراقية المسلحة، التحكم بالعراق، والذين جاؤوا على ظهر دبابة أمريكية، ناهيك أنها هي سكتت طوال السنوات الماضية، عن التدخل الإيراني في سوريا.

لا يعني ما سبق بأن ثمة خطة أمريكية ـ إيرانية مرتبة، وإنما يعني تحديدا وجود نوع من التقاطع أمريكي ـ إيراني، أو نوع من التواطؤ غير المباشر، على كل ما جرى نشأ على خلفية حدث 11 سبتمبر (2001)، وتأكد بتواطؤ ايران مع الولايات المتحدة في الغزو الأمريكي لأفغانستان (2002)، وثم للعراق (2003)، بظنّ تيار أمريكي، في حينه، بأن إيران، كزعيمة أو كمركز للإسلام السياسي الشيعي، هي وحدها يمكن أن تلجم صعود الإسلام السياسي السني، وأن خلق مناخات الصراع بين هذين التيارين، هو ما يمكن أن يضعفهما ويستنزفهما، وتاليا فإن إيران وحدها هي من يمكنه القيام بالشغل “الوسخ”، في المشرق العربي، بتفتيت البني الدولتية والمجتمعية (على أساس طائفي)، أي حيث لم تنجح إسرائيل في ذلك منذ قيامها، ولصالح خلق بيئة آمنة لإسرائيل.

وكما شهدنا، فإن إيران بغطرستها وبحماقة قياداتها وتوهماتهم، التي وصلت حدّ التبجّح بالسيطرة على خمسة عواصم عربية (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وحتى غزة) قامت بهذا الدور، دون أن تلوي على شيء، والنتيجة أن سيطرتها على العراق منذ 17 عاما لم تجعل من العراق دولة مستقرة ومزدهرة، رغم العوائد النفطية الكبيرة فيها، ورغم مجتمعها الذي يحتوي على نخب متعلمة وقادرة. فعلى العكس إذ بات العراق لا دولة، أو دويلة طوائف، أو دويلة ميلشيات، وبات بمثابة باحة خلفية لإيران.

في سوريا أيضا، تم نقل التجربة الإيرانية في العراق، حيث قامت إيران، وميلشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية (حزب الله وفاطميون وزينبيون وعصائب الحق وبدر وأبو الفضل العباس وغيرهم) بمشاركة نظام الأسد الاستبدادي بقتل مئات ألوف السوريين، وتدمير عمرانهم، وتشريد ملايين منهم. وهي مؤخرا قامت بالوقوف صراحة ضد الحراكات والانتفاضات الشعبية، السلمية واللاطائفية، في العراق ولبنان، أي أن إيران، كنظام، أضحت حارسا للنظم الاستبدادية والطائفية والفاسدة في المشرق العربي.

والسؤال هنا، هل إن البطش بالشعب السوري والعراقي واللبناني يخدم مشروع مقاومة إسرائيل حقا؟ وهل حراسة الاستبداد والفساد والطائفية تضر بإسرائيل حقا؟ وهل عوائد التدخلات الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان، أضرت بإسرائيل أكثر أم خدمتها أكثر؟ ثم ألا يوضح كل ذلك أن استدعاء مقاومة إسرائيل هو فقط للتغطية على سعي إيران شرعنة وتعزيز نفوذها في المشرق العربي؟

الآن، في الإجابة على سؤال: لماذا قتل سليماني؟ الحقيقة أن هذا الرجل لم يقتل من أجل القدس ولا فلسطين ولا المقاومة، ففيلق القدس (كشبيه لفرع فلسطين للمخابرات في سوريا)، مجرد يستعير الاسم، إذ انه لم يطلق رصاصة باتجاه القدس، وحتى حزب الله، توقف عن المقاومة منذ عشرين عاما (من العام 2000)، باستثناء تلك العملية في 2006 التي تم خطف جنديين إسرائيليين فيها واستجرت حربا مدمرة على لبنان، اضطرت نصر الله للاعتذار عنها، أي أنه طوال عشرين عاما ثمة عملية واحدة، في المقابل انشغل حزب الله يتعزيز هيمنته على لبنان، ثم على سوريا، بمعنى أن سليماني قتل من اجل أمر أخر.

الحقيقة واضحة في هذا المجال فقد قتل سليماني لأنه تجاوز الخطوط الحمر الأمريكية، قتل في لحظة خطأ استراتيجي لإيران، وذلك بسبب إشرافه على حصار ومهاجمة السفارة الأمريكية في طهران، حيث تم اخذ الأمر بتصفيته وتنفيذه بطريقة فورية، كما شهدنا.

على ذلك فإن الجنرال سليماني، ليس ضحية مدنية أو بريئة لرصاصة طائشة، أو لتقاطع نيران، وإنما هو “ضحية”، أو قضى، بسبب انقطاع التقاطع الأمريكي الإيراني، الذي استنفذ أغراضه، بعد أن وصلت أحوال العراق وسوريا إلى ما وصلت إليه من خراب وتشقق، وهو تقاطع بدأ منذ غزو أفغانستان والعراق الذي سلم لإيران وميليشياتها (٢٠٠٣)، كما سبق وذكرنا. قتل سليماني لأن مهمة إيران انتهت في تخريب المشرق العربي، وان الاستثمار الأمريكي والإسرائيلي في دورها الوسخ قد انتهى، واستنفذ، بدليل المظاهرات التي خرجت في لبنان والعراق، سيما في البيئات الشعبية المحسوبة على إيران.

السؤال بالنسبة للعراقيين والسوريين، هل سليماني ضحية أم قاتل؟ الم يعتدي على سيادة تلك الدول؟ الم يتدخل في شؤونها؟ الم يشكل تنظيمات طائفية مسلحة؟ الم يحرك ميليشياته في لبنان والعراق لقتل المتظاهرين السلميين اللاطائفيين لمجرد مطالبتهم بإسقاط نظم الطائفية والحرامية؟ الم يحاصر ويقتل ويشرد السوريين في جنوبي دمشق والزبداني والقصير وحلب؟ هل هو من الناحيتين السياسية والأخلاقية ضحية أم مجرم؟ وهل ما فعله في شعبي سوريا والعراق يضر بإسرائيل أم يخدمها؟ تلك هي الأسئلة التي تطرح نفسها؟ والخلاصة بالنسبة للكل، وللفلسطينيين خاصة، فإن سليماني قتل في العراق بسبب مهاجمة السفارة الأمريكية في بغداد، ولم يقتل من أجل فلسطين ولا من أجل القدس.

 الكاتب:ماجد كيالي  – المصدر: بروكار برس