خطة روسيا العسكرية في إدلب

40
مضت أكثر من ستة أشهر على معركة خان شيخون التي خرق فيها النظام السوري وقفاً سابقاً لإطلاق النار، متجاوزاً اتفاقيات خفض التصعيد، حيث شنّ هجوماً بمساندة حلفائه، استولى حينها على بضعة كيلومترات من الطريق الدولي الذي أصبح موضوعاً رئيسياً للإعلام، وبعدها لم يعد النظام يرى من منطقة إدلب ومحيطها إلا رمز M5، وهو الرمز المروري للطريق الدولي شرق إدلب، والذي يصل إلى حلب، وتستميت قوات النظام للسيطرة عليه. ولتحقيق هذا الهدف شُرِّد حوالي نصف مليون شخص، نزحوا شمالاً نحو أماكن أكثر أمناً من منطقةٍ يفترض أن فيها وقفاً للنار، وتقع ضمن حيز خفض التصعيد. وبدل أن تحمل هذه الاتفاقيات بعض الهدوء، كانت مؤشّراً إلى فقدان الأمن والبيوت والممتلكات، ومساحة زمنية لزيادة عدد المهجّرين والمشرّدين. وفي سيناريو يبدو مشابهاً، وُقِّع قبل أيام وقفٌ جديد لإطلاق النار في هذه المنطقة، وكان النظام قد بدأ التحرّش ببلدات خطوط التماس في ريفي إدلب الشرقي وحلب الجنوبي، فجاءت عناوين وقف العنف إشارةً إلى بدء هجوم جوي ومدفعي وصاروخي جديد، حتى وصل عداد المشردين إلى أربعمائة ألف شخص، بدأوا رحلة تيه أخرى، والهدف أيضاً ضم النظام جزءا جديدا من هذا الطريق الدولي.
يركّز جيش النظام والطيران الروسي خريطة هجومهما على أرياف حلب، الغربية والجنوبية، وريف إدلب الشرقي في جبهتين رئيسيتين، أولهما جبهة معرّة النعمان عبر تل منِّس. وبات جيش النظام على بعد سبعة كيلومترات منها، وقد خلت شوارعها من السكان، من أبنائها، أو من لجأ إليها، خلال سني الحرب الطويلة، أو خلال الهجوم على خان شيخون، فبعض هؤلاء قد تكون هذه هجرتهم الثالثة أو الرابعة. وكان التحرّك العسكري قد بدأ مبكّراً على هذه الجبهة منذ بداية شهر يناير/ كانون الثاني الحالي، لكن المعركة الكبرى لن تكون وشيكة. أما جبهة ريف حلب الغربي، فبدأ فيها الهجوم قبل أيام قليلة. ويركز الطيران ضرباته على كل القرى والبلدات التابعة إدارياً لحلب تحديدا، وهي البلدات التي تحيط بالطريق المستهدف من كل هذا الهجوم. تتكشف خطة الهجوم من تموضع الأهداف، فالطريق الدولي مستهدفٌ من جهتين، شمالية وجنوبية، ولكن الهجوم في مراحله الأولى. وعلى عادته، يبدأ بقصفٍ من الطيران والمدفعية، ثم الانتظار قليلاً لاستيعاب الارتدادات السياسية التي يمكن أن تنشأ عنه، قبل المتابعة بالتوغّل البرّي. وقد بدأ هذا بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار الذي يبدو أنه أصبح جزءاً من تقاليد الحرب في هذه الجبهة.
يلعب الروس الدور الرئيسي في هذه المعركة، ويحاولون استغلال الظروف الدولية، وعلاقاتهم بالأتراك للتسلل ببطء، وصولاً إلى السيطرة التامة على ذلك الخط البرّي الذي يصل دمشق بحلب، بما قد يحقّق فائدة اقتصادية كبيرة للنظام في الظروف الراهنة التي تحاصره بقوة. ولكن من غير المتوقع أن يكون هذا الطريق الحل السحري لاقتصاد النظام المتهاوي الذي اعتمد على إيران بشكل أساسي. يتعلق الأمر الآن بروسيا التي تنظر إلى مدى أبعد، وعينها مركّزة على إعادة الإعمار، ولديها تفضيلاتٌ كبيرةٌ في الحصول على عوائد تعوّض وجودها العسكري الطويل في سورية، والمرشح فترات أطول، وهذه المعركة من آخر المعارك في أرض “سورية المفيدة”، ولكنها، في الوقت نفسه، ستكون أطولها، فهناك عوامل كثيرة يجب احترامها وضمان موافقتها، والوجود العسكري على طول الطريق الدولي لا يعني السيطرة عليه كلياً بالنسبة لها، فلا يمكن أن تتلاشى التنظيمات العسكرية الموجودة حالياً بشكل كامل، وقد تحتفظ بجيوبٍ عديدة في المنطقة، وربما تحتفظ بقطاع واسع يُبقي هذا الطريق تحت التهديد المباشر، ويستخدم ورقة ضغط للمساومة لاحقاً، أو لجباية قسم من ريوع الطريق. المنطقة مرشّحة لإنتاج ملايين المهجّرين الذين سيتم جني كل تلك الأرباح على حسابهم بشكل خاص.
الكاتب:فاطمة ياسين   – المصدر:العربي الجديد