مسارات الصراع في سويداء الجنوب السوري

25
صعد مؤخراً في الإعلام اسم مدينة السويداء نتيجة المظاهرات، التي شهدتها المدينة تحت شعار «بدنا نعيش» وهي أول مظاهرات تشهدها واحدة من المدن التي يسيطر عليها نظام الأسد منذ سنوات، والنقطة الثانية لصعود اسم السويداء في الإعلام؛ كونها مركز محافظة، يشكل السوريون الدروز غالبية سكانها، والأمر في الحالتين أهمية تضاف إلى ما مثلته السويداء من حالة ميزت مشاركتها المدنية والسلمية في ثورة السوريين.
مظاهرات أهالي السويداء، بطابعها المطلبي، تمثل جزءاً من نهج أهلها السلمي والمدني في الثورة ضد نظام الأسد. فهذه المدينة وبعض مدن وقرى تحيط بها، شهدت في بداية الثورة مظاهرات على غرار ما حدث في مدن وقرى سورية أخرى، رفعت فيها شعارات وهتافات معادية للنظام تطالب بالحرية وتدعو إلى التغيير، وهتافات أعلنت تضامن أهاليها مع مدن، كانت تتعرض لهجمات قوى النظام المسلحة وميليشياته. لكن الدور الأكبر والمميز لأهالي السويداء في الثورة، ذهب لاحقاً في ثلاثة مسارات مميزة؛ أولها تحول السويداء إلى ملجأ لنازحين سوريين من محافظات عصفت بها آلة القتل والدمار للنظام، فجاء إلى السويداء أكثر من ثلاثمائة ألف نسمة أغلبهم من حمص ودرعا ودمشق والقنيطرة، يشكلون حالياً نحو ثلث سكان المحافظة، وحظي هؤلاء برعاية ومساعدة أهالي السويداء، والمسار الثاني، إصرار أهالي السويداء على منع تجنيد أولادهم في حرب النظام على السوريين من خلال امتناعهم عن سوق أولادهم للخدمة في جيش النظام، والإصرار على أن الذين يؤدون الخدمة الإلزامية من أبناء السويداء، ينبغي حصر خدمتهم في المحافظة للدفاع عنها، وقد اضطر النظام إلى مسايرة مطالب السويداء، التي تبنتها غالبية الفعاليات الدينية والاجتماعية والسياسية. والمسار الثالث وقوف السويداء الحاسم في وجه ميليشيات «داعش» وصد هجماتها.
ورغم شيوع الكلام عن وجود روابط وعلاقات غير معلنة بين النظام و«داعش»، وتناغم سياساتهما إزاء السويداء وسكانها، فإن موقف أهالي السويداء في مواجهة «داعش» ومحاربته فرض على النظام حداً معيناً في مراعاة أهلها، إضافة إلى رغبة النظام في تأكيد مقولة، أنه حامي الأقليات، التي يشكل الدروز إحدى أصغرها؛ إذ لا يتعدى عددهم السبعمائة ألف نسمة، وقد اكتسب الدروز سمعة وطنية، مستمدة من دورهم في ثورة سوريا الكبرى ضد الفرنسيين (1925 – 1927) التي قادها سلطان باشا الأطرش، وهو عامل ثالث يدفع نظام الأسد إلى مسايرة أهالي السويداء إلى حد ما.
غير أن مسايرة النظام، ليس سوى الوجه الناعم من حرب تبدو علنية، وتأخذ وجهاً خفياً في أحيان أخرى، وتشكل المظاهرات الراهنة أحد وجوهه، في حين تشكل سياسات النظام في إفقار المحافظة وتهميشها واللعب في بناها السياسية الاجتماعية والدينية الوجه الآخر، ويضاف إلى ما سبق اللجوء إلى استخدام القوة الأمنية – العسكرية لإخضاعها، إذا تطلب الأمر، أو عبر تحريك قوى معادية تحيط بالمحافظة على نحو ما تجسده مجموعات «داعش»، التي انتقلت علناً من جنوب دمشق واستوطنت بجوار السويداء تحت سمع وبصر النظام وقيامها بهجمات واسعة، وأحياناً بتحريك بعض عملاء النظام من البدو ضد أهالي السويداء.
ما يبدو من حرب في السويداء، يمثل فصلاً راهناً في حرب مستمرة منذ وصول البعث إلى السلطة عام 1963، وقد تصاعدت بعد استيلاء الأسد الأب على السلطة عام 1970، قبل أن تصل إلى مستواها الراهن من الاحتدام بعد ثورة 2011.
لقد استبعد البعث من السلطة في مراحله المختلفة كوادره البعثيين من الدروز، وهذا ما حصل في استبعاد كل من مزيد الهنيدي وحمد عبيد من اللجنة العسكرية، التي دبرت انقلاب «8 آذار» 1963، وأُعدم سليم حاطوم أحد قادة حركة «23 شباط» 1966، وسجن حديثة مراد، عضو القيادة القطرية للحزب، عقدين من السنوات، ودفع للمنفى الطويل ثلاثة من قيادات البعث حمود الشوفي، ومنصور الأطرش، الذي مات بدمشق مهمشاً، وشبلي العيسمي، الذي تولى الأمانة العامة لحزب البعث، وقد اختطفته المخابرات السورية من لبنان، وجرى إخفاؤه، وهو في السادسة والثمانين من العمر عام 2011؛ لأنه رفض تأييد بشار الأسد في مواجهة الثائرين عليه، وأغلب هذه الارتكابات تمت بقرار أو بتأثير الأسد الأب الذي كان من الواضح، أن لديه مشكلة مع محافظة السويداء ورمزها الأكثر شهرة سلطان باشا الأطرش.
لقد كرست السياسة التمييزية للنظام هامشية محافظة السويداء وضعفها، ليس من الناحية السياسية فقط، بل على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي؛ إذ على الرغم من أنها تجاور العاصمة وفيها نسبة عالية من المتعلمين وأرض واسعة، فلم تحظَ إلا بهوامش خطط ومشاريع التنمية؛ إذ لم تُقَم فيها مشاريع تنمية زراعية أو صناعية أو سياحية طوال أكثر من خمسة عقود، وظلت الوظيفة العامة هي المسرب الوحيد للارتقاء في السلم الاجتماعي.
وتوازى ما سبق مع سعي النظام للسيطرة على رجال الدين الدروز وتعميق انقساماتهم، بالتزامن مع تصعيد وجوه للطائفة من موظفين هامشيين وضباط، بينهم العميد عصام زهر الدين الذي قدمه النظام في سنوات الثورة مرتكباً أفظع جرائم الحرب قبل أن يتم قتله من قبل النظام في أكتوبر (تشرين الأول) 2017.
ما يجري في السويداء اليوم، هو استمرار لحرب عمرها عقود بين النظام وطائفة من السوريين، لكنه في وجه آخر، هو بعض من مجريات ثورة السوريين ضد النظام عبر الدعوة إلى استمرار الحياة، وهو حق ينبغي أن يكون مكفولاً لكل السوريين ولأهالي السويداء ضمناً.
الكاتب:فايز سارة  – المصدر:الشرق الاوسط