استغلال واحتكار وبطالة ودخل محدود وواقع طبي متدني للغاية.. كارثة إنسانية جديدة تلوح في أفق منطقة شمال غرب سوريا

34

زادت الأزمة التي يعيشها العالم مع انتشار وباء كورونا (كوفيد – 19) من معاناة السوريين في الداخل، حيث تفاقمت الأزمة الاقتصادية بفعل إغلاق المعابر ونقص الدعم وقلة الموارد المتاحة في مختلف مناطق سيطرة أطراف النزاع، ما يهدد بمزيد من الويلات على السوريين الذين ما يكادون يخرجون من أزمة حتى يسقطون في غيرها. وقد شهدت الأوضاع الاقتصادية في الداخل السوري تدهورا حادا في أعقاب بداية تحول الفيروس إلى وباء عالمي.

في شمال إدلب على سبيل المثال، بدأ الأهالي ضعاف النفوس في استغلال العوائل التي تشردت إلى الحدود السورية التركية هربا من عمليات النظام في مناطقها جنوب وشرق إدلب وشمال حماة وغرب حلب، حيث رفعوا أجور المنازل بمقدار النصف تقريباً، وبعد أن كان المواطن يدفع نحو 100 دولار في بداية كل شهر، بات الآن مطالبا بدفع 150 دولار عن الشهر الواحد، فيما يتم مطالبتهم بدفع عدة أشهر دفعة واحدة.

وشهدت هذه المناطق القريبة من ريف حلب الغربي قبل بداية الهدنة التركية الروسية، نزوحا جزئيا لسكانها بعد اقتراب قوات النظام منها وتركز القصف لعدة أيام عليها. وما ان بدأت الهدنة حتى عادوا ليسغلوا المهجرين الذين صمدوا فيها، حيث ارتفعت اسعار الخيام إلى أكثر من الضعف ووصل سعر الخيمة الواحدة إلى 130 دولار بينما كانت تباع سابقا بـ60 دولار أو أقل. ومع ارتفاع أسعار الإسمنت والبقايا والرمل والبحص والبلوك بسبب تقلب الدولار والمحروقات، فقد أصبح البناء مكلف جدا بشكل لا يمكن للمواطن تحمله.

أما تقلب اسعار الدولار وارتفاعه بشكل كبير في الاونة الأخيرة، فقد تسبب بارتفاع كافة المواد الغذائية والتجارية. وأثر هذا الارتفاع بشكل مباشر على مادة المازوت التي تعتبر المحرك الأساسي للمعامل والشركات والمصانع والآليات. ويؤدي ارتفاع سعر المازوت إلى ارتفاع أسعار الخبز والخضروات والفواكه وأجور النقل والكهرباء والماء. ومع ارتفاع المازوت والدولار سويا، ترتفع أسعار الإسمنت والبنزين وأسطوانة الغاز والسكر والسمنة والزيت وكافة المواد الأساسية في المنزل. ومع توفر كل تلك المواد في المناطق المحررة وعدم وجود أي انقطاع باي سلعة، رفعت “حكومة الإنقاذ” أسعار باقات النت على أصحاب الصالات، ما انعكس بالتالي على المواطنين.

جدير بالذكر ان العامل يتقاضى يوميا 2000 الى 3500 ليرة سورية بينما يتقاضى الموظفين 200 دولار شهريا كحد متوسط في مناطق سيطرة الفصائل وعلى صعيد متصل، ارتفعت أسعار لحوم الدجاج وبيضها (الكيلو الواحد من لحوم الدجاج ارتفع من 600 ليرة سورية إلى 1800 ليرة سورية، أما البيض فقد اصبحت تباع البيضة الواحدة بـ100 ليرة سورية بينما كانت تباع كل ثلاثة بـ100 ليرة سورية). ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين، أولهما سيطرة قوات النظام على مدينة سراقب ومحيطها واقترابها من “سرمين” ومحيطها، حيث تعتبر المنطقتين من المناطق الأهم المصدرة للحوم الدجاج والبيض. أما السبب الآخر، فيتعلق بأسعار الدولار والمازوت حيث يستعمل صاحب المدجنة مولدة تعمل على مادة المازوت ويشتري العلف بالدولار. وينطبق الأمر نفسه على السمك، فبعد سيطرة النظام على منطقة سهل الغاب ارتفع سعر الكيلو الواحد لسمك الكرب من 2500 ليرة سورية إلى 6500 ليرة سورية.

على الصعيد نفسه، رصد ناشطو المرصد السوري لحقوق الإنسان ارتفاعا كبيرا في أسعار الكمامات والمعقمات والقفازات الطبية بعد انتشار فيروس كورونا، ما ينعكس سلبا على المواطنين الذين ليست لديهم قدرات مالية تساعدهم على شرائها حيث وصل سعر الكمامة الواحدة الى 300 ليرة سورية، بينما كانت تباع سابقا بـ30 ليرة سورية، ما يعني أن الفيروس سينتشر بشكل سريع جدا إذا ما وصل إلى مناطق سيطرة المعارضة. ومع كل تلك التطورات في الوضع الاقتصادي، فإن المواطن السوري بات يعاني سوء تغذية وسوء رعاية طبية وصحية نتيجة تلك الارتفاعات غير المبررة في الأسواق، ما يهدد بكارثة حقيقية إذا ما وصل الفيروس إلى تلك المناطق.

وفي مناطق الشمال، لم يلق أغلب السوريين بالا لما يمر به العالم أجمع لأن -كما يقولون- هذا المرض الفيروسي لا يذكر أبدا قياسا بما مر عليهم خلال سنوات الثورة أو هذا العام فقط والذي شهد هجوم النظام وروسيا على مناطق الشمال جوا وبرا، ما تسبب في حشر أكثر من 3 ملايين مدني في مساحة ضيقة لا تتسع لأهلها. ولكن الكادر الطبي كان له رأي آخر في هذه الكارثة العالمية التي لم تبدأ حتى الآن في الشمال السوري، لا سيما وأن هناك مخيمات لا تعد ولا تحصى في تلك المنطقة، وأصغر مخيم فيها يأوي نحو 50 عائلة لا تحصل على أي رعاية صحية أو اهتمام بنظافة المخيم عامة.

ويبدي الأطباء تخوفا من أن تلك المخيمات المكتظة والمتلاصقة التي يختلط فيها الكثير من الساكنيين ببعضهم، ستكون بؤرا للوباء إذا ما انتشر. وعما يمكن أن يحدث لو تم أكتشاف إحدى حالات الكورونا فيها وعدد الأشخاص الذين يمكن أن ينتقل لهم المرض داخل المخيمات وخارجها قبل أن تكتشف تلك الحالة، يقول القائمون على متابعة الأمر إن الوضع سيكون كارثيا في حال تم أكتشفوا حالة واحدة في مناطق الشمال، متسائلين عن كيفية منع المدنيين من الخروج من منازلهم لمنع تفشي ذلك المرض، لا سيما أن أغلب المدنيين يعملون بشكل يومي لتأمين ثمن الطعام أو الشراب.

وقالت مصادر طبية: “من الصعب أو المستحيل التصدي لمرض الكورونا في المخيمات وكيف سيكون بإمكانهم منع التجوال في مخيمات يعمل كل 100 شخص فيها على دورة مياه واحدة وخزان مياه واحد وكيف سيكون الموقف فيها”. ويقول المسؤولون عن القطاع الطبي إن المخيمات وبلدات الشمال ستكون أمام موقف كارثي بكل ما تعنيه الكلمة، وأن الأمر سيخرج فيها عن السيطرة لو أصاب هذا الوباء شخص واحدا فيها.

وفيما يتعلق بالمستلزمات الطبية، بدأت مستودعات الأدوات والصيدليات برفع أسعار الكمامات والقفازات الطبية ومواد التعقيم، استغلالا للأزمة واستمرارا لموجة الاستغلال التي انطلقت مع بداية الأزمة السورية، فقد ارتفع سعر الكمامة الواحدة من 50 ليرة سورية إلى 300 أو 500 بحسب البائع وسعر علبة القفازات وصل إلى 5 دولار بعد أن كان دولارين فقط أو أقل. وتشترط أغلب المستودعات الطبية بيع البضائع بكميات كبيرة فقط ويرفضون البيع بكميات قليلة.

ويشهد الوضع الاقتصادي في الشمال السوري تراجعا يوما بعد يوم في ظل ارتفاع الاسعار والتراجع الحاد بسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، بالإضافة إلى قلة المساعدات الإغاثية المقدمة وانتشار البطالة، فيما يعتبر أصحاب الدخول الثابتة من أكثر المتضررين من ارتفاع الدولار، أما أكثر المستفيدين من ذلك فهم التجار وغيرهم وكل من هو قادر على تغيير سعر منتجاته بمقدار التضخم وأحيانا أكثر. وتصل تكاليف معيشة الأسرة المتوسطة في الشمال السوري إلى نحو 350 الف ليرة سورية، خلافا لنفقات أجور السكن. وبين ارتفاع الدولار وتهاوي قيمة صرف الليرة السورية يزداد إرهاق الأهالي في الشمال السوري الذين أتعبهم الفقر والنزوح والقصف والبطالة والتشريد.

وقالت مصادر طبية: “نحن أمام كارثة إنسانية وشيكة في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل والتي تعاني من تدهور شديد في قطاع الخدمات بسبب قصف النظام وحلفائه للمشافي والمراكز الطبية”. وتعمل المشافي بكامل طاقتها بأعداد المرضى الذين كانوا يتلقون العلاج في المشافي المتضررة، ما سبب ضغطا كبيرا على الكوادر الطبية على المستويين النفسي والجسدي، نظرا لارتفاع عدد المرضى الذين يتعين معالجتهم. وفي الوقت نفسه، يواصل الدفاع المدني أعمال التعقيم وتزويد السكان بمعلومات عن كيفية الوقاية من فيروس كورونا في محافظة إدلب والتي وصل فيها النظام الصحي إلى حافة الانهيار بسبب هجمات النظام وداعميه.