أسئلة الديموقراطية في سياق «الربيع السوري» المُتعثّر

53

ما علاقة أفكارنا وتصوراتنا بما آل إليه «الربيع السوري»، وهل كان لتراجع أو تلاشي أو حتى سقوط مقدماته الديموقراطية، علاقة بمؤامرة حاكها أعداء الأمة، أم أن ما حصل ويحصل، هو نتيجة عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية، تقاطعت مع عوامل أخرى إقليمية ودولية، أثَّرت في مجرى التحولات السياسية في سورية ودول أخرى عربية؟

بالنَّظر إلى الإخفاقات التي تعرَّض لها «الربيع السوري»، نرى أنَّ العامل الأيديولوجي كان له دورٌ مؤثِّر. وانكشف ذلك نتيجة الالتباس الموروث الذي تعرَّض له المسار الديموقراطي، إضافة إلى اعتماد موقف قيمي من الديموقراطية.

في السياق ذاته، تربط المعارضات السورية بالديموقراطية علاقة إشكالية وملتبسة. أما طبيعة النظام الحاكم وبنيته وتركيبته المعادية لكل أشكال وتجليات الديموقراطية، فساهمت في وأد أية بذور ديموقراطية سياسية أو فكرية. وهذا إضافة لكون ذاك النظام يتعامل مع السوريين بمنطق يتسم بالتعالي والريبة. وجميعها عوامل تستدعي الإجابة عن تساؤلات تتعلق بطبيعة الديموقراطية: هل يجب التعامل معها بوصفها حالة فلسفية قيمية كلِّية ومطلقة، بموجبها يتم الاعتراف بالفرد باعتباره ذاتاً إنسانية مستقلة، بغضِّ النظر عن هويته الدينية، الإثنية أو الطائفية؟ أم بوصفها حالة سياسية معيارية؟ أم إن كليهما يشكُّل أساساً لازماً للشروع في وضع المقدمات الأولية لمشروع ديموقراطي ينطلق من حقوق الإنسان ودوره في وضع القوانين وإلغائها وأيضاً تنفيذها؟

من جانب آخر: هل تُعبِّر الديموقراطية عن آليات حكم يتم بموجبها تنظيم حكم الغالبية السياسية؟ أم إن آلياتها السياسية وأدواتها تمتد إلى تنظيم العلاقة بين الأكثرية الدينية والأقليات الطائفية؟ وما هي الأسباب الكامنة وراء التباس العلاقة بين الديموقراطية والعلمانية؟ هل صحيح أن طبيعة الوعي وأشكال الثقافة السائدة كانت وراء تعثُّر المشروع الديموقراطي في سورية؟ وما علاقة ذلك بطبيعة نظام الحكم وبنيته، وانعكاس آثار ممارساته السياسية والثقافية على الوعي الاجتماعي، وعلى الإشكاليات والتناقضات التي تعاني منها المعارضات السياسية السورية؟

وتندرج في الإطار ذاته تساؤلات عن إمكانية الربط بين الديموقراطية والعلمانية وأيضاً «الاشتراكية»، ولذلك علاقة مباشرة بالحريات السياسية وحقوق المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية، وأيضاً بتجاوز الالتباس الناجم عن ارتباط العلمانية بنظام الحكم الاستبدادي، كما بتفكيك العلاقة المركبة لنظام الحكم المذكور بالمؤسسات الدينيِّة والتشريع الإسلامي. ويشكِّل ذلك مدخلاً إلى أسئلة أخرى تتعلق بنمط الدولة وأشكال تجلياتها الراهنة، ودور الديموقراطية، والعقبات التي حالت دون نشوء دولة ديموقراطية، إضافة إلى إشكالية العلاقة بين الدولة والمجتمع.

في السياق ذاته، فإن ما يعانيه السوريون من تصدع اجتماعي على المستويين العمودي والأفقي له علاقة مباشرة بأشكال هيمنة الدولة على المجتمع، وابتلاع السلطة للدولة والمجتمع في آن واحد. وجميعها عوامل ساهمت في تصدُّع التعاقد الاجتماعي، وتعثُّر نمو مؤسسات المجتمع المدني المستقلة. إضافة إلى تصدُّع هيكلية الدولة، ولذلك علاقة عضوية وبنيوية بدولة السلطة القائمة على القهر والغلبة والغنيمة.

وتُثار في السياق المذكور أمور تتعلق بموضوع الشورى ودور أهل الحل والعقد وعلاقتها بالحاكم وحقوق الأفراد، وعلاقة النموذج الإسلامي بالنماذج الليبرالية، إضافة لإمكانية إقامة توليفة ما بين النموذج الإسلامي والنماذج الليبرالية. وأسباب قولنا تعود إلى أن بعض الأطراف ترى في النموذج الإسلامي مخرجاً من الأوضاع التي تسببت بها أنظــمة حكم «قومية – ليبرالية – علمانية».

نستخلص مما ذكرناه أن إخفاق التحوُّل الديموقراطي كان من أسبابه فشل السلطة في مواجهة إشكاليات الواقع السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ويتقاطع ذلك مع طبيعتها وبنيتها وتركيبتها السلطوية. فدولة السلطة، بأشكالها المتوارثة، تُعيق أي حل عقلاني، إضافة إلى كونها من أسباب أزماتنا الأساسية المتراكمة والمتجددة. فالاستبداد، إضافة إلى كونه سلطة قهرية، هو ظاهرة سياسية تكرَّست تاريخياً بالتوازي مع فساد وإفساد يستندان إلى خطاب سلطوي أيديولوجي شمولي مضلل، يتحمل دُعاته مسؤولية التخلف والانحطاط الاجتماعي الأخلاقي والدمار السياسي والثقافي، وذلك تحديداً بسبب احتكارهم التنشئة السياسية والأخلاقية للجماهير، وإقصائها عن المشهد السياسي لحساب سلطة قهرية ترى نفسها فوق الجميع. ولذلك علاقة مُباشرة بتحويل «الحراك الشعبي» إلى فوضى تُهدد استقرار المجتمع والدولة.

وعليه، فإن ما نلحظه من تشويه لمفهومي الديموقراطية والحرية له علاقة بطبيعة الاستبداد وتأثيره على الأخلاق والسياسة والثقافة في المجتمع. وإذا تأملنا أوضاعنا الراهنة، وربطناها بممارسات نظامنا الحاكم، نرى أنها تنسجم مع ما قاله الفيلسوف البريطاني جون ستيوارت ميل من أن «الأخلاق العامة لكل دولة تنبثق مما تراه الطبقات المهيمنة».

 

معتز حيسو

احياة