أقبية الموت تستمر في قتله مزهقة أرواح أكثر من 16070 مواطناً موثقين من ضمن 104 آلاف شخص وسط حراك مستمر من الأطراف الدولية لتحقيق مصالحها

50

يتواصل الموت الصامت في أقبية الموت، المعدة من قبل أجهزة النظام السوري، لا لشيء، إنما لقتل من يعارضهم، ومن يطالب بالحرية أو العدالة أو المساواة أو الديمقراطية أو حتى الإصلاح، أو يطالب بها مجتمعة، ومع كل هذا الموت لا يزال الساسة يلتقون لتقسيم الأرض غير آبهين بمن يقبعون في أقبية تحت الأرض، لتبقى معاناتهم حبيسة المعتقلات وأقبية الموت والمسالخ البشرية التي أعدها النظام وحلفاؤه، وزاد من مأساتهم صمت المتاجرين بقضاياهم، والساكتين عن مآسيهم، وبقت هذه المعاناة حبيسة في صدور ذويهم، الذين يعلقون آمالهم على كل لقاء إقليمي أو دولي لتكسر قلوبهم في كل مرة وتذبح آمالهم على مذابح المصالح الدولية، فلا مقياس يقيس حجم تصاعد معاناتهم، فلا شيء يحوم حولهم إلى الموت، ولا يدخل بطونهم إلا طعام يجري إذلالهم لأجله، ويجري حرمانهم منه لإخضاعهم.

المرصد السوري لحقوق الإنسان رصد اسمرار الاستياء حيال ملف المعتقلي بدأ بالتصاعد، من الاجتماع الأخير في آستانة، وبخاصة من ذوي المعتقلين والمغيبين والشهداء في سجون ومعتقلات نظام بشار الأسد، الذي لم يوفر طريقة إجرامية إلا واتبعها في اعتقال وقتل وتعذيب المواطنين السوريين، وكل هذا أمام مشهد العالم الذي بات صامتاً كعادته، لا يحرك ساكناً إلا وفقاً لمصالحه وأطماع وما يحقق غاياته، وفق الوقت الذي غيَّبت فيه آستانة مأساة السوريين المعتقلين والذين يبلغ تعدادهم عشرات الآلاف، كانت كواليسها تشهد صفقات من نوع جديد، تهدف للإتجار بالمعتقلين السوريين، عبر استخدامهم في عمليات تبادل مع أسرى ومختطفين لدى الفصائل المقاتلة والإسلامية العاملة في الشمال السوري، فيما كان رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان طرحاً تقوده روسيا، يقوم على تنفيذ عمليات تبادل عبر الإفراج عن معتقلين لدى النظام السوري، وأسرى ومختطفين لدى فصائل المعارضة والفصائل المقاتلة والإسلامية، حيث لوَّحت روسيا بعملية قريبة تقوم على مبادلة العشرات من المختطفين والأسرى، وسط مخاوف من تحويل المعتقلين إلى مجرد ضحايا وسلعة تجارية، يجري مبادلتهم بالمختطفين والأسرى، دون أن يجري الاتجاه نحو إفراج كامل عن المعتقلين

المرصد السوري لحقوق الإنسان وثق إلى الآن استشهاد 16072 مدني منهم بالأسماء، هم ((15883 رجلاً وشاباً، و125 طفلاً دون سن الثامنة عشر، و64 مواطنة فوق سن الـ 18))، منذ انطلاقة الثورة السورية، من أصل 104 آلاف، علم المرصد السوري أنهم فارقوا الحياة واستشهدوا في المعتقلات، من أصل أكثر من 104000 كان حصل المرصد السوري على معلومات من عدد من المصادر الموثوقة، أنه جرى إعدامهم وقتلهم واستشهادهم داخل معتقلات وسجون قوات النظام ومخابراتها، من ضمنهم أكثر من 83% جرى تصفيتهم وقتلهم ومفارقتهم للحياة داخل هذه المعتقلات في الفترة الواقعة ما بين شهر أيار / مايو من العام 2013 وشهر تشرين الأول / أكتوبر من العام 2015، فيما أكدت المصادر كذلك للمرصد السوري أن ما يزيد عن 30 ألف معتقل منهم قتلوا في سجن صيدنايا سيء الصيت، فيما كانت النسبة الثانية الغالبة هي في إدارة المخابرات الجوية التي يديرها السفاح جميل الحسن، الضباط برتبة لواء في مخابرات النظام.

أيضاً كان رصد المرصد السوري قيام سلطات النظام بتسليم أمانات السجل المدني في عدة مناطق سورية من ضمنها مناطق في الغوطة الغربية والقلمون وحلب والحسكة وريف إدلب الجنوبي ودمشق، وعدة أماكن أخرى، أسماء معتقلين فارقوا الحياة في معتقلات النظام وسجونه، نتيجة عمليات التعذيب والتنكيل وعمليات القتل والتجويع والأمراض، وغيرها من الظروف الموجودة داخل معتقلات النظام، حيث جرى تسليم قوائم بنحو 4 آلاف اسم إلى أمانات السجل المدني، لتثبيت أسمائهم في قوائم الوفيات، الأمر الذي أثار استياء آلاف العوائل من ذوي المعتقلين في سجون قوات النظام، وتصاعد مخاوفهم على مصير أبنائهم الذي انقطعت صلتهم بهم منذ اعتقالهم، نتيجة منع قوات النظام لعمليات الزيارة بينهم وبين أبنائهم، إلا أنه وفي الوقت ذاته وعلى الرغم من تسليم الأسماء لأمانات السجل المدني، فقد أكدت مصادر موثوقة للمرصد السوري أن البعض ممن أعلن النظام مفارقتهم للحياة داخل المعتقلات، كانوا شوهدوا في معتقلات متفرقة في وقت قريب من العام 2018، على الرغم من أنه أعلن عن وفاتهم بشكل رسمي من النظام في العام 2013، عن طريق بطاقات وفاة تسلم لذويهم عن طريق الشرطة العسكرية، وأكدت المصادر الموثوقة للمرصد السوري أن النظام يعمد لتغييب المعتقلين وتغييب مصيرهم، لغايات غير معروفة إلى الآن.

كما أن المرصد السوري لحقوق الإنسان علم من مصادره الخاصة بأن إيران تتحمل المسؤولية الأولى مع نظام بشار الأسد، على قتل وتصفية المعتقلين وتركهم لمصيرهم من الجوع والمرض، إذ كانت تشرف على سجون ومعتقلات قوات النظام ومخابراته، لما بعد دخول القوات الروسية على خط الصراع السوري في نهاية أيلول / سبتمبر من العام 2015، والتي عمدت إلى تسلم ملف المعتقلين وتصدير النظام والترويج له في المحافل الدولية واللقاءات، حيث حظي ملف المعتقلين بتغيير، إلا أنه ورغم تولي الروس للملف، فقد رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان عدم نجاح الروس في الإفراج عن عشرات آلاف المعتقلين الذين لا يزالون داخل سجون ومعتقلات النظام، حيث لا يزال أكثر من 80 ألف سجين على قيد الحياة، في سجون ومعتقلات النظام، بعضهم أمضى سنوات في الاعتقال ضمن ظروف إنسانية وصحية كارثية، وأكدت المصادر أن بعض المعتقلين كان يفارقون الحياة في المهاجع نتيجة سوء حالتهم الصحية وإنقاص الطعام بشكل كبير وانعدام الرعاية الطبية والصحية، فضلاً عن التعذيب والضرب والإهانات والتنكيل بالمعتقلين بتهم مختلفة.

إننا في المرصد السوري لحقوق الإنسان ومع استشهاد مزيد من المدنيين المعتقلين والمغيبين في سجون قوات النظام ومخابراتها المجرمة، نطالب بالكشف عن مصير عشرات آلاف المفقودين، إذ نطالب بالكشف عن مصير المفقودين وتسليم جثث من جرى قتلهم تحت التعذيب إلى ذويهم، ونطالب بكشف مصير معتقلي الرأي والضمير الذين اعتقلوا في سجون ومعتقلات النظام ومن أبرزهم خليل معتوق وعبد العزيز الخيِّر وفاتن رجب وحسين عيسو وعشرات المثقفين والمدافعين عن حرية الرأي وعشرات الآلاف الذين يشاركونهم الظروف ذاتها والمصير نفسه، كما إننا في المرصد السوري ندعو المجتمع الدولي والمحاكم الدولية المسؤولة والأطراف الدولية الفاعلة، للعمل بشكل حثيث وجدي وفوري، للعمل على كشف مصير عشرات آلاف المعتقلين مغيبي المصير، أمام الرأي العام السوري والإقليمي والدولي، وكشف مصائرهم لعوائلهم التي أدمى غياب ذويهم قلوبهم طوال السنوات الفائتة، كما ندعو المحاكم الدولية للعمل على تقديم الجناة من منفذي القتل وآمريهم ومحرضيهم، للمحاكم المختصة، لينالوا العقاب على ما اقترفته أيديهم الآثمة التي لا تزال مبللة بدماء السوريين الذين لا ذنب لهم، فكلما خرجوا من أجله هو مناداة بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، والخروج على نظام ديكتاتوري حكم البلاد بالقتل والموت وانتهاك حقوق الإنسان طوال عقود خلت.