أميركا وحسن طالعها
كان نيكولو مكيافيلي، الذي يعد أكثر الفلاسفة السياسيين دهاء في التاريخ، يرى أن الأحداث العظيمة تتشكل بفعل الحظ أو ما يشير إليه «فورتشونا» بالقوة التي لا يمكن التنبؤ بها في الحياة. فيمكن أن ينتج عن نفس الأحداث نجاح أو فشل، وهذا يتوقف على الحظ.
لن يمكنك معرفة ذلك من خلال الاستماع لأصحاب الآراء المتشائمين، ولكن كانت الولايات المتحدة محظوظة كثيرا مؤخرا؛ فقد أصبحت قوتها الاقتصادية الأصيلة فيها أكثر وضوحا. وفي الوقت نفسه، تعرض خصومها لانتكاسات، كان بعضها مما كسبت أيديهم، والبعض الآخر بسبب سوء الحظ.
في ظل هذا الوضع المتميز، يحق للولايات المتحدة التفكير باعتبارها قوة عظمى؛ فلا ينبغي أن تسارع إلى تقديم تنازلات لدول أضعف، أو التوصل لاتفاقيات لم تنضج بعد، كما قد يكون الحال في المحادثات النووية التي يتم إجراؤها حاليا مع إيران. ولا ينبغي أن تتخاذل عن مساعدة أصدقائها، أو جعل خصومها يدفعون جريرة تصرفاتهم المتهورة، كما هو الحال في تعاملها مع العدوان الروسي على أوكرانيا.
ومن الحظ أيضا أن يقوم تنظيم داعش، الذي يشكل تهديدا خطيرا في سوريا والعراق، بطريقة بشعة بإحراق طيار أردني مسلم حيا. استشاط ملايين العرب غضبا ودعوا للانتقام. وبهذه الفعلة الشنعاء التي تمت في إطار وحشي قوض المتطرفون وضعهم أكثر مما كانت ستفعل آلاف الضربات الجوية الأميركية أو ملايين التغريدات التي كانت ستطلقها وزارة الخارجية الأميركية في حربها الدعائية.
ويتساءل الأميركيون دائما: لماذا لا يندد العرب بالفظائع التي ترتكب باسم الإسلام؟ هذا يحدث الآن؛ فقد جاء العنوان الرئيسي لتغطية صحيفة «الحياة» اللندنية لهذا الأمر ككلمة واحدة هي «وحشية». ووصفه أمير الكويت بأنه «عمل في منتهى العنف والقسوة». ووصفته المملكة العربية السعودية بأنه «عمل إجرامي وحشي وشنيع». وينبغي على الولايات المتحدة ألا يكون صوتها أعلى من صوت العالم الإسلامي الساخط. وينبغي أن تكبح جماح خطابها وأن تستخدم القوة بشكل خفي؛ وأن تتصرف كقوة عظمى.
لكي نفهم «علاقات القوى» الحالية مثلما يفضل الروس أن يسموها، لنلق نظرة على بعض الأدلة التي تشير إلى القوة الاقتصادية الأميركية التي جمعها مصرف «غولدمان ساكس» الشهر الماضي في توقعاته لعام 2015 بعنوان «التفوق الأميركي».
أولا، زيادة إجمالي الناتج المحلي: زاد نمو الاقتصاد الأميركي، عن أقصى ارتفاع له قبل اندلاع الأزمة المالية عام 2008، بنسبة 8.1 في المائة أخرى من حيث إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، مقارنة بانخفاض نسبته 2.2 في المائة في منطقة اليورو، و1.1 في المائة بالنسبة لليابان. كذلك تقلصت الفجوة بين معدلات زيادة إجمالي الناتج المحلي في اقتصاديات الأسواق الناشئة السريعة النمو والولايات المتحدة من نسبة 6.5 نقطة في عام 2007 إلى 2.6 نقطة في عام 2014، ومن المتوقع أن تتقلص الفجوة هذا العام لتصل إلى 1.2 نقطة مع تباطؤ الصين.
عند النظر إلى الإحصاءات الخاصة بالأعمال التجارية، نجد المكاسب أكثر إبهارا. فالرفع المالي للشركات المدرجة في الولايات المتحدة أقل من تلك المدرجة من أي من شركائها التجاريين. وإنتاجية العمال الأميركيين أعلى كثيرا من الإنتاجية في منطقة اليورو، أو اليابان، أو أي من الدول ذات الأسواق الناشئة. أما من حيث متوسط تكاليف التصنيع، فإن الولايات المتحدة لديها ميزة تنافسية في مواجهة كل دولة من أكبر 10 دول مصدرة، باستثناء الصين.
تأتي الرياح بما تشتهي الدول القوية مثل الولايات المتحدة؛ فهي ليست في حاجة لتعجل الأمور وسط صخب السياسة الحزبية وعجلة الأخبار التي لا تتوقف. لهذا السبب أتمنى أن لا تقدم إدارة أوباما الكثير من التنازلات إلى إيران في سعيها للتوصل إلى اتفاق نووي. فإذا كان الإيرانيون مستعدين حقا لتحاشي المواجهة ووقف برنامجهم النووي، فهذا أمر جيد؛ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فدعونا ننتظر. ففي عالم يشهد انخفاض أسعار النفط، ويسعى فيه الشعب الإيراني باستماتة لإنهاء عزلته، ليس الوقت في صالح المتشددين الإيرانيين.
أما بالنسبة لأوكرانيا، فكان للولايات المتحدة القوية من الحكمة ما جعلها تترك الباب مفتوحا لخروج الرئيس الروسي المندفع بوتين وقبول فكرة دولة أوكرانية تستوعب في المستقبل كلا من المصالح الروسية والغربية. تواصلت هذه الجهود مؤخرا في كييف؛ ولكن إذا ظل بوتين يتجاهل مسألة التوصل لتسوية، وواصل الحرب بالوكالة في شرق أوكرانيا، ينبغي على الولايات المتحدة أن تزود كييف بأسلحة محدودة، حسبما أشار هذا الأسبوع خبراء من مركز مجلس الأطلسي، ومعهد بروكينغز، ومجلس شيكاغو للشؤون العالمية. فإذا استمر بوتين في التصعيد، في الوقت الذي تضعف فيه روسيا بسبب انخفاض أسعار النفط، فإنه قد يواجه حربا مدمرة في أنحاء أوكرانيا. وحينها يكون قراره هو وليس قرارنا.
الحظ يحالف الدول القوية، ولكن عندما تتصرف بعزيمة. وسترتكب أميركا خطأ كبيرا، إذا أهدرت ميزتها الحقيقية من أجل تحقيق نجاح دبلوماسي قصير المدى.
لن يمكنك معرفة ذلك من خلال الاستماع لأصحاب الآراء المتشائمين، ولكن كانت الولايات المتحدة محظوظة كثيرا مؤخرا؛ فقد أصبحت قوتها الاقتصادية الأصيلة فيها أكثر وضوحا. وفي الوقت نفسه، تعرض خصومها لانتكاسات، كان بعضها مما كسبت أيديهم، والبعض الآخر بسبب سوء الحظ.
في ظل هذا الوضع المتميز، يحق للولايات المتحدة التفكير باعتبارها قوة عظمى؛ فلا ينبغي أن تسارع إلى تقديم تنازلات لدول أضعف، أو التوصل لاتفاقيات لم تنضج بعد، كما قد يكون الحال في المحادثات النووية التي يتم إجراؤها حاليا مع إيران. ولا ينبغي أن تتخاذل عن مساعدة أصدقائها، أو جعل خصومها يدفعون جريرة تصرفاتهم المتهورة، كما هو الحال في تعاملها مع العدوان الروسي على أوكرانيا.
ومن الحظ أيضا أن يقوم تنظيم داعش، الذي يشكل تهديدا خطيرا في سوريا والعراق، بطريقة بشعة بإحراق طيار أردني مسلم حيا. استشاط ملايين العرب غضبا ودعوا للانتقام. وبهذه الفعلة الشنعاء التي تمت في إطار وحشي قوض المتطرفون وضعهم أكثر مما كانت ستفعل آلاف الضربات الجوية الأميركية أو ملايين التغريدات التي كانت ستطلقها وزارة الخارجية الأميركية في حربها الدعائية.
ويتساءل الأميركيون دائما: لماذا لا يندد العرب بالفظائع التي ترتكب باسم الإسلام؟ هذا يحدث الآن؛ فقد جاء العنوان الرئيسي لتغطية صحيفة «الحياة» اللندنية لهذا الأمر ككلمة واحدة هي «وحشية». ووصفه أمير الكويت بأنه «عمل في منتهى العنف والقسوة». ووصفته المملكة العربية السعودية بأنه «عمل إجرامي وحشي وشنيع». وينبغي على الولايات المتحدة ألا يكون صوتها أعلى من صوت العالم الإسلامي الساخط. وينبغي أن تكبح جماح خطابها وأن تستخدم القوة بشكل خفي؛ وأن تتصرف كقوة عظمى.
لكي نفهم «علاقات القوى» الحالية مثلما يفضل الروس أن يسموها، لنلق نظرة على بعض الأدلة التي تشير إلى القوة الاقتصادية الأميركية التي جمعها مصرف «غولدمان ساكس» الشهر الماضي في توقعاته لعام 2015 بعنوان «التفوق الأميركي».
أولا، زيادة إجمالي الناتج المحلي: زاد نمو الاقتصاد الأميركي، عن أقصى ارتفاع له قبل اندلاع الأزمة المالية عام 2008، بنسبة 8.1 في المائة أخرى من حيث إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، مقارنة بانخفاض نسبته 2.2 في المائة في منطقة اليورو، و1.1 في المائة بالنسبة لليابان. كذلك تقلصت الفجوة بين معدلات زيادة إجمالي الناتج المحلي في اقتصاديات الأسواق الناشئة السريعة النمو والولايات المتحدة من نسبة 6.5 نقطة في عام 2007 إلى 2.6 نقطة في عام 2014، ومن المتوقع أن تتقلص الفجوة هذا العام لتصل إلى 1.2 نقطة مع تباطؤ الصين.
عند النظر إلى الإحصاءات الخاصة بالأعمال التجارية، نجد المكاسب أكثر إبهارا. فالرفع المالي للشركات المدرجة في الولايات المتحدة أقل من تلك المدرجة من أي من شركائها التجاريين. وإنتاجية العمال الأميركيين أعلى كثيرا من الإنتاجية في منطقة اليورو، أو اليابان، أو أي من الدول ذات الأسواق الناشئة. أما من حيث متوسط تكاليف التصنيع، فإن الولايات المتحدة لديها ميزة تنافسية في مواجهة كل دولة من أكبر 10 دول مصدرة، باستثناء الصين.
تأتي الرياح بما تشتهي الدول القوية مثل الولايات المتحدة؛ فهي ليست في حاجة لتعجل الأمور وسط صخب السياسة الحزبية وعجلة الأخبار التي لا تتوقف. لهذا السبب أتمنى أن لا تقدم إدارة أوباما الكثير من التنازلات إلى إيران في سعيها للتوصل إلى اتفاق نووي. فإذا كان الإيرانيون مستعدين حقا لتحاشي المواجهة ووقف برنامجهم النووي، فهذا أمر جيد؛ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فدعونا ننتظر. ففي عالم يشهد انخفاض أسعار النفط، ويسعى فيه الشعب الإيراني باستماتة لإنهاء عزلته، ليس الوقت في صالح المتشددين الإيرانيين.
أما بالنسبة لأوكرانيا، فكان للولايات المتحدة القوية من الحكمة ما جعلها تترك الباب مفتوحا لخروج الرئيس الروسي المندفع بوتين وقبول فكرة دولة أوكرانية تستوعب في المستقبل كلا من المصالح الروسية والغربية. تواصلت هذه الجهود مؤخرا في كييف؛ ولكن إذا ظل بوتين يتجاهل مسألة التوصل لتسوية، وواصل الحرب بالوكالة في شرق أوكرانيا، ينبغي على الولايات المتحدة أن تزود كييف بأسلحة محدودة، حسبما أشار هذا الأسبوع خبراء من مركز مجلس الأطلسي، ومعهد بروكينغز، ومجلس شيكاغو للشؤون العالمية. فإذا استمر بوتين في التصعيد، في الوقت الذي تضعف فيه روسيا بسبب انخفاض أسعار النفط، فإنه قد يواجه حربا مدمرة في أنحاء أوكرانيا. وحينها يكون قراره هو وليس قرارنا.
الحظ يحالف الدول القوية، ولكن عندما تتصرف بعزيمة. وسترتكب أميركا خطأ كبيرا، إذا أهدرت ميزتها الحقيقية من أجل تحقيق نجاح دبلوماسي قصير المدى.
ديفيد اغناسيوس
المصدر : الشرق الاوسط – واشنطن بوست