إدلب ومحيطها… مأساة تعليمية ومستقبل بلا أمل لطلاب أبعدهم القصف والموت وقلة الدعم من الجهات المانحة عن مقاعد الدراسة

13

التعليم هو أكثر القطاعات أهمية في التنمية المجتمعية، ويصبح تحققه أكثر صعوبة، في المناطق التي تشهد عمليات عسكرية أو عمليات استهداف، وبالمحصلة فإن المناطق التي تشهد عدم الاستقرار، من حيث الأوضاع الأمنية والعسكرية، الأمر الذي يصعب على الطلاب، تلقي التعليم بشكل مستقر ومتواصل، ما يساهم بشكل أو بآخر في تهديم جيل كامل عانى من أوضاع إنسانية ومعيشية وامنية رديئة، يتصاعد عدم استقرارها بين الحين والآخر، ووفقاً للإحصاءات التي حصل عليها المرصد السوري فإن تعداد الطلاب يفوق في العام الدراسي الجاري أكثر من 400 ألف طالب، وهو عدد قليل مقارنة بأكثر من 4 مليون قاطن في محافظة إدلب ومحيطها ضمن مناطق الشمال السوري، حيث تقدر الجهات التربوية والتعليمية عدد الطلاب الذين يجب أن يكونوا مسجلين خلال العام الدراسي الحالي بأكثر من 450 ألف.

المرصد السوري لحقوق الإنسان رصد الحالة التعليمية في محافظة إدلب ومحيطها ضمن الشمال السوري، إذ كان السؤال عن سبب تخلف بقية الطلاب عن التعليم والالتحاق بالمدارس صعب الإجابة، وما تسبب بصعوبة الإجابة هو الحالة الأمنية غير المستقرة التي تعيشها محافظة إدلب، التي شهدت اغتيال وقتل 100 مدني على الأقل بينهم أطفال ومواطنات على يد خلايا نشطة مسؤولة عن الاغتيالات، إضافة لحالات الاختطاف التي تجري فضلاً عن عمليات القصف المتجددة بشكل يومي وعن التفجيرات والفوضى الجارية، فقد رصد المرصد السوري خروج العديد من المدارس خلال الأشهر والسنوات السابقة عن الخدمة، نتيجة لعمليات القصف من قبل قوات النظام والمسلحين الموالين لها، ونتيجة الغارات الجوية الروسية، ومن الطائرات التابعة للنظام السوري، حيث خرجت مدارس عن الخدمة في معظم مناطق إدلب أو تضررت، أو أصبح بعضها في حالة سيئة، إلا أنه هذه الحالة المتردية للتعليم جاءت بالتوازي مع برنامج تعليمي أطلق ضمن محافظات إدلب وحماة وحلب واللاذقية، في العام 2014 – 2015، وجرى تقديم مبالغ مالية وصلت لنحو 18 مليون دولار وفقاً لمصادر أكدت للمرصد السوري ما جرى من توافق بين وحدات تعليمية وتربوية على السير في برنامج تعليمي هدفه زيادة وتيرة التعليم وعدم خلق فراغ من الجهل لدى الجيل المتعلم والطلاب المنقطعين عن مدارسهم لظروف مختلفة

المصادر الأهلية ومدرسين في ريف إدلب، اشتكوا للمرصد السوري سطوة الفصائل المسيطرة على إدلب، وتدخلها في الجانب التعليمي، حيث أكد أحد المدرسين أن الفصائل الإسلامية بخاصة تدخلت في الجانب التعليمي، ما انعكس على المناهج وعلى جودة التعليم، في الوقت الذي يعارض ذلك رغبة الأهالي في تعليم أطفالها وأولادها، وأكدت مصادر أخرى عاملة في سلك التعليم، أنه جرت خلال السنوات الفائتة مبادرات متتالية لتعليم الأطفال ومحاولة التأثير عليهم ودفعهم للانجذاب نحو التعليم، إلا أن هذه الحملات خفت وتيرتها نتيجة اشتداد وتيرة المعارك، ونتيجة المزاجية التي تعاملت بها فصائل عاملة في إدلب مع المناهج التعليمية وتوجيه اتهامات لهذه المناهج، وهذا ما جرى من خلال مطالبة جيش الفتح خلال سيطرته على محافظة إدلب بالإشراف على كامل العملية التعليمية، وجرى تأسيس جهاز تربوي، إلا أن عدم وجود مصادر مالية كافية حال دون تنفيذ الأمر وجرى الاكتفاء بحذف مواد تعليمية والتركيز على أخرى ومنها التربية الدينية، كما انتشرت مدارس “شرعية” تتبع لدعاة غير سوريين وأبرزهم السعودي عبد الله المحيسني الذي ساهم في تجنيد أطفال في الجانب العسكري، وهذا ما دفع باتجاه أدلجة التعليم

المصادر الموثوقة أكدت للمرصد السوري أن انعدام الثقة بالحكومة السورية المؤقتة، دفع المانحين لاستثنائها من هيكلية الدعم، حيث رفضوا توزيع الرواتب والمستحقات والدعم عن طريقها للمتواجدين في إدلب، وهذا ما أجمعت عليه المنظمات والجهات التعليمية، فيما تحدث الأهالي للمرصد السوري، عن تدريس اللغة التركية في مناطق سيطرة القوات التركية، حيث جرى افتتاح حصص تعليمية للغة التركية، حيث جرى تدريس مئات الطلاب اللغة التركية، فيما عبر الأهالي والمدرسون عن استيائهم حول أن تنوع الجهات الداعمة أثرت على جودة التعليم وشتت ولاءات الطلاب، فيما حال انتشار اسم جبهة النصرة وانتشار مقاتليها في إدلب بشكل مكثف، دون تقديم مزيد من الدعم من قبل المنظمات الأوربية الممولة، وهذا ما ساهم في تردي الواقع التعليمي.

المصادر الموثوقة تحدثت للمرصد السوري بشكل مكثف عن صعوبة العملية التعليمية، من خلال ضعف الإمكانات لترميم وإصلاح الأثاث المدرسي وترميم الجدران والنوافذ والأبواب نتيجة القصف والسرقة، وما جرى إعادة فتحه من مدارس، تم وسط واقع مأساوي، حيث تعاني المدارس المفتوحة من حالة معمارية سيئة من تدمير وتضرر، فيما لا يزال عنصر الأمان هو العنصر الرئيسي الذي يمس ثبات العملية التعليمية واستمرارها، كما تعاني المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، من نقص حاد في الكتب المدرسية، وما يوجد من كتب فهو في حالة سيئة، وتمنُّع الجهة الداعمة لطبع الكتب عن تقديم الدعم حال دون طبع كتب جديدة، كما أن تزايد أعداد الأطفال المتعلمين نتيجة عمليات التهجير، زاد من سوء الوضع التعليمي فضلاً عن قلة الكتب نتيجة احتراق أعداد كبيرة منها بسبب القصف والحرائق وغيرها من الظروف واحتراق لوازم مدرسية كاملة في ظروف مشابهة، وتشارك عدة طلاب في المتابعة عبر كتاب واحد، وتحدثت مصادر أهلية للمرصد السوري أن “”هناك شح في الكتب المدرسية، وهذا ما هو منتشر في معظم مدارس الشمال السوري، حيث تتزايد في المخيمات، وخاصة الحديثة منها، وكذلك في المناطق القريبة من الجبهات، بينما يكون الوضع تحت السيطرة في المدن والبلدات الداخلية””.

ويعاني الوضع التعليمي كذلك من هجرة المدرسين والعاملين في السلك التعليمي، نحو أعمال تمكنهم من تأمين قوتهم، وتأمين أجوراً أعلى تعيلهم، بعد قلة الأجور والرواتب المقدمة، وعدم ثباتها بسبب تراجع التمويل وتأمين الاحتياجات، حيث يوجد ما لا يقل عن 4300 مدرس ومدرس يتلقون رواتب من منظمات مختلفة، إضافة لنحو 3700 تدفع أجورهم في المناطق المسيطرة، فيما يقدر تعداد المعلمين المرتبطين تمويلياً من النظام، بنحو 10 آلاف مدرس ومدرسة وتجري العملية التعليمية ضمن نحو 1200 مدرسة.

استياء السكان والنازحين والمهجرين في محافظة إدلب والشمال السوري، جاء بسبب الحملات التي تقوم بها المعارضة للتضامن مع هجمات على بلد أو آخر، إلا أن العملية التعليمية التي تعاني من حالة مأساوية، تنذر بجيل جاهل، في زمن متطور، لم تلقى أي دعم إعلامي من أية جهة محلية أو إقليمية او دولية، وكأن هذا العالم يريد جيلاً جاهلاً يجعله وقوداً لحرب أنهكت السوريين وقتلت وجرحت وشردت منهم الملايين الذين فقدوا أهم ما يمكن للإنسان أن يبني به مستقبله ألا وهو العلم