إستئصال “سرطان” المعارضة!
سيمر وقت طويل قبل ان تنجلي أبعاد “الإنقلاب العسكري المراهق” الذي فشل في ساعات ومرّغ نهائياً هيبة الجيش التركي القوي في الوحل، ولكن ما هذه السرعة في التوصل الى إعداد قوائم بأسماء آلاف المتهمين يساقون الى السجون والمحاكمات، وبينهم حتى الآن 6038 من العسكريين ضمنهم 103 من جنرالات وأميرالات، والأكثر اثارة 2745 من القضاة والنواب العامين إضافة الى اقفال مواقع إخبارية وإعتقال إعلاميين؟
ليس من عادة الإنقلابيين العسكريين إعتقال رؤساء أركانهم كما حصل وترك السياسيين وعدم التعرّض للمسؤولين، فهذا غريب تماماً وليس من المعقول ألا يكون الانقلابيون على دراية بأن اردوغان رسّخ دولة أمنية موازية، سواء عبر الشرطة أو عبر أعضاء حزبه الذين نزلوا وأمسكوا بالشوارع، قبل ان ينقضوا على الإنقلابيين بعد الفشل السريع لحركتهم المراهقة .
عندما قال اردوغان “سنواصل تطهير كل مؤسسات الدولة من الفيروس، وهذا الفيروس ويا للأسف مثل السرطان إنتشر في الدولة برمتها”، كان الإستنتاج الفوري الذي أبدته بعض العواصم، على رغم أنها كانت قد أعلنت تأييدها للديموقراطية في وجه الإنقلابيين، “إذاً، إن عمليات التطهير كانت قائمة واردوغان سيواصلها ضد معارضيه في كل قطاعات الدولة، في الجيش والقضاء والإعلام والإقتصاد والسياسة والمجتمع المدني الشبابي الذي يرفض جنوحه الى السلطة المطلقة، وهو ما قد يؤسس للإنقلاب المقبل ولو بعد عشرة اعوام أخرى”!
ربما لهذا خلصت صحيفة “التايمس” الى ان فشل الإنقلاب في تركيا لم يحم الديموقراطية بل قبرها، لأن اردوغان مصمم على تدمير دور القانون وحقوق الإنسان والصحافة الحرة والقضاء المستقل، وفي هذا السياق تشتعل في تركيا وخارجها التساؤلات عما اذا كانت هناك قوائم معدة سلفاً بأسماء الذين يتوجب إعتقالهم، إذ ان عدداً كبيراً من العسكريين الذين لم يشاركوا في المحاولة الإنقلابية اعتقلوا فوراً على خلفية الإشتباه والرغبة المسبقة في إزاحتهم، وفق خطة مبرمجة وضعها اردوغان لتقليم اظافر الجيش الذي سبق له ان نفذ أربعة انقلابات ناجحة في الأعوام 1960 و1971 و1980و 1997.
لست أعرف صحة ما نقلته الوكالات عن وسائل إعلام تركية معارضة، نسبت الى مصادر رفيعة المستوى في انقرة، ان سبب فشل الإنقلاب هو الإرتجال السريع، وان سبب الإرتجال هو ان عدداً كبيراً من قادة المحاولة والمشاركين فيها كانوا سيعتقلون فجر يوم 16 تموز بناء على قرار قضائي وافق عليه رئيس الاركان، ولهذا إستعجل الإنقلابيون بدء محاولتهم قبل ساعات من موعد اعتقالهم، وباشروها بإعتقال رئيس الاركان!
من الجيد سقوط الديكتاتورية العسكرية، ولكن من السيئ جداً قيام الديكتاتورية المنتخبة، لأنها تمثل الوجه المظلم لديموقراطية إعتبرت فشل الانقلاب هبة من الرب لقمع المعارضة على أوسع نطاق.
راجح الخوري
النهار