إلحاق الموصل وحلب بتركيا

57

لو أن محاولة الانقلاب في 15 تموز (يوليو) الماضي نجحت لتحولت تركيا إلى كتلة من نار تتقاذفها حرب داخلية أهلية وحروب مع إيران وروسيا. هذا ما سعى إليه من وقفوا وراء تلك المحاولة. ورمى الانقلابيون الى إلهاء تركيا عما يحدث في العراق وسورية، من أجل مد ممر طويل يسيطر عليه حزب «العمال الكردستاني» الإرهابي وذراعه السورية من إيران إلى الساحل السوري عبر العراق، في ما يسمى مناطق كردية محررة. لذا، ليس ما جرى في 15 تموز محاولة انقلابية فحسب، بل محاولة لتقسيم تركيا والعودة بها الى حالها عشية انتهاء الحرب العالمية الأولى. ولم يكن الهدف فحسب إعادة تركيا الى الارتهان للسياسة الأميركية والدوران في فلكها، بل استتباعها وإضعافها وتقسيمها، لأنها كبرت وزاد نفوذها في المنطقة زيادة لا نظير لها في الماضي القريب. وتعاظمت قوتها ووزنها فكان لابد من تقويض هذه القوة من طريق محاولة الانقلاب. وسعت أميركا والاتحاد الأوروبي إلى كسر شوكة تركيا، فحركا أذرعهما، اي حزب «العمال الكردستاني» وجماعة غولن، من أجل اراقة الدماء في تركيا، وتنفيذ مخططات تحويل تركيا الى سورية جديدة. وظهرت خرائط غريبة يظهر فيها الأناضول مقسماً. وهذا هدف الغرب منذ 40 عاماً، لا بل منذ الحملات الصليبية. لذا، نقول إن نزول الآلاف الى الشارع لم يكن تصدياً فحسب للمحاولة الانقلابية بل كان معركة تحرير حقيقية لإنقاذ تركيا من تلك السيناريوات والحؤول دون وقوع حرب بين إيران وتركيا وإفشال مشاريع الحرب مع روسيا. لذا، يجب ان ينتقل الدفاع عن تركيا بعد ليلة المحاولة الانقلابية من داخل تركيا الى خارج حدودها. فالدفاع عنها بدأ في معركة «درع الفرات» من أجل نقل المعركة الى الخارج والتصدي للأخطار من خارج الحدود التركية قبل وصولها الى اراضينا. و»درع الفرات» نموذج ناجح للإستراتيجية التركية الجديدة التي تمنع التهديد قبل بلوغه حدودها. ثم شهدنا مسرحية ظهور «داعش» وحزب «العمال الكردستاني» في كركوك، والهدف من هذه المسرحيات اقصاء تركيا من ساحة موازين القوى والاستفراد بالمنطقة. لكن الإستراتيجية التركية الجديدة، وقوامها الهجوم عوض الدفاع، أفشلت تلك المسرحيات، فرسخت دورها في بعشيقة ومن طريق المشاركة في القصف الجوي الذي بادر اليه التحالف الدولي لقوات «داعش» في الموصل.

وثمة إجماع اليوم على أن شمال العراق وشمال سورية هما المنطقتان الأخطر والأكثر هشاشة، وثمة مشروع لرسم خط يمر من خليج البصرة الى البحر المتوسط من خلال تقسيم المنطقة الى دويلات، ويمر هذا الخط من شمال العراق وشمال سورية. ويدور صراع دولي على رسم خريطة تلك المنطقة على وجه جديد. وجلي أن العراق وسورية خسرا، وربما الى الأبد، شمالهما الجغرافي. فلا العراق يبسط سيادته على شماله والموصل، ولا سورية تسيطر على حلب أو الشمال. فالتدخلات الدولية والإقليمية في حلب والموصل أقوى وأكثر نفاذاً من نفوذ العاصمتين فيهما. ومحاولة تهديد تركيا وتقسيمها التي بدأت بالمحاولة الانقلابية متواصلة الفصول الى اليوم. فسبحة التهديدات تكر في شمال حلب وشمال الموصل. وترمي الخطة التقسيمية الى زرع قوات هناك تهدد أمن تركيا. وعليه، لا شك في ان أمن تركيا وثيق الصلة بضبط شمال الموصل وشمال حلب أمنياً وعسكرياً والحؤول دون انفلات الأمور هناك على غاربها أو منع زرع منظمات ارهابية فيها أو فرض خطط عسكرية بالقوة.

والخط الرابط بين حلب والموصل هو خط الدفاع الجديد لتركيا. ومهما كان الثمن، لا مناص من هيمنة أمنية وعسكرية تركية هناك. وثمة من يحاول رسم خريطته الخاصة لإزعاج تركيا في كركوك والموصل وحلب. لذا، حري بتركيا ان تتحرك وتتدخل في حملة استباقية لإجهاض تلك السيناريوات. وإذا انتزعت مناطق شمال الموصل وحلب من سورية والعراق، على تركيا التحرك لضمان مصالحها هناك. وعليه، تمس حاجة تركيا الى التحرك باتجاه تل أبيض في سورية، وتلعفر في العراق. فنحن اليوم نجبه تحديات يتعذر معها الوثوق بالأصدقاء والحلفاء، فمستودع الثقة اليوم هو القوة في ميدان المعركة فحسب. وبعضهم يتوسل بـ «داعش» من أجل رسم خريطته الخاصة، وبعض آخر يستخدم حزب «العمال الكردستاني» لبلوغ اهدافه، وإيران (تستخدم) الميليشيات العراقية و»الحشد الشعبي» لمد نفوذها. وهذه محاولات وألاعيب موروثة من مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وكأن التاريخ يعيد نفسه في المنطقة لرسم خرائط جديدة. وهذه المرة لن تكون تركيا ضحية خطط الآخرين، وستسعى إلى إطاحتها.