إيران وأمريكا تتطلعان إلى خطوات بوتين في سوريا

17

الرئيس الروسي أثار ضجة بسيطة الاسبوع الماضي عندما أعلن أن «البدء بالعملية السياسية لسوريا سيساعد في اخراج القوات المسلحة الاجنبية من الدولة». العرض خطط له جيدا. في 9 أيار/مايو التقى بوتين مع نتنياهو، وبعد خمسة أيام وصل وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لاجراء لقاء مع نظيره سيرجي لافروف، وفي النهاية في 17 أيار/مايو دعي بشار الاسد للقاء في سوتشي للالتقاء مع بوتين من أجل أن يسمع منه ما تم الاتفاق عليه مع الضيوف السابقين.
لقد كان بالامكان أن نفهم أنه بعد جولة من المشاورات والمباحثات اتفق الجميع على خروج القوات الاجنبية من سوريا. ولكن الاسد وصل في الاساس ليتسلم ورقة أوامر تشمل قائمة بما هو مطلوب منه القيام به من أجل إنجاح الخطوات الروسية. أحد هذه الاوامر يتعلق بالاصلاحات المطلوبة في الدستور السوري، مثل التي تضمن حقوقاً وتعاوناً سياسياً لقطاعات طائفية في النظام العتيد، ومن اجل ذلك يتوقع قريبا أن تصل إلى دمشق بعثة من القانونيين الروس الذين سيساعدون الاسد في صياغة ما يحتاج إلى تعديل. الثاني يتعلق بتعميق الاستثمارات الروسية في اعادة اعمار الدولة وإعطاء أفضلية للشركات الروسية على الشركات الاخرى، بالاساس الإيرانية، في ادارة المشاريع. الثالث وهو المهم من ناحية إسرائيل، يتوقع أن يتركز في خفض شكل التدخل الإيراني في سوريا. مصادر دبلوماسية قالت للصحيفة إن بوتين أوضح للأسد بأن عليه منع مخاطرة محتملة تتمثل في حدوث حرب بين إسرائيل وإيران على الاراضي السورية، لكن ليس واضحاً إذا كان أمره بمنع انشاء قواعد صواريخ إيرانية في سوريا.
الصياغة المحسوبة التي استخدمها بوتين في تصريحه يمكنها أن تفسر كإعطاء إشارة لإيران للاستعداد لسحب قواتها، لكن المتحدث بلسان بوتين الذي طلب منه توضيح مقاصد الرئيس الروسي، أوضح أن القصد هو «القوات الاجنبية الموجودة في سوريا من خلال أمر واقع فرضوه وليس بصورة شرعية، من خلال خرقهم للقانون الدولي»، أي القوات الأمريكية والتركية وليس القوات الإيرانية والروسية. ومن إجل إزالة الشك أوضح نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أن سوريا استدعت قوات صديقة لحلفائها منها روسيا وإيران و«الاخوة من حزب الله» لمساعدتها في حربها ضد الإرهاب. «هذه القوات لا تمس بسيادة سوريا وتعمل بالتنسيق معها»، وقد شدد المقداد على أن خروج القوات الاجنبية من سوريا هو شأن سوري وغير مطروح مطلقا للنقاش. ايضا المتحدث بلسان وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، لم يقف مكتوف الايدي امام التلميحات الروسية والطلب الأمريكي بسحب القوات الإيرانية، وأوضح أن «لا أحد يستطيع أن يفرض على إيران القيام بأي أمر ضد ارادتها».
حسب الخطة الروسية الحديث لا يدور عن طلب انسحاب فوري لقوات أجنبية، إيرانية، تركية وأمريكية، بل عن عملية بدايتها تجديد المفاوضات السياسية بين المتمردين والمعارضة وبين النظام، التي يتم من خلالها الاتفاق على شروط المصالحة، والأدق الاستسلام. اذا تم استكمال المرحلة الاولى بنجاح فسيتم تشكيل حكومة انتقالية تقوم بالاعداد للانتخابات، وفقط بعد ضمان سيطرة الحكومة الجديدة على الدولة ويمكن الوضع الامني ذلك، سيكون بالامكان البحث في انسحاب القوات الاجنبية. اذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة تتوقعان أن طلب ترامب من إيران سحب قواتها من سوريا سينفذ، فيجب عليهما تأييد الخطة الروسية والأمل بأن ينجح بوتين في فرض إرادته على المليشيات التي حتى الآن رفضت معظم العروض للمصالحة التي عرضت عليها من روسيا.
لا خلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا وإيران حول مسألة استمرار حكم الاسد. جميعهم اتفقوا على عدم وجود بديل حقيقي للرئيس المسؤول عن قتل نصف مليون شخص تقريبا من أبناء شعبه، جميعهم يعترفون بعدم وجود بديل للخطوات السياسية الروسية وأنه في الايام القريبة ستكون عليها المصادقة على نتائجها عندما ستطرح للمصادقة عليها في الأمم المتحدة. الطلب الروسي حاليا هو عدم التشويش عليها في إدارة وتنفيذ هذه الخطوات. وأن لا تفتح إسرائيل والولايات المتحدة معركة ثانوية ضد إيران على الاراضي السورية، الامر الذي من شأنه أن يشوش بشكل كبير على المبادرة الروسية.

المعضلة المشتركة

في الوقت الذي تحاول فيه روسيا التوفيق بينها وبين إيران وسوريا، فهي تواصل بكل قوتها التقليل من مكانة وقوة مليشيات المتمردين في سوريا. في الاسابيع الاخيرة حققت لصالح الاسد انتصاراً في منطقة الغوطة الشرقية، وفي هذا الاسبوع ساعدت النظام في السيطرة على مخيم اليرموك للاجئين في جنوب دمشق، والأصح على ما بقي منه. قوات داعش التي بقيت في المخيم وقعت على اتفاق انسحاب. ومن اجل تسريع الامور وافقت روسيا على أنه يمكنهم إخراج السلاح الثقيل معهم، خلافا لموقف الاسد. هذه الوحدات تم نفيها إلى صحراء قرب حمص. أما عدد قليل من المدنيين الفلسطينيين والسوريين الذين بقوا تم نقلهم في قوافل طويلة إلى شمال الدولة. تدمير المخيم استكمل تقريبا بصورة نهائية.
صور وأفلام تم رفعها على الشبكات الاجتماعية تدل على أنه لم يبق بيت واحد كامل في المخيم الذي عاش فيه مئات آلاف الناس. ولكن يبدو أنه حتى في داخل الدمار ما زال هناك اثاث واغراض يمكن استخدامها التي انقض عليها الجنود السوريون مثلما فعلوا في حلب والغوطة. هذه الاغراض التي يمكن ايجادها بعد ذلك في اسواق السلب المزدهرة التي تحولت إلى مصدر رزق اضافي للجنود ورجال المليشيات الذين يخدمون النظام. مخيم اليرموك أيضاً سينضم إلى قائمة الممتلكات العقارية التي ستعرض لاعادة البناء على الشركات الروسية أو الإيرانية كتعويض على المساعدة الاقتصادية التي قدمتها هذه الدول لسوريا.
نموذج التعاون الاقتصادي هذا آخذ في التبلور في مدن كثيرة في سوريا منها مدينة دوما التي بقربها هاجم جيش الاسد بالسلاح الكيميائي، والنظام ينوي بناء مجمعات سكنية، وهكذا ايضا في مدينة دارية في محافظة الغوطة التي فيها حسب المخطط ستقام آلاف الوحدات السكنية التي سيسكن فيها حوالي 275 ألف نسمة. في هاتين المدينتين ستعرض دمشق على الشركات الروسية بناء المشروع.
هنا تنتظر أيضاً مفاجأة مثيرة لمواطني المدينة الاصليين الذين هربوا منها والآن يريدون العودة. قانون جديد سنّه النظام ينص على أنه على أصحاب الاملاك تقديم كل الوثائق المطلوبة التي تثبت أنهم الاصحاب الشرعيون خلال شهر من نشر القانون. فقط من سيحصل على تصريح بالملكية يمكنه بناء بيته من جديد أو الحصول على أرضه. هذه خطوة مطلوبة مقابل الدمار الشديد الذي لا يمكن من تشخيص مبان كثيرة، ومن أجل منع سيطرة المحتالين على الممتلكات. ولكن يتبين لسكان المدينة أنه لا يسمح لهم العودة اليها، حيث أن امكانية تقديم طلب الملكية والبناء سحبت منهم. اذا لم ينجحوا في إثبات حقهم في الاملاك، فيمكن للنظام وضع اليد على أملاكهم والتصرف بها كما يريد. الخوف هو أن النظام، بالتشاور مع إيران، سيقوم بملء المدينة بالسكان الشيعة الذين بدأوا في الوصول من العراق، والسكن في مدن مختلفة في سوريا. هذه التغييرات الديموغرافية غير جديدة في سوريا. مواطنون عرب انتقلوا إلى المناطق الكردية في السابق، حوالي 300 عائلة عراقية سكنت في سوريا في العام 2016، والآن يتوقع كما يبدو أن يقوم الآلاف بالحلول محل المواطنين الاصليين.
ايضا مليشيات المتمردين بدأت بتخطيط مواصلة نشاطاتها ازاء عملية السحق السورية والروسية التي طردتهم من أماكن كثيرة منها مدن كبرى وتجمعات سكانية اعتمدت عليها المليشيات لتمويل نشاطاتها. مثال على ذلك هو مليشيا جيش الإسلام الذي انشيء في 2011، ومنذ ذلك الحين جمع صفوف مليشيات عديدة أخرى إلى أن تحولت إلى اكبر مليشيا تضم حوالي 15 ألف مقاتل.
في إطار اتفاق الاستسلام في دوما انسحب مقاتلو المليشيا إلى منطقة ادلب التي فيها تتركز الآن معظم المليشيات. جيش الإسلام اضطر إلى تسليم سلاحه للسلطات، وهكذا لا يمكنه المشاركة في المعارك العسكرية الجديدة.
الخيار المطروح امامه هو الانضمام بصورة جارفة للجيش السوري أو البقاء مليشيا، لكن الانتقال والعمل في منطقة الرقة تحت قيادة الجيش السوري. هذان الاحتمالان معناهما تصفية المليشيات. وهذا تطور سيؤثر على قوة ومكانة المليشيات الاخرى.

اتفاقات محلية

في الأيام الأخيرة أوردت الشبكات الاجتماعية في سوريا تقارير عن احتمال أن تقوم القوات العربية الشريكة لقوات المليشيات الكردية العاملة مع الولايات المتحدة بالانسحاب من الاطار الكردي والعودة للخدمة في الجيش السوري. هذه العملية هي جزء من المبادرة الروسية لتصفية مليشيات المتمردين «بالطرق السلمية». أي إخضاعها وحتى التسبب بانهيارها بواسطة اتفاقات محلية، وبهذا انهاء معارضتها للعملية السياسية.
لقد مرت سنتان ونصف منذ التدخل العسكري الكثيف لروسيا في الحرب السورية، وهي فترة قصيرة نسبيا مقارنة بالنجاح الذي حققته حتى الآن. إبعاد الولايات المتحدة عن الساحة السورية، إعادة إحياء النظام السوري الذي نجح في العودة والسيطرة على معظم مناطق الدولة وإبعاد إيران عن الخطوات الاستراتيجية والاحتكار الذي حققته لنفسها في ادارة العمليات السياسية، كل ذلك يجبرها الآن على تسريع العملية السياسية وفرض حقائق سياسية على الارض تقوم باكمال هذه العملية. الاستراتيجية الروسية هي الآن الضمانة الاهم لمنع حرب بين إيران وإسرائيل على الاراضي السورية التي من شأنها أن تتطور إلى مواجهة بينها وبين الولايات المتحدة.
السؤال الآن هو هل ستواصل إيران في أن ترى بنفس المنظار مع روسيا استمرار العملية السياسية التي ستقتضي منها سحب قواتها من سوريا. واذا قررت الانسحاب فكيف يمكنها رؤية أن هذا الانسحاب هو جزء من التنسيق مع روسيا وليس خضوعا للانذار الأمريكي، وكيف ستضمن لنفسها المصالح في منطقة سوريا ولبنان بدون قوة عسكرية في سوريا. يبدو أن إسرائيل، إيران والولايات المتحدة، مسجونة الآن في معضلة مشتركة، التي حلها من شأنه أن يأتي من خلال تعاون آخر مع روسيا وتخفيض سقف التوقعات من إيران في المدى القصير من أجل تحقيق هدف إبعادها عن سوريا في المدى المتوسط.

المصدر: القدس العربي