اتصالات تُجنّب إعلان وفاة العملية السياسية والمساعدات الإنسانية في سوريا تملأ الفراغ!

11

لا يزال الرئيس الأميركي باراك أوباما يملك القدرة على احداث متغيرات ما في المسألة السورية لو شاء ذلك، قياسا على مذكرة وقعها اكثر من 50 ديبلوماسيا وموظفاً في وزارة الخارجية الأميركية طالبوه بخطوات فاعلة حيال الرئيس السوري بشار الاسد، وذلك على رغم انه تحول “بطة عرجاء” وهو التعبير الذي يستخدمه الاميركيون للرئيس في الاشهر الاخيرة من ولايته، حين يصبح اكثر ضعفا بعدما شارفت الانتخابات الرئاسية الاميركية موعدها في تشرين الثاني المقبل. والمؤشر النموذج الاكثر حداثة لقدرة الرئيس الاميركي على استغلال الاشهر الاخيرة من ولايته والذي لا يزال ماثلا في الاذهان هو سعي الرئيس السابق بيل كلينتون الى عقد اتفاق سلام بين سوريا واسرائيل قبيل الاشهر الاخيرة من الانتخابات الرئاسية الاميركية. وهذا الهامش يبقى متاحا للرئيس اوباما على غرار سعيه الى احداث اختراق ملموس ضد تنظيم “الدولة الإسلامية – داعش” بمشاركة القوات العراقية او قيادتها من اجل اخراج التنظيم الإرهابي من الموصل او السعي الى اخراجه من الرقة السورية ايضا. فعلى هذين المستويين ثمة حاجة الى ان يسجل اوباما لادارته في نهاية ولايته الثانية مكسبا في مواجهة الارهاب. الا ان الآمال في ما يتعدى ذلك بصرف النظر عن مدى نجاحه في تسجيل هذا المكسب ام لا ليس في محلها بالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين، استنادا الى ان الدول الحليفة للولايات المتحدة في موقفها من الأزمة السورية تراجع الى حد كبير، وذلك بعد تعويلها على متغيرات ما في موقف الادارة الاميركية من الازمة السورية تبين عدم صحتها، ولا سيما منذ تراجع اوباما في صيف 2013 عن توجيه ضربة عسكرية للنظام نتيجة خرقه خطا احمر وضعه اوباما بالذات ويتعلق بتجرؤ النظام على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه. لا بل ان الانطباعات وفق ما ينقل هؤلاء عن ديبلوماسيين غربيين ان الرئيس اوباما اكثر ما يرغب في انهاء ولايته بالحد الممكن من ثبات الازمة السورية على الستاتيكو الحالي، ولذلك لن يقدم على اي خطوة في هذا الاطار. وينقل عن هؤلاء الديبلوماسيين تقليلهم اهمية اعلان وزير الخارجية جون كيري حين كان متوجها الى روسيا ان لصبر بلاده حدودا، وكان بذلك يحتج على قصف روسيا مواقع للمعارضة السورية المعتدلة التي تحارب تنظيم الدولة الاسلامية في منطقة النتف قرب حلب، في حين ان لا وجود لداعش بالقرب من مواقع المعارضة، من دون ان ينفي ذلك توتر الوضع بين روسيا والولايات المتحدة في هذا الموضوع، وذلك على رغم الاتصالات المتواصلة بين الجانبين للتنسيق في ما خص مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية.

لكن مذكرة الديبلوماسيين الموقعة قد تفيد مكان ما في رأي المراقبين في حال وصول هيلاري كلينتون للرئاسة، نتيجة لموقفها المغاير لأوباما من الازمة السورية حين كانت لا تزال وزيرة خارجيته.
وينقل مراقبون عن الديبلوماسيين الغربيين اعتقادهم او بالاحرى معطياتهم التي تفيد بان جل الاهتمام في الموضوع السوري بات يتركز على محاولة انجاز بعض البنود التي تم الاتفاق عليها بين الطرفين الاميركي والروسي في شكل اساسي، والمتعلقة بمحاولة السعي الى ايصال مساعدات انسانية الى البلدات والقرى التي يحاصرها النظام. فالواقع الذي باتت تقر به الدول المعنية يعلن خشيتها ان العملية السياسية التي كانت بدأت في جنيف تراجعت حظوظها جدا، الى درجة انعدامها اقله مع الادارة الاميركية الحالية التي تحاول ان تحيي مع روسيا بعض عمليات وقف النار في بعض المناطق، والضغط على روسيا من اجل منعها من مساعدة النظام وايران على تغيير المعادلة الميدانية.
وتظل الشكوك قائمة في امكان استغلال دخول اميركا حمى الانتخابات من اجل محاولة تغيير الواقع على الارض. ومع ان اتصالات تتواصل على اكثر من مستوى من اجل محاولة الايحاء ان الاهتمام بإحياء العملية السياسية لم يتضاءل، فإن الواقع ان الجهد الذي يُبذل هو الحد الادنى الممكن من اجل عدم اعلان وفاة العملية السياسية ليس الا. ولذلك يبقى العمل على الشق الانساني خصوصا عبر مجلس الامن هو الوحيد المتاح من اجل اظهار استمرار الاهتمام بالازمة السورية وعدم تركها. وهذا يحصل بالحد الأدنى ايضا. فمع ان الامم المتحدة حصلت اخيرا على تعهد مكتوب من النظام بإتاحة وصول مساعدات انسانية الى المناطق المحاصرة، فان التجارب السابقة مع النظام كما فعل في قصف داريا مثلا بعد ادخال بعض المساعدات غير الاساسية وغير الطبية إليها، تبقي الشكوك قائمة في النجاح الاممي او الدولي على هذا الصعيد. فالتجاوب النسبي الذي اظهره النظام انما يستند على الارجح الى انذارات وجهتها الامم المتحدة بدعم من بعض الدول الاوروبية بالعمل على الاستعانة بقدرات بعض الدول من اجل انزال مساعدات عبر الجو بحلول 10 من الشهر الجاري ما لم يتح النظام وصول المساعدات الانسانية برا، الامر الذي لا ترغب فيه روسيا التي عملت على الضغط على النظام من اجل تجنب احراج روسيا بهذا الموضوع.

روزانا بومنصف

المصدر: النهار