الأطفال الباعة.. تسول أم عمالة أطفال؟

50

دفعت الأوضاع المعيشية المتردية الكثير من الأطفال في إدلب للنزول إلى الشوارع بحثاً عن لقمة العيش عن طريق بيع المناديل الورقية والبسكويت ومواد أخرى في ظل انخفاض درجات الحرارة خلال فصل الشتاء، وذلك بعد ارتفاع الأسعار والغلاء ليفوق قدرة غالبية العائلات.
ويعيش غالبية هؤلاء الأطفال دون معيل، فيلجؤون للعمل لإعالة عائلاتهم.
وتحولت ظاهرة عمل الأطفال في بيع بعض المواد، لأصحاب السيارات والمارة على الطرقات إلى وسيلة من وسائل التسول التي أصبحت ظاهرة سلبية وواسعة بشكل واضح في العديد من المدن والبلدات في أرياف إدلب، ومن أبرز العوامل التي ساهمت في اتساع هذه الظاهرة هي النزوح والفقر الذي تعاني منه معظم العائلات لاسيما التي تعيش دون معيل.
يستيقظ الطفل ( ح.م) الذي لم يبلغ يكمل الـ 13 عام، بشكل يومي ليبداً رحلة عمله في بيع المناديل الورقية والقهوة التي يضعها في حافظة ويحملها معه، ويجوب بها طرقات منطقة “دير حسان” في ريف إدلب الشمالي.
وفي حديثه لـ”المرصد السوري” يقول، إنه نزح مع والدته وشقيقته التي تصغره بعامين من ريف حلب الجنوبي في العام 2019، وبسبب عدم وجود معيل للعائلة بعد استشهاد والده، اضطر للعمل في هذا المجال لتأمين الخبز و احتياجات عائلته.
مضيفاً، أنه يتجول في العديد من الشوارع يومياً ويحاول إيقاف السيارات لبيع ما يتيسر له من مناديل ورقية، وبدأ خلال فصل الشتاء ببيع القهوة ويقوم ببيع العديد من المواد الأخرى في بعض الأوقات، يجني من خلال عمله الشاق والمتعب يومياً ما بين 10 إلى 25 ليرة تركية وذلك بحسب كمية البيع، مؤكداً معاناته من صعوبة العمل ومن المضايقات التي يتعرض لها.
كما يشير إلى أن البعض يقوم بزجره وتحقيره لفظياً واتهامه بالتسول، لكنه يرى أنه لا يتسول بل يعمل من أجل تأمين لقمة العيش، وما يجعل البعض يعتقدون أنه متسول هي الطريقة التي يبيع فيها وملاحقته للمارة سواء عبر السيارات أو المشاة في الأسواق.
ويأمل أن يتمكن من إيجاد فرصة عمل جيدة بعيداً عن العمل في مجال البيع على الطرقات التي تسبب له التعب الشديد، كما يأمل أن يعود لمنطقته ويتمكن من إكمال دراسته وتأمين احتياجات عائلته التي تعاني ظروفاً معيشية صعبة للغاية.
بدوره يؤكد الناشط ( م.أ ) في حديثه لـ”المرصد السوري” أن ظاهرة التسول أخذت أشكالاً مختلفة في الآونة الأخيرة، فمنها التسول بحجة بيع الأغراض للمارة على الطرقات، وهذه الطريقة يقوم بها الأطفال بشكل خاص، ومنهم من لم يتجاوز عمره 10 سنوات، وهي من أكثر الوسائل انتشاراً في الوقت الراهن، وهنا يجب على الجهات المعنية من “حكومة الإنقاذ” إلى المنظمات الإنسانية العمل على الحد من هذه الظاهرة ومنعها عبر توفير معيشة كريمة لهؤلاء الأطفال.
كما ويلفت إلى انتشار ظاهرة جديدة وهي التسول عبر برامج التواصل الاجتماعي لاسيما تطبيق “تيكتوك” حيث يلجأ البعض لتصوير أشرطة مصورة لمخيمات النزوح، في ظل فصل الشتاء والأمطار لكسب الاستعطاف والدعم، كما يتم تصوير الأطفال بوضعيات محزنة من أجل الحصول على متبرعين، وهذه وسيلة باتت منتشرة بكثرة في الوقت الراهن.
أما ما يدفع الأطفال للعمل فيرى (م.أ)، أن غالبية هؤلاء الأطفال هم من النازحين ولسبب فقدان المعيل وغلاء الأسعار وعدم وجود اهتمام بشؤون الأطفال من قبل الجهات المعنية والمسؤولة، فلا تكاد تمر ببلدة ضمن محافظة إدلب دون رؤية هؤلاء الأطفال وهم يحاولون بيع ما لديهم من أغراض ومواد متنوعة وبإلحاح كبير على المارة وطريقة استعطافية، ما يجبر الكثير على الشراء منهم.
كما يوضح أنه وبالفعل يلاحظ أن هناك بعض الأطفال يلجؤون لهذه الطرق ليس بدافع الفقر بل بدافع كسب المال لذويهم أو من يديرهم ويرسلهم إلى الشوارع، لكن الغالبية هم بحاجة ماسة للعمل ويصعب هنا التمييز بين المحتاج منهم والغير محتاج ولابد من متابعة هذه الظاهرة خصوصاً من قبل المنظمات المعنية برعاية الأطفال.
وتسببت حركة النزوح الأخيرة التي حدثت بين عامي 2019 و2020 والتي تعد الأضخم من نوعها في تاريخ الثورة السورية، بتسرب نسبة كبيرة من الأطفال من مدارسهم وتركها قسراً بسبب ضيق الأحوال المعيشية وحاجة أسرهم لوجود مصدر دخل، ما دفع الكثير من الأطفال للتوجه إلى سوق العمل بأعمال مختلفة فوق طاقتهم وقدراتهم الجسدية وبأجور زهيدة، ومن جهة أخرى تنامت ظاهرة تسول الأطفال واتباع البعض منهم لأساليب ملتوية لاستعطاف مشاعر المدنيين والحصول على المساعدة.
وهذه الظاهرة تعد بالنسبة لسكان إدلب وريفها من أكثر الظواهر ألماً وقسوة بحسب آراء العديد منهم لأنها تخص فئة الأطفال الذين دفعوا الحصة الأكبر من فاتورة الحرب المستمرة في سوريا منذ العام 2011.
وعن رأيه في هذه الظاهرة يتحدث ( م.م) وهو أحد نازحي منطقة جبل شحشبو في ريف حماة الغربي ويقطن في بلدة كفرتخاريم في ريف إدلب الشمالي قائلاً، ليس بيد هؤلاء حيلة سوى التسول بكل الطرق لتأمين قوت يومهم فمعظم العائلات اليوم ضمن مخيمات النزوح لا تجد ما تسد به رمقها وتضطر لدفع الأطفال وحتى النساء للتسول أو العمل، وهذا كله بسبب غلاء أسعار المعيشة وتقاعس المنظمات عن دعم العائلات المحتاجة بما يكفيها
مضيفاً، حتى أن المدارس أصبحت تجارية والمدارس المجانية تفتقد لأبسط مقومات التعليم فالعائلة لم تعد تفكر بتعليم الطفل بقدر ما تفكر بتأمين لقمة العيش، فلو كان هناك اهتمام من قبل الجهات المعنية والمتمثلة بـ”حكومة الإنقاذ” والمنظمات الإنسانية لما وصل الحال لهذه الدرجة لكن النازح في المخيمات بات آخر الاهتمامات ولا أحد يعلم عن حاله شيء.
ويؤكد (م.م) على ضرورة معالجة هذه الظاهرة عبر إيجاد فرص عمل وتأمين مستلزمات العائلات التي تعيش دون معيل والعمل على إقامة مشاريع صغيرة للعائلات تستطيع من خلالها كسب قوت معيشتها، وتأهيل هؤلاء الأطفال المشردين وتأمين التعليم الجيد لهم وتحسين أوضاعهم المعيشية قدر الإمكان.
وتعاني مناطق إدلب وريفها من تدهور كبير في الأوضاع المعيشية لاسيما في الآونة الأخيرة في ظل دخول فصل الشتاء والبرد الشديد وانخفاض قيمة الليرة التركية المتداولة في إدلب مقابل الدولار الأمريكي والغلاء الفاحش في أسعار معظم السلع والمواد الأساسية، فضلاً عن استمرار فرض الضرائب على المدنيين والتضييق عليهم من قبل “حكومة الإنقاذ” التي تعد الجناح التنفيذي القائم ضمن مناطق سيطرة”هيئة تحرير الشام”.