الأمن مفقود في الرقة بعد عام من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية

12

قبل عام تلقى تنظيم الدولة الإسلامية أكبر هزائمه بخسارة الرقة، معقله الأبرز في سوريا، على أيدي قوات سوريا الديمقراطية التي شنّت هجوما استمر نحو أربعة أشهر بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، قبل أن تسيطر على محافظة الرقة.

وظن السكان حينها أن مدينتهم ستستعيد الأمان الذي نعمت به قبل اندلاع النزاع في سوريا، لكن ذلك لم يحدث، إذ لا يزال عناصر من التنظيم يزرعون ويفجرون عبوات ناسفة وينفذون هجمات داخل المدينة ويثيرون الرعب بين من تبقى فيها من سكان، أما النازحون الذين هربوا من بطش داعش ومن معركة طرده، فلا يزالون مجبرين على البقاء في المخيم دون أمل قريب في العودة إلى مدينتهم.

وتقول نجلاء الأحمد (36 عاما)، التي ترتدي عباءة بنية وإلى جانبها طفلاها، “كابوس داعش يلاحقنا في كل مكان. كلما حاولنا أن نرتاح، تعود التفجيرات من جديد”. وتضيف بحرقة “الحرب أتعبتنا، أتعبت أطفالنا ودمرت مستقبلهم”.

تواجد عسكري كثيف

عاودت قوات سوريا الديمقراطية (الكردية-العربية) في الآونة الأخيرة تعزيز تواجدها داخل الرقة لمعاونة قوات الأمن المحلية بعد ازدياد وتيرة الهجمات. وهي تسيّر دوريات وعربات مصفحة في كل أنحاء المدينة. ويمكن رؤية عناصرها ينظمون السير مدججين بأسلحتهم.

وفي مواجهة الاعتداءات التي تتكرر، تنتشر حواجز أمنية ودوريات لقوات سوريا الديمقراطية في كل شارع، تقوم بالتدقيق في الهوّيات وتعتمد إجراءات صارمة عند مداخل المرافق العامة. ويقول خالد درويش (40 عاما)، أحد سكان المدينة، “لو لم يكن هناك خوف من عودة داعش إلى الرقة، لم نكن لنرى هذا التواجد العسكري الكثيف”.

ويضيف الرجل، وهو والد لطفلين، أثناء وجوده قرب دوار النعيم الذي شهد على عقوبات وحشية نفذها التنظيم بحق كل من خالف أحكامه خلال سيطرته على المدينة، “لا نتمنى إلا الأمن والأمان، وأن نعيش بسلام لم ننعم به بعد”. ويوضح درويش “نستفيق كل يوم على دويّ عبوة أو تفجير أو هجوم، حتى أصبحنا نخشى إرسال أطفالنا إلى المدارس خوفا من أن ينفجر لغم في أي لحظة”.

وتنفجر بشكل شبه يومي في شوارع المدينة عبوات ناسفة، تستهدف بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، حواجز أمنية وآليات عسكرية وتوقّع قتلى في صفوف المدنيين أحيانا. ويتهم المرصد ومسؤولون محليون “خلايا نائمة” ترتبط بتنظيم الدولة الإسلامية الذي تقلصت مساحات سيطرته خلال العام الأخير لتقتصر على مناطق محدودة أبرزها في محافظة دير الزور (شرق).

وقال المرصد إن المدينة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي تشهد المزيد من الانفلات الأمني. وعلى مداخل المدينة كما في شوارعها، يتولى عناصر من قوات أمن محلية تابعين للمجلس المدني الذي يتولى إدارة الرقة ومن قوات سوريا الديمقراطية تفتيش الوافدين والعابرين والتدقيق في هوياتهم والسيارات والشاحنات المحملة بالبضائع وفحصها بأجهزة متخصصة. وفي إطار الإجراءات الاحترازية، تُمنع النساء المنقبات من الدخول إلى المؤسسات والمرافق العامة قبل الكشف عن وجوههن لموظفات مسؤولات عن التفتيش، خشية تسلل جهاديين متنكرين.

مصير مجهول

بعد عام على سيطرة قوات سوريا الديمقراطية عليها، لا يزال الدمار يطغى على مدينة الرقة. وقد قدرت منظمة العفو الدولية الدمار بـ80 بالمئة من مساحة المدينة التي تضم 30 ألف منزل مدمر و25 ألفا شبه مدمرة.

وعلى الرغم من كل ذلك، تشهد المدينة المدمرة إلى حد كبير، والتي تفتقد إلى البنى التحتية، حركة طبيعية، وتفتح المحال التجارية أبوابها منذ ساعات الصباح. وتشهد الطرق والساحات العامة المحاطة بأبنية مدمرة جراء غارات التحالف حركة سير نشطة.

وفي محله لبيع المواد الغذائية في حي الدلي بوسط مدينة الرقة، لا يخفي أبويونس (33 عاما) هواجسه “مصيرنا مجهول. في كل يوم، لا نعلم ما إذا كنا سنموت بعبوة ناسفة أو نعود إلى البيت بسلام. لقد تعبنا من هذا الوضع”.

ورغم الإجراءات الأمنية الاحترازية، يعتبر أبويونس أن “الأمان في المدينة معدوم”. ويرى أن “العناصر على الحواجز غير مؤهلين.. وهناك ثغرات كثيرة يتسلل منها عناصر داعش بسهولة إلى المدينة لتنفيذ الهجمات وتخويف السكان”.

النازحون ليسوا أفضل حالا

على وقع المعارك العنيفة التي شهدها الرقة لأربعة أشهر متواصلة قبل طرد الجهاديين منها في 17 أكتوبر 2017، فرّت غالبية سكانها إلى مخيمات أو تشردوا في المزارع والقرى القريبة.

وبرغم عودة عشرات الآلاف من السكان خلال العام الماضي إلى المدينة، لا يزال بضعة آلاف في مخيم عين عيسى في ريف الرقة الشمالي يعيشون في ظروف صعبة، ينتظرون المساعدات ويتحسرون على منازل لا قدرة لهم على إعادة بنائها.

ومع اقتراب فصل الشتاء، ينهمك عدد من النازحين في تدعيم وتثبيت خيامهم المهترئة لحمايتها من الأمطار. وتقول بتول سباكة (32 عاما) التي تقيم في مخيم عين عيسى منذ سنة وتسعة أشهر، “ليست لدينا القدرة على إعادة إعمار منزلنا، لو كان بإمكاننا ذلك لما بقينا في المخيم”.

وتروي بتول، التي وضعت على رأسها حجابا أسود مرقطا بورود زهرية اللون، “حين رأيت منزلي مدمرا، صرخت من شدة الحزن، لم يكن لدينا سوى غرفتين ومطبخ، لقد تدمّر كليا”. لكن، رغم الحياة الصعبة التي تعيشها وأطفالها، تقول بتول “هنا على الأقل يوجد خبز ومياه، وأهم شيء توجد خيمة تأوينا، الخيمة هي المأوى”، مضيفة “لم يتضرر من الأحداث سوى الفقير”.

وتنتشر في مخيم عيس عيسى، الخيام البيضاء والزرقاء البلاستيكية التي تحمل شعار مفوضية الأمم المتحدة للاجئين. وعمد بعض السكان إلى توسيع خيامهم مستخدمين الأغطية، واكتفى آخرون بخيام اهترأت مع مرور الوقت.

يأوي مخيم عين عيسى حاليا، بحسب مسؤول المخيم جلال العياف، نحو 13 ألف نازح، بينهم أربعة آلاف من مدينة الرقة. ويقول العياف “ذهب البعض ووجدوا منازلهم مدمرة، وبما أن لا إمكانات مادية لديهم، عادوا إلى المخيم”.

ويجلس العجوز مشهور المعجون الوكاع (73 عاما) على كرسي متحرك أمام خيمته، وهو الذي بُترت رجلاه وفقد نظره بعد تدهور وضعه الصحي الناتج عن مرض السكري. ويشكي الوكاع حاله قائلا “المخيم بات أفضل لنا، ليس لدينا مكان آخر نمكث فيه، لا يأوينا سوى المخيم”.

وتتساءل زوجته “بيوتنا دمرتها الحرب، لا نريد العيش في هذا المخيم، ولكن كيف لنا أن نعيش في منزل مدمر؟”.

وعند أطراف المخيم يلهو أطفال على بعض الأراجيح، ويدرس آخرون في خيم تحولت إلى غرف صف، فيما يقف البعض أمام خيمة للحصول على دفاتر وأقلام توزعها منظمة محلية.

وفي مكان قريب، تقف مجموعة من النساء قرب خزان مياه لتعبئة العشرات من العبوات البلاستيكية التي وضعنها جانبا. وتنهمك امرأة في غسيل ثياب عائلتها في إناء كبير على الأرض وقد علقت على حبال خيمتها ثياب الغسيل النظيفة الملونة.

تراجعت المساعدات عن مخيم عين عيسى بشكل كبير خلال العام الماضي. ويقول العياف “تقاعست المنظمات خلال الفترة الماضية، ولم تعد تقدم شيئا، لا سلال غذائية ولا منظفات، هناك خيم مهترئة ونحن مقبلون على فصل الشتاء”. ويتحدث السكان عن تأخر توزيع المساعدات الغذائية لأكثر من شهرين في بعض الأحيان.

وعاد حتى الآن، وفق الأمم المتحدة، 150 ألفا من سكان مدينة الرقة، إلا أن مصطفى العبود (31 عاما) ليس بينهم. ويقول الوالد لثلاثة أطفال “الوضع الأمني سيء، إنها ليست الرقة القديمة التي نعرفها، اعتقدنا أننا سنرتاح بعد تحريرها، الواحد منا يريد فقط أن يعيش بأمان، والمخيم اليوم أكثر أمنا من الرقة”. ويضيف الشاب الأسمر من داخل خيمته البلاستيكية البيضاء، “من يذهب إلى الرقة، يشتكي من الرقة”. فبالإضافة إلى الأنقاض المنتشرة في كل مكان بمدينتهم، وخلايا داعش المترصدة، يلاحق شبح الألغام السكان العائدين.

المصدر: العرب