الاتفاق الاميركي الروسي برسم اللبنانيين: انتظار عقيم لهدنة لا تتجاوز شراء الوقت
قياساً بالانتظار الصعب الذي يلتزمه الافرقاء اللبنانيون على طريق محاولة تبين مؤشرات الحل السوري من اجل حسم استحقاقاتهم الداخلية، فان تسريب نقاط الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا حول سوريا، والذي يكاد يقتصر على وقف للنار اذا نجح في حلب يمكن ان يغدو شاملا ممهدا لعودة المفاوضات السورية – السورية يؤكد ما تعرفه على نحو مؤكد وثابت غالبية الافرقاء السياسيين من حيث ان هذا الاتفاق واياً كانت طبيعته فانه يشتري بعض الوقت لكل من ادارة الرئيس باراك اوباما حتى انتهاء رئاسة الاخير بعد اشهر قليلة من اجل خروج سليم وهادئ له على وقع تهدئة موقته في سوريا، وكذلك لسائر الافرقاء المنخرطين في الحرب السورية ليس الا. المفاعيل المباشرة لهذا الاتفاق اياً يكن مآله ترسل رسائل قوية بعدم وجوب انتظار اللبنانيين حل الازمة السورية واستحالة قيامهم بذلك تحت وطأة ادخال لبنان في مخاطر مصيرية كبيرة خصوصا ان الآتي في الربيع المقبل على خلفية احتمال اجراء انتخابات نيابية حتى على اساس قانون الستين او من دون انتخاب رئيس للجمهورية يحمل ثغرا عدة سيكون متاحا الاضاءة عليها لاحقا.
يقول سياسيون ومراقبون ديبلوماسيون انه كان من السذاجة بمكان انتظار الكشف عن تفاصيل الاتفاق الروسي الاميركي والذي يتضمن هدنة وتعاونا عسكريا يفسحان في المجال امام احتمال استئناف المفاوضات السياسية للوصول الى هذه الخلاصة، وان يكن الاتفاق يشكل مؤشرا اضافيا على عقم الانتظار اللبناني ومدى الكلفة التي يرتبها هذا الانتظار على البلد في الوقت الضائع الكبير. فالعارفون المتابعون يرصدون جملة مؤشرات سابقة من بينها: ان تدخل تركيا في الحرب بدا وكأنه يفتح مرحلة جديدة في هذه الحرب بالنسبة الى المراقبين، اذ رأوا في تغذية تركيا لاسلاميين متشددين في سوريا (وفق كل الاتهامات التي ساقتها دول اوروبية حليفة لتركيا وليس خصومها في الحرب السورية) قبل ان تتدخل تركيا من اجل ردع او انهاء تنظيم الدولة الاسلامية في ضوء الاعتداءات الارهابية التي طاولتها هي بمثابة عملية مماثلة لما قام به النظام السوري حين قام بتغذية فصائل فلسطينية متطرفة في بداية الحرب اللبنانية قبل ان يتدخل النظام تحت شعار حماية المسيحيين وضبط استباحة الفلسطينيين للارض والدولة في لبنان. وعلى اختلاف الظروف والحروب وتجاربها فان هذه المقارنة في حدها الادنى تجعل من الدخول العسكري التركي في الحرب السورية احد فصول هذه الحرب وليس التمهيد لاحد فصولها النهائية كما يعتقد البعض بناء على اعادة تركيا النظر في علاقتها مع ايران وروسيا وربما حتى مع النظام السوري. اذ يسري هذا كله على تعقيداته وتفاصيله التي لا يمكن الدخول فيها في هذا السياق في موازاة حجز تركيا مقعدا لها على طاولة الحصص المؤكدة والثابتة في الحل السوري، علما ان محاربة تنظيم “داعش” على اهميته بالنسبة الى تركيا وان تحجز لها مقعدا في التحالف ضد هذا التنظيم، لا يمكن ان يكون اولوية امام منع تركيا الاكراد من اقامة كيان مستقل في سوريا على الحدود معها.
الامر الآخر المعبّر في طبيعة الاتفاق الاميركي الروسي سواء طبق ام لم يطبق ان الازمة السورية طويلة وان لا استراتيجية اميركية للحل اقله مع ادارة الرئيس اوباما. الرئيس الاميركي وقبيل ساعات من الاعلان المرتقب عن توصل بلاده مع الروس إلى اتفاق حول سوريا قال إن الامر صعب ولا يمكن جمع كل الافرقاء الضالعين في الحرب. وهذا الاقرار هو بمثابة اعتراف بأن الحل النهائي ليس في المتناول راهنا. فليست تركيا وحدها كدولة اقليمية انضمت الى ايران وكل الميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية التي تحارب على الارض السورية، بل ان الدول الخمس الكبرى باتت موجودة في الحرب السورية. فالى الولايات المتحدة وروسيا هناك ايضا بريطانيا وفرنسا المشاركتين في الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية وإن اختلفت نسبيا طبيعة المشاركة، وحتى الصين التي ارسلت احد كبار جنرالاتها اخيرا للقاء نظيره السوري لم تخف نيتها في التواصل مع النظام ودعمه بحيث تكتمل مروحة الدول الخمس الكبرى الاعضاء في مجلس الامن لجهة الوجود في سوريا عدا عن الدول الاقليمية الاخرى الداعمة لفصائل المعارضة. ( وكان لافتا بالنسبة الى السياسيين المراقبين الزيارة التي قام بها ولي ولي العهد السعودي الى الصين وتوقيعه اتفاقات مهمة بين البلدين عدا عن مشاركته في قمة الدول العشرين). ومع ان الولايات المتحدة وروسيا حصرتا امكان التوصل الى وقف النار في سوريا باتفاقهما وحدهما على ان يسري ذلك على الدول الاخرى بحكم اصطفاف هذه الدول الى جانب روسيا او الى جانب واشنطن من ضمن الصورة الكبيرة للمحاور في سوريا، فان الحل النهائي يختلف لجهة سعي كل من هذه الدول الى المحافظة على نفوذ او حصة لها في الحل السوري بحيث يسود اعتقاد بان روسيا وواشنطن وحدهما لا يمكنهما فرض اتفاق او حل نهائي، اذا تم الافتراض ان هذا الحل نهائي وهذه ليست هي الحال. وهناك من يعتقد ان الاتفاق صعب تطبيقه في ظل مواصلة سعي روسيا في فترة الوقت الضائع اميركياً وفي انتظار وصول ادارة جديدة الى اكمال السيطرة على ما يعتبره مراقبون كثر سوريا المفيدة والتي تدخل السيطرة على حلب من ضمنها.
روزانا بومنصف
النهار