التطوع في صفوف الميليشيات المساندة لقوات النظام.. نافذة للحياة أم استغلال للموت المحتم

219

شكّلت الميليشيات الرديفة لقوات النظام “الغير رسمية” وجهة لشريحة كبيرة من أبناء الشعب السوري بمختلف انتماءاتهم الطائفية بهدف الحصول على مصدرٍ للرزق والعيش في بلدٍ غابت عنه أدنى مقومات الحياة، والتي تزامنت مع غياب فرص العمل وانتشار البطالة التي رافقها تضخّم غير مسبوق من الناحية الاقتصادية وانهيار القيمة الشرائية لليرة السورية أمام باقي العملات الأجنبية.

مئات الشبان بل الآلاف منهم قرروا الانخراط في صفوف ميليشيات قتالية رديفة لقوت النظام أو حليفيه الإيراني والروسي على حدّ سواء ليخوضوا على إثرها معارك قتالية تحتاج بطبيعة الحال للخبرات العسكرية وبرامج التدريب والتأهيل التي غابت عنهم في حرب ‘‘لا ناقةً لهم فيها ولا جمل’’ باستثناء رغبتهم بالحصول على الراتب الشهري الذي يُوفر لهم بشكل نسبي لقمة العيش دون سؤال الناس.

نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان في حمص أكدوا انخراط شريحة واسعة من الخريجين الجامعيين الذين من المفترض أن تعول عليهم البلاد “التي تحترم شعوبها” في نهضتها ضمن صفوف الميليشيات المقاتلة، وذلك لأسباب متعددة.

الهرب من الخدمة الإلزامية أحد دوافع الخريجين الجامعيين للانخراط في صفوف الميليشيات:

(ب.ش) شاب في مقتبل العمر خريج من جامعة البعث في محافظة حمص قسم “البتروكيما” أكد في حديثه للمرصد السوري “أنه اضطر حاله كحال المئات من الخريجين للتقدم بطلب انتساب لإحدى ميليشيات “الدفاع الوطني” لسببين رئيسيين: الأول، عدم رغبته بالالتحاق بصفوف قوات النظام التي تفرض عليه البقاء ضمن الخدمة الإلزامية مع مدة الاحتفاظ العسكري لفترة تزيد عن 7 أعوام، الأمر الكفيل بأن يتم القضاء على مستقبله وذهاب السنوات التي أمضاها في الدارسة أدراج الرياح.

والسبب الثاني، الذي نوّه إلى أنه (المشترك) بين جميع المنتسبين للميليشيات هو الرغبة بالحصول على مصدر دخل ثابت ومضمون من قبل الميليشيات الفاعلة على الأراضي السورية، وذلك على الرغم من المخاطر الكبرى التي قدّ تطاله من ناحية الإصابة الميدانية ولربما تصل لإنهاء حياته، إلا أن الوضع الاقتصادي والمعيشي وغياب فرص العمل لم تدع له بدّ من اتخاذ تلك الخطوة.

بدوره قال الشاب (ب.ر) خريج جامعي أيضاً من قسم “اللغة الإنكليزية” والذي رفض بدوره الالتحاق بالخدمة العسكرية في صفوف قوات النظام؛ “باعتباري أحد سكان أحياء مدينة حمص فإنني معرض للسوق للخدمة في حال تمّ اعتراضي من أي دورية أمنية، الأمر الذي دفعني للتفكير بالذهاب نحو التطوع باعتباره أفضل السُبل المتاحة”.

مضيفاً: “لم يتسنى لي خلال فترة الدراسة الإعدادية والثانوية وصولاً للجامعية أن اتعلم أي مهنة يدوية باعتبار أن تركيزي كان منصباً على هدفي بإنهاء دراستي بشكل يتناسب مع طموحاتي، ناهيك عن عدم قدرتي على استخراج جواز للسفر (نظراً لعدم إنهائي للخدمة الإلزامية) الأمر الذي حتمّ علي التوجه إلى التطوع مرغماً للحصول على بطاقة أمنية تحول بيني وبين الخدمة الإلزامية، ناهيك عن أن الراتب الشهري الذي اتقاضاه يعادل راتب ستة مجندين في صفوف قوات النظام 1.8 مليون ليرة سورية، ولا يتعدى فترة مناوبتي الـ 20 يوم مقابل عشرة أيام أقضيها في المنزل، بالوقت الذي يمضي جنود النظام ما يزيد عن شهرين ونصف (العازب منهم) قبل ان يتمكن من الحصول على اجازته التي لا تتعدى الثمانية أيام وبراتب شهري لا يكاد يتخطى الـ 300 ألف ليرة”.

لا أكمل من وصف “حطب الحرق” للمنتسبين في صفوف الميليشيات

استفتح (أبو محمد) حديثه بتلك العبارة لوصف ما يدور من أحداث ضمن الحرب التي تشهدها البادية السورية وتحديداً في ريف حمص الشرقي من المعارك التي تدور رحاها بين متطوعي الميليشيات مع مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” الذين كثّفوا من هجماتهم القتالية بشكل ملحوظ خلال النصف الأول من العام الجاري.

مضيفاً: “شكّلت الميليشيات الرديفة (لواء القدس) الحلقة الأضعف بحرب تصفية الحسابات بين جميع التشكيلات العسكرية ضمن البادية السوري بدأً من الميليشيات التي تتلقى دعمها من إيران مروراً بأبناء المنطقة من (العشائر) وصولاً إلى مقاتلي التنظيم وعناصر الميليشيات التي تدعمها شركات الاستثمار (القاطرجي-حميشو) حيث اعتمدت الفرق والألوية التابعة للنظام السوري الزجّ بالمتطوعين المدنيين على نقاط التمركز الأولى لمواجهة هجمات “التنظيم” على الرغم من عدم امتلاكنا للخبرة القتالية ومعرفة التعامل مع الهجمات المنظمة التي يشنها التنظيم الأمر الذي يتسبب دوماً بمقتل وإصابة العشرات منا، وهو ما يخدم بشكل رئيسي باقي الحواجز العسكرية النظامية بوجود هجوم يضمن لهم التأهب ورفع الجاهزية للتصدي له”.

“وعلى الرغم من اعتراضنا المتكرر لمرؤوسينا بضرورة وجود تنسيق بين حواجز لواء القدس وغرفة العمليات العسكرية لريف حمص الشرقي، إلا أننا لم نجد آذان صاغية ما جعلنا نوقن أننا لسنا سوى (حطب حرق) أو شعلة إنذار يتم إحراقها لتحذير الخطوط الخلفية بحدوث هجوم معادي.

(عامر.ح) أحد عناصر ميليشيا “لواء القدس” الذي يتمركز على طريق الـ m20 الواصل ما بين منطقة السخنة ودير الزور أكد بتصريح خاص للمرصد السوري: ” أن “تنظيم” الدولة ليس الوحيد المسؤول عن الهجمات التي تتم بحق صهاريج نقل النفط القادمة من شمال شرق سوريا إلى مصفاتي حمص وبانياس، والتي تسببت بدورها بمقتل الكثير من السائقين وحتى عناصر اللواء في حال كان الاستهداف قريباً من نقاط تمركزهم.

ولفت إلى أن الحسابات الشخصية والمنافسة المحتدمة بين شركات الاستثمار (القاطرجي-حميشو) تدفعهم بين الحين لاستهداف القوافل بالرصاص المباشر مستعينين بمن تمّ تجنيديهم وتسليحهم لخدمة مصالحهم وللضغط على بعضهم البعض لإحداث عملية توازن بالعقود التي يتم ابرامها مع وزارة النفط والثروة المعدنية التابعة للنظام السوري”.

وأنهى (عامر) حديثه “بأن العشرات من مقاتلي الميليشيات يقومون بين الحين والأخر بالانشقاق ومغادرة مواقع تمركزهم على الرغم من البنود التي تنصّ على ملاحقتهم على الصعيد الأمني أثناء توقيع العقود مع الميليشيات، الأمر الذي يدفع بدوره لافتتاح مراكز انتساب بين الحين والأخر لتعزيز صفوف قوات الميليشيات بالعامل البشري دون أي اعتبار للخبرات والكفاءات القتالية بالوقت الذي يخلون مسؤوليتهم عن دفع التعويضات المالية لذوي المنتسبين في حال مقتلهم أو الاعتناء بهم في حال تعرضهم لإصابات دائمة”.

تجدر الإشارة إلى أن الميليشيات العسكرية الرديفة لقوات النظام السوري اعتمدت في وقت سابق على تجنيد الأطفال ممن هم دون سنّ السابعة عشر عاماً بالإضافة لتجنيد رجال كباراً في السنّ ممن تجاوزت أعمارهم الخمسين عاماً بهدف سدّ الفجوة التي خلفها انشقاق من قرر النجاة سالماً من حرب لا تمّت له بصلة لا من قريب ولا من بعديد محاولين البحث عن فرصة للعيش الكريم بعيداً عن أصوات الرصاص والقذائف وغبار الحرب الممزوجة بدم السوريين بمختلف أطيافهم العرقية والدينية على حدّ سواء.