التعفيش… استراتيجية رسمية لقوات النظام السوري

33

يعكس تدخّل الشرطة العسكرية الروسية لإيقاف عمليات التعفيش (النهب والسرقة) الواسعة التي تقوم بها قوات النظام السوري جزءاً من شواهد تحول هذه القوات إلى مليشيا، بعد سبع سنوات من الحرب قامت بها هذه القوات بعمليات قتل وتهجير وتعفيش بالمشاركة مع مليشيا الدفاع الوطني التي تضم الشبيحة الأكثر قسوة في التعامل مع السوريين المعارضين للنظام، فيما اعتبر سوريون أن محاولة الروس الظهور بمظهر “المنقذ” لا تنفي مسؤوليتهم عن كل ما تتعرض له المناطق التي هجّر أهلها.
وتداولت صفحات مقربة من النظام السوري، وأخرى تابعة للمعارضة السورية على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم السبت الماضي، صوراً لعسكريين في الشرطة الروسية، وعناصر يرتدون زياً عسكرياً منبطحين أرضاً، قالت الصفحات إن الشرطة الروسية ألقت القبض عليهم متلبسين بالسرقة في بلدات جنوب دمشق.

وأوضحت صفحة “ببيلا الآن” أن من وصفتهم بـ”اللصوص” تمّ إلقاء القبض عليهم أثناء محاولتهم الهرب من بلدة ببيلا وبحوزتهم شاحنتان، الأولى محملة بالأدوات الكهربائية والثانية محملة بمادتي الحديد والألمنيوم بعد قيامهم بتعفيش واسع النطاق في البلدة التي خرجت منها المعارضة السورية. وأضافت مصادر أخرى أن الأشخاص هم من قوات النظام والشبيحة من المنتسبين لمليشيا “الدفاع الوطني” ومليشيات طائفية أخرى تقاتل إلى جانب قوات النظام.
من جهتها، قالت قاعدة حميميم العسكرية الروسية في سورية أن السكان المحليين في منطقة ببيلا جنوب دمشق “تلقوا حدث إيقاف العناصر الذين قاموا بتجاوز القانون بالفرح والتصفيق للعسكريين الروس امتناناً منهم على ما فعلوه”، مؤكدة أنه “سيتم التعامل بالقوة مع أي تمرد من قبل الأفراد المتورطين بانتهاك القانون ومن يساندهم في المناطق التي تم تحريرها بمشاركة من القوات الروسية”، وفق القاعدة.

التعفيش يقوم على سرقة عناصر النظام والمليشيات كل ما يجدونه أمامهم في المناطق التي يسيطرون عليها بعد خروج قوات المعارضة السورية

ويعدّ ما قام به العسكريون الروس استثنائياً كونه جاء اعترافاً من أهم حلفاء للنظام بأن قوات الأخير تحولت مليشيا هدفها الأبرز سرقة كل ما تجده أمامها في المناطق التي تسيطر عليها بعد إجبار قوات المعارضة السورية على الخروج منها وفق تسويات أشرف عليها الجانب الروسي. واعتبر الشارع السوري المعارض قيام عناصر الشرطة العسكرية بإذلال عناصر النظام دليلاً جديداً على إنهيار النظام، وتحول قواته إلى مجرد مليشيا من بين عشرات المليشيات الموجودة في سورية.

كما أشار ناشطون سوريون على وسائل التواصل إلى أن محاولة الروس الظهور بمظهر “المنقذ” لن تنفي مسؤوليتهم القانونية والأخلاقية حيال ما جرى ويجري في سورية، كونهم الداعم الرئيسي للنظام.

وطيلة سنوات الحرب السورية كان التعفيش (السرقة) استراتيجية وهدفا عند قوات النظام ومليشيات عديدة تساندها أبرزها مليشيا الدفاع الوطني التي تضم أشرس فئة من شبيحة النظام. وشكّل النظام مليشيا الدفاع الوطني في الشهور الأولى من الثورة السورية لقمع المتظاهرين خصوصاً في المدن الكبرى.
وأطلق النظام يد عناصر هذه المليشيات من باب ترغيبها في استمرار قمع السوريين، إذ أراد النظام لهذه المليشيا تمويل نفسها من خلال عمليات السلب والنهب والسرقة والخطف لطلب الفدية بملايين الليرات السورية حتى تحولت البلاد برمتها إلى ميدان عمل لهذه المليشيا التي لا يُعرف بالتحديد اسم المتحكم الرئيسي بها، ولكن الضباط والعناصر القياديين فيها باتوا اليوم “أمراء حرب”، تؤكد معطيات أنهم تعاملوا مع كل أطراف الصراع، حتى مع تنظيم “داعش” خصوصاً على صعيد تهريب النفط، والسلاح.

ولم يقتصر التعفيش على مليشيا الدفاع الوطني بل إن فرقاً وألوية في جيش النظام كان لها دور كبير في التعفيش، وهو ما أكدته مقاطع فيديو وشهود عيان في دمشق وريفها وفي حمص وريفها.

وتأتي الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، وهو شقيق بشار الأسد، وغالبية عناصر هذه الفرقة من الطائفة العلوية، في مقدمة فرق جيش النظام التي مارست التعفيش على نطاق واسع منذ بدء الثورة السورية في عام 2011. ولا يحل عناصر هذه الفرقة في مكان “حتى يختفي كل شيء فيه”، وفق مصادر محلية في جنوب دمشق. وبحسب المصادر التي تحدثت مع “العربي الجديد” فإن عمليات التعفيش التي يقوم عناصر هذه الفرقة ترجع لأسباب طائفية بحتة هدفها نقل الثروة من السنّة -وهم غالبية سكان سورية- إلى الطائفة العلوية التي لا تشكل سوى 5% من عدد السكان، مضيفة “هؤلاء يعتبرون ممتلكات السنّة غنيمة”.

وبدأت تظهر ما تُسمّى “أسواق السنة” التي تحوي المسروقات من المدن السورية، والتي تدار من قبل كبار الشبيحة، في نهاية عام 2011، خصوصاً في العاصمة دمشق وفي أحياء في مدينة حمص، وفي الساحل السوري حيث مركز الثقل السكاني للطائفة.

لا تزال هذه الأسواق التي تنقل إليها المسروقات المصدر الأول لتمويل مليشيات الشبيحة التي تعرض المسروقات بأسعار زهيدة لإغراء الفقراء بالشراء

ولا تزال هذه الأسواق المصدر الأول لتمويل مليشيات الشبيحة التي تعرض المسروقات بأسعار زهيدة لإغراء الفقراء بالشراء. وعفّشت مليشيات الدفاع الوطني أحياء كاملة في مدن سورية عدة على مدى سنوات الحرب، كما حدث في عام 2014 بمدينة حمص القديمة بعد شهور من الحصار انتهى بخروج المعارضة منها.

كما جرت عمليات تعفيش كبرى في دمشق وريفها على المدى العامين الأخيرين، لكن كبرى عمليات التعفيش تمت في مدينة داريا جنوب غربي دمشق، أخيراً في غوطة دمشق الشرقية. وأظهرت فيديوهات مسربة جانباً من عمليات التعفيش التي تمت تحت إشراف ضباط في جيش النظام، وتم نقل المسروقات إلى ضاحية حرستا ذات الأغلبية العلوية شمال شرقي دمشق.
كما عفشت قوات النظام ومليشيا الدفاع الوطني مخيم اليرموك وحي الحجر الأسود منذ أيام بعد خروج عناصر تنظيم داعش منهما أخيراً. وأكدت مصادر أن متزعمي المليشيات يتقاسمون المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام وذلك بالاتفاق مع ضباط “كي لا تحدث عمليات تصادم بين العناصر”. وأشارت إلى أن بعض المتزعمين “باتوا أسياد العصر الجديد الذي خلقته الحرب”، مؤكدة أن عدداً منهم صار خارج دائرة سيطرة النظام وله عناصره الذين لا يتلقون الأوامر إلا منه، ويعملون خارج قوانين النظام.

التعفيش مستويات

ومارست كل أطراف الصراع في سورية سياسة التعفيش ولكن بدرجات متفاوتة، إذ تُتهم الوحدات الكردية بانتهاج هذا الأسلوب في المناطق العربية التي سيطرت عليها، في ريف الحسكة وفي ريف حلب وفي مدينة الرقة وريفها. وأكد شهود عيان في مدينة الرقة أن عناصر الوحدات الكردية وعناصر من قوات “سورية الديمقراطية” سرقوا منازل المدنيين وما بقي في أبنية الدولة السورية بعد خروج تنظيم داعش من المدينة، مشيرين إلى أن المسروقات تنقل إلى محافظة الحسكة شمال شرقي البلاد.

كما قامت فصائل تتبع للجيش السوري الحر هذا العام بعمليات تعفيش في منطقة عفرين شمال غربي حلب إثر طرد الوحدات الكردية منها، لكن سرعان ما تم تطويق هذه العمليات من قبل الجيش التابع للمعارضة ومن قبل الجيش التركي، إثر انتشار موجة استياء عارمة في الشارع السوري المعارض احتجاجاً على عمليات التعفيش التي قام بها عناصر من فصائل الجيش السوري الحر. 

أمين العاصي

المصدر: العربي الجديد