التواجد السوري في أذربيجان: إصرار تركي على تحويل المقاتلين إلى مرتزقة على غرار ليبيا
يبدو أن تركيا اعتادت على أن تشارك في حروب بالوكالة مع حرصها ألا تتكبد إلا الحد الأدنى من الخسائر البشرية والمادية في مقابل الوصول لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب والأهداف الاستراتيجية، فهذه المرة الثانية التي تلجأ فيها أنقرة لاستغلال السوريين والزج بهم في حروب لا طائل من ورائها، فبعد تحويل المقاتلين السوريين الموالين لها إلى مرتزقة في ليبيا بحجة قتال روسيا التي تتدخل في شئون بلادهم، هاهي تعيد الكرة وتقوم بتجنيد المقاتل السوري في الصراع الأذربيجاني – الأرميني على إقليم “ناغورني قره باغ” القائم منذ 1992 عقب انتهاء الحقبة السوفيتية، وتلقي بهم في حرب لن يجنوا منها سوى الموت، وفي هذا الإطار أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ أوائل أكتوبر 2020 تواجد أعداد من المرتزقة السوريين الذين يقاتلون في “قره باغ” بالرغم من نفي الجانب الأذري لوجودهم في الإقليم المتنازع عليه بين باكو ويريفان، حيث بلغ عددهم ما لا يقل عن 1450 مرتزقًا، قضى منهم نحو 119 في العمليات القتالية الدائرة في الإقليم، وصلت جثث 78 منهم إلى سورية فيما لاتزال البقية في أذربيجان، كذلك أعلن المرصد 11/10/2020 عن وجود شريط مصور بحوزته يضم مقاطع مصورة لفصيل “السلطان مراد” في أجزاء من إقليم كاراباخ.
مراحل وطرق تجنيد المرتزقة السوريين وإرسالهم إلى أذربيجان:
يتم تجنيد الشبان السوريين من قبل مكاتب تجنيد بدعم من المخابرات التركية أو من خلال قادة الفصائل التابعة لتركيا شمال وشمال غرب سورية في المناطق الواقعة ضمن نفوذ الجانب التركي، وذلك من خلال عمليات الترغيب سواءً باستمالة هؤلاء الشباب عاطفيًا ودينيًا عن طريق عمليات غسيل العقول وإصدار الفتاوى، فقد أصدر أحد ممثلي الجيش الوطني فتوى تقضي بأن الجهاد في أذربيجان فرض كفاية، بغض النظر إن كان من تقاتل معهم من الطائفة الشيعية “نظرًا لأن أغلبية المسلمين الأذريين هم من الشيعة”، كما يتم التجنيد أيضّا من خلال التحفيز المادي، حيث تم تخصيص راتب يتراوح بين 1500 و2000 دولارًا لمن يجند ضمن المرتزقة السوريين المرسلين إلى أذربيجان، كذلك تم إقناعهم بأنهم لن يشتركوا في أعمال القتال بل سيقتصر دورهم على حراسة منشآت النفط الأذرية التي ترتبط بتعاقدات مع الجانب التركي، حيث يتم نقلهم من سورية إلى تركيا ثم ينقلون جواً إلى أذربيجان داخل بؤر الصراع وساحات القتال بواسطة شركات أمن تركية خاصة.
هناك عدة أسباب تفسر لجوء الجانب التركي لتجنيد المرتزقة السوريين وإرسالهم إلى إقليم ناغورني قره باغ، ويعد أبرزها: استغلال أنقرة لتدهور الأوضاع الاقتصادية وانتشار البطالة، إلى جانب رغبة تركيا في حماية مصالحها الاقتصادية في الإقليم، لاسيما في مناطق إنتاج البترول والغاز ومنشآته، كما استغلت أنقرة الدعم الروسي لأرمينيا وقامت بتحريض المرتزقة السوريين للتواجد في “قره باغ” من أجل دعم الجانب التركي – الأذري هناك بدعوى الثأر من موسكو ومحاولة الضغط عليها وتصفية حسابات معها تتعلق بالملف السوري، ومن ناحية أخرى يحرص أردوغان على خفض معدل الانتقادات الداخلية التي توجه له وتؤثر سلبًا على شعبيته بسبب استنزاف القوى العسكرية التركية والمقاتلين الأتراك في عمليات خارجية لا طائل من ورائها؛ وتكبده مزيدًا من الخسائر على غرار ما حدث عند قتل الجنود الأتراك في سورية، لاسيما وأن هذه الحرب هي حرب اقتحامات لا تلائم الجيوش، وإنما تناسب “المرتزقة”، كما سعت أنقرة إلى استغلال وجود الفصائل التركمانية السورية واستمالتهم، حيث يتم تدريبهم وإدارتهم من خلال تركيا علمًا بأنهم الأكثر ولاءً وانصياعًا للنظام التركي للروابط القومية المشتركة؛ مما سهل عملية التجنيد لكثير من المرتزقة السوريين خاصة من تلك الفصائل، إلا أنه وعلى الرغم مما سبق تواجه الحكومة التركية صعوبة في تجنيد المقاتلين للذهاب نحو أذربيجان بسبب رفض الكثير من الفصائل الذهاب لأسباب عدة أبرزها “الجانب الطائفي”.
وفي هذا الإطار تتصاعد دعوات المرصد السوري لحقوق الإنسان للمجتمع الدولي والجهات المعنية مطالبة بضرورة وقف استغلال أنقرة للشباب السوري وتوظيف أزماتهم ومشاكلهم لتجنيدهم كمرتزقة لتحقيق المآرب والمصالح التركية في الدول المختلفة على حساب حياتهم وأمنهم.