الجرب والحمامات المكشوفة.. أوضاع كارثية يعاني منها معتقلي الرأي السوريين في السجون اللبنانية
لم تنتهي معاناة معتقلي الرأي في السجون اللبنانية عند الاعتقال ورمي التهم ظلماً وتلفيق أخرى لانحيازهم للثورة ولصوت شعبهم الحر المناهض للقمع والديكتاتورية، بل استمرت المعاناة في المعتقلات بتعذيب يمس إنسانيتهم ويتعارض مع مختلف الاتفاقيات الدولية والمواثيق التي تضمن أبسط الحقوق الإنسانية.
برغم انخراط لبنان في تلك المواثيق، إلا أن ما يعيشه أكثر من 200 معتقل رأي في السجون يُترجم التهاون مع تلك القوانين الدولية.
معتقل ناج من تلك السجون يتحدث للمرصد السوري لحقوق الإنسان عن تلك الظروف المأساوية التي وثقها بالصور والفيديوهات، مآسي كانت نتيجتها أمراض مزمنة ومعدية وأوبئة خطيرة وقاتلة، واستهتار نتيجته معاناة لأغلب المعتقلين الذين يكابدون وضعاً صحياً كارثياً يتطلب التدخل العاجل، فليس انسانياً أن يترك المعتقل بسبب اختلافه مع تفكير السلطة بساق ينهشها الدود ويهطل منها الماء كأنها حنفية، يعاقب بتركه للوجع والجوع والعراء والقلق.
يقول محدثنا الذي بٌترت ساقه بسبب الجرب،” من أين أبدأ؟، نلجأ اليوم للمرصد السوري لحقوق الإنسان لاعتباره منظمة تبنت كثيراً وجعنا وحملت أصواتنا، سأبدأ من معلومة أن أغلب معتقلي الرأي يعانون من أمراض الكلي بسبب المياه الملوثة التي إن قدمتها لحيوان لن يشربها بلونها الأصفر الفاقع وطعمها المر والمالح، لكننا مضطرون على ذلك لاعتبار وضعنا الاقتصادي وعدم القدرة على اقتناء مياه معلبة، أما أجسادنا نهشها المرض والألم “نموت بشكل صامت، لا نملك الحق في الانهيار وحتى البكاء، تعودنا بالألم، داء الجرب نهشنا وهشاشة العظام بسبب عدم التعرض للشمس نخرنا، أما أسناننا فوقعت، نعيش من قلة الموت”.
وتابع” إن أصبت بمرض تموت وانت تنتظر طبيب يعالج ويشرف على ألاف السجناء ، وإن تنقلت للمشفى وكنت محظوظاً، فأنت مجبر على دفع التكاليف، هناك سجناء تصيبهم وعكة صحية مفاجئة ،ينتظرون الطبيب ست وسبع ساعات، أحياناً يموت السجين، عام 2021 مات 30 سجيناً بسبب الإهمال الطبي، كان ضمنهم سوريون، ولا ننسى أن توفير الدواء من أصعب المهمات “.
ووفق محدثنا، يفتقد هؤلاء إلى الحمامات الفردية التي يمكن الاستحمام فيها” المياه سببت لنا الحساسية المفرطة، تصوروا بتنا نتحايل على وضعنا السيء، نملأ مياه ونضيف لها كميات من الملح لتعقيم أجسادنا ولو جزئياً، كلنا مصابون بالحساسية والحكة والجرب، ومع عدم تعرضنا للشمس وبقاءنا في الرطوبة ضمن مساحة ضيقة جداً تسع 5 أشخاص لكن يزج بها مضاعف هذا الرقم، خُربت صحتنا بشكل كامل، وأغلبنا نستعمل نفس المناشف فتنقل عدوى بعض الأمراض، أما الحمامات غير مجهزة تماماً ومكشوفة لبقية السجناء بنفس الغرفة الضيقة، والمرحاض أيضا مكشوف بشكل كامل وبدون باب وموجود ضمن غرفة مساحتها مترين أو ثلاثة أمتار، نضطر نحن لغلقه بلحاف، وهناك غرف بها عشر أشخاص يوفر لهم حمام واحد”.
وتحدث عن معاناة البعض منهم من الأمراض المزمنة وحرمانهم من المعالجة الطبية والحق الدولي في التداوي وتوفير الأدوية التي تعتبر حياتية لبعضهم، فضلا عن الأكل الذي تسبب في مرض القرح بالمعدة وغيره.
وأردف” الأكل تتذوقه الفئران قبلنا، وكله موثق بالصور ، نحن السوريون مضطرون على تناوله لانه لا معيل لنا ولادخل”.
بدوره أفاد محامي المعتقلين، محمد صلبوح، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن هيئة الدفاع عن هؤلاء تحاول الضغط قدر الإمكان من أجل تجنب تعذيبهم أو الاعتداء عليهم، معتبرا أن المعتقلين واللاجئ السوري في لبنان حقه أصبح مستباحا نتيجة عدم وجود مرجعيات ودولة مؤسسات حقيقية تحاسب الجلاد، لافتا إلى أنه قد رفع عشرات الدعاوى عن التعذيب لكن دون جدوى.
وأشار إلى أن الافلات من العقاب والمحاسبة فاقم جرائم التعذيب والتنكيل بمعتقلي الرأي وحتى اللاجئ خارج أسوار السجن.
وأكد صلبوح أن المسألة تحتاج إلى تضافر جهود المنظمات الحقوقية وفضح هذه الانتهاكات علناً وعدم الخوف من مساندة هؤلاء الضحايا الذين تم الزج بهم وراء القضبان وتلفيق التهم الجائرة في حقهم.
وتطرق إلى أن غياب المساءلة الحكومية اللبنانية حول الانتهاكات الحاصلة بحق المعتقل ضاعفها، مفسرا القضاء يتمنّعُ عن محاسبة الجهات الأمنية التي تمارس التعذيب، بل يعطيها حصانة تحميها، بالتالي نحن أمام استباحة حقوق الضعفاء والمقهورين والمعتقل في بلدنا لا سند ولا جاه له بشكل مستفز”.
وأضاف” نحتاج إلى مقاومة الانتهاكات وإلى صوت المنظمات الحقوقية لمساندتنا لأننا عن حق، هذا ملف إنساني وعادل ليس للتجارة”.
ودعا إلى فضح المنتهكين لحقوق الإنسان أمام المجتمع الدولي حتى يعلم الجميع مايعيشه المعتقل وراء القضبان واللاجئين في المخيمات “.
وعن وضعية السجون قال” للأسف وضع مأساوي، هناك حكومات سابقة أخذت الدعم من المجتمع الدولي لتحسين الوضعية وإعادة ترميمها وإصلاحها لكن تلك الأموال هُدرت ونُهبت، وأبرز مثال كان هناك مخطط لبناء سجن في مجلية بالشمال تكلفته أكثر من 10 مليون دولار دفعها المجتمع الدولي كاملة لكن الدولة تسلمت الدعم ولم تبني حجرة واحدة وذلك نتيجة غياب الرقابة”.
وتحدث عن الخطر الذي يواجهه السجناء عند الاستحمام عن طريق الكهرباء مما يعرض حياتهم للخطر، ” كان هناك مشروع تكلفته 100 ألف دولار لبناء خزانات طاقة شمسية حتى يتحمم السجناء بالشتاء والصيف لكن الأموال نهبت ولم يتحقق شيء، بالتالي يضطر هؤلاء لتسخين الماء بالكهرباء معرضون حياتهم للخطر، فضلاً عن الأكل الذي تتغذى منه قبلهم الحشرات والبق”.
وتابع” السجون في لبنان باتت مركزاَ لتخريج كبار المجرمين وليست للإصلاح والتأهيل، فضلا عن المعاملة اللا إنسانية والعنف، والمعتقل السوري وضعه أسوأ مما يتوقع العالم”.