الحل السوري.. أعباء ومكاسب!

48

ضربة على الحافر، وضربة على المسمار، كما يقال، فخلال ثلاثة أيام قال الأميركيون والروس تارةً إنهم على وشك الاتفاق، وتارة أخرى إنّ بينهم نقاط خلاف لا يمكن تجاوُزُها! لكن ما هي موضوعات التفاوض التي يجري الاتفاق أو الاختلافُ عليها؟ في البداية كان التفاوض على التنسيق بين الطرفين لضرب «داعش»، ويبدو هذا لأول وهلة أمراً هيناً، فكلاهما يعلنان مكافحة الإرهاب، لكنّ الروس يعتبرون أنّ هناك فرقاء آخرين هم في الحقيقة إرهابيون، مثل «جيش فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) بعد أن أعلنت قطع علاقاتها بـ«القاعدة»، وهذا ليس وجه الخلاف الوحيد، فالروس ما أتوا إلى سوريا لمكافحة «داعش»، بل لدعم نظام الأسد، وتثبيت منطقة نفوذ قديمة لهم، وقد احتاجوا للوصول لذلك إجراء اتفاقات مع النظام على سبيل الاستكمال، لأنهم كانوا قد بدؤوا بذلك قبل ثلاث سنوات، وأبرز الاتفاقات تتعلق بتكاليف التدريب والتسليح، ومستقبل البترول، والقواعد العسكرية (أهمها قاعدة حميميم). واحتاجوا أيضاً إلى اتفاق مع إيران، الموجودة على الأرض من خلال ميليشياتها وحرسها الثوري وجيشها النظامي منذ 2013. وأثناء ذلك، تكأكأت مساعيهم بالاشتراك مع الأميركيين من أجل الحل السياسي، واعتقدوا أنهم من خلال عاصفة قصف لا تتجاوز ستة أشهر، يمكنهم فرض أي حل يشاؤون، لكنهم، وبعد خمسة عشر شهراً، يجدون أنفسهم في المكان الأول، وبخاصة بعد فشلهم وفشل الإيرانيين في حرب حلب. لذلك بينما عاد النظام والإيرانيون للضغط من أجل إخلاء جوار دمشق، باعتبار أنّ الحرب طويلة، ولا يستطيع النظام والإيرانيون الاعتراف بالخسارة، لذلك فليجر تأمين المناطق المفيدة، فإنّ الروس صاروا مهتمين فعلاً بالحلّ السياسي، وهذا الذي عبّر عنه بوتين إبّان مجيئه إلى قمة العشرين من أنه: ليس هناك في سوريا غير الحل السياسي! وهذا الكلام ليس موجَّهاً للأميركيين فقط، بل وللأتراك والسعوديين أيضاً، إغراءً لهم بالبقاء في التفاوُض مع الروس، وليس مع الأميركيين فقط!

المهم أن البدء بـ«داعش» نقطةً للتلاقي لم يفد، لأن الروس يعتبرون المقاتلين في حلب جميعاً إرهابيين. لذلك انتقل الحديث إلى الهدنة المؤقتة من أجل الاحتياجات الإنسانية. والروس يريدون هدنة جزئية تستفيد منها المناطق الخاضعة للنظام، على أن يستمر قصف الجانب الشرقي من المدينة(!). وهذا يعني أنهم غير جادين. وخلال ذلك انشغل الطرفان باجتذاب تركيا. الروس سمحوا لأردوغان بالتدخل في شمال سوريا، فسارع الأميركيون للتظاهر بالموافقة باعتبار أنه سيكافح «داعش»، وعندما اصطدم الأتراك بالأكراد وقفت واشنطن بين الطرفين محاولة إقناع الأكراد بالانسحاب إلى شرق الفرات.

لدينا إذن أربعة أطراف خارجية رئيسية تعمل في الداخل السوري، ولكل طرف مصالحه واهتماماته وأعباؤه: الأميركيون والروس والإيرانيون والأتراك. وهناك أطراف أُخرى مهتمة، مثل قطر والسعودية والأردن، بيد أن اهتمامها مختلف، باعتبارها عربية وتهمها وحدة سوريا واستقرارها. أما الأطراف الرئيسية فتريد مصالح مقابل الأعباء، وبالطبع فإن إيران كانت أكثر المنفقين، ولها «أفضال» على إدارة أوباما، وإلاّ لما سمحت لها بالتخريب في العراق وسوريا واليمن.. إلخ. أما مصلحتُها الاستراتيجية فغير واضحة، إلا إذا اعتبرنا «حزب الله» كذلك باعتبار ابتزازه لإسرائيل، والنظام السوري باعتباره نظاماً طائفياً ضد «السنّة» (الأكثرية السورية)، ويضاف لذلك خط الهلال الشيعي فيما بين العراق وسوريا ولبنان.

أما تركيا فتريد منع قيام كيان كردي على حدودها، وقد كثر الكلام والاختلاف حول الأهداف الروسية، ويخيَّل إليّ أن الروس لا يريدون بإلحاح غير الشراكة والندية مع الولايات المتحدة. وأميركا تلعب معهم على المدى المتوسط والطويل وهم عديمو الصبر، لذلك أرى أن الأتراك والسعوديين والقطريين إن توحدت خطاباتُهم الآن يستطيعون الحصول من روسيا على بعض ما هو مهم لسوريا.

وما تزال الولايات المتحدة سيدة اللعبة في حروب سوريا والعراق، ثم إنها حاضرةٌ بقوة في بقية ملفات المنطقة العربية. واستراتيجيتها أيام أوباما أن لا يكونَ هناك غالب ولا مغلوب إن أمكن، فالحروب مستمرة! 

رضوان السيد

المصدر: العربية.نت