الدكتور بدر جاموس: نسعى لتشكيل لوبي للضغط وتنفيذ القرار 2254

279

قال الدكتور بدر جاموس، رئيس هيئة التفاوض السورية، في حوار خاص مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن تثبيت القضية السورية من أبرز أولويات هيئة التفاوض،  معتبرا أنها كجسم معارض معترف به ولديه شرعية دولية  يحاول تجميع السوريين دون إقصاء.
وأكد جاموس، أن حلحلة القضية السورية يعني اللا استقرار في المنطقة،  خصوصا مع استمرار دموية النظام وعدم اعترافه بالقرارات الدولية التي تترجم مطالب الشعب السوري.

-تُجرون منذ فترة لقاءات مع  جهات مختلفة، تركية وأمريكية وأوروبية، وتتمسكون بأهمية الحل السياسي والدعم الدولي لذلك، وقد أيّدت مختلف الأطراف حق الشعب السوري في تقرير مصيره، هل كان هناك تجاوباً فعلياً على أرض الواقع لمطالبكم؟
ج-واحد من الملفات الأساسية التي نعمل عليه هو تثبيت القضية السورية لدى المجتمع الدولي كواحدة من القضايا الدولية الخطيرة التي تحتاج إلى حل، ونسعى لأن تكون ضمن أولويات الدول الفاعلة بعد أن هُمِّشت لدى الكثير من الدول التي انشغلت بقضايا أكثر سخونة وحساسية بالنسبة لها، وبعد أن زادت حدّة الصراعات الدولية حول مختلف القضايا وخاصة حول الشرق الأوسط، لكل هذا، نقوم بلقاءات مكوكية وجدّية مع سياسيين ومسؤولين ودبلوماسيين وفاعلين دوليين، ونؤكد لهم أن القضية السورية هي قضية جوهرية تزداد مأساوية، وتؤثر على المجتمع الدولي برمّته، ولن يكون هناك استقرار في المنطقة ما لم يُنجز الحل السياسي المتفق عليه دولياً وأممياً، وفق القرارات الدولية ذات الصلة، بدءاً من بيان جنيف وصولاً إلى القرار 2254، لتتحول سوريا إلى دولة آمنة وديمقراطية تحترم القوانين الدولية والسلم العالمي، وتتعاون مع المجتمع الدولي في الوقوف ضد الإرهاب ومحاربة تجارة المخدرات وإحلال السلم العالمي، وتصبح دولة جاذبة لعودة اللاجئين والنازحين بدلاً من كونها طاردة لا نهائية لهم.
-في الآونة الأخيرة زرنا نيويورك أكثر من مرّة، والتقينا مبعوثين وممثلين دوليين، من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وتركيا ودول أوربية عديدة، كما التقينا بالأمين العام للأمم المتحدة، وبعدد من المسؤولين والسياسيين العرب، ووجدنا تجاوباً وتضامناً جيداً من هذه الدول، ونسعى معهم لتشكيل لوبي دولي للضغط من أجل إيجاد آليات مُلزمة لتنفيذ القرار 2254، الذي يُعتبر المدخل إلى الحل السياسي، حيث يرفض النظام السوري التجاوب معه في أي جزئية من جزئياته، ويرفض تنفيذ الاستحقاقات المفروضة عليه، وسنستمر في مساعينا حتى نستطيع تحقيق هذا الأمر سواءً على مستوى مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة أو عبر ممارسة بعض الدول ضغوطات على النظام وحلفائه للمضي قدماً في الحل السياسي الذي فيه الخلاص لسوريا والخلاص لمأساة السوريين.

 

س-هناك أحاديث تتعلق بمسار التطبيع مع النظام من قبل أطراف إقليمية ودولية، هل تخشون من هذا المسار الذي قد يقضي على أهداف الثورة التي خرجت مطالبة بتغيير النظام؟
ج-بداية أود التوضيح أنه ليس هناك أي مسار قادر على القضاء على أهداف الثورة السورية، وقد ضحّى الملايين من السوريون بالغالي والرخيص من أجل تحقيق أهدافها، التي تُعبّر مطالب مشروعة لا تنازل عنها ولا انزياح، وهي في الواقع تُمثّل في جوهرها مطالب كل السوريين، فلا أحد يرفض الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة ودولة المواطنة سوى تلك الفئة التي شاركت النظام الشمولي القمعي التمييزي حربه وجرائمه.
-أما بالنسبة للتطبيع، فهو حتى الآن لم يُثمر شيئاً، ومازالت نتيجته صفرية، وربما أيقنت الدول العربية التي أعادت مقعد سوريا في الجامعة العربية إلى النظام أن هذه الخطوة كانت عبثية، لأن النظام كاذب ولا يُوثق به ولا يفي بوعوده ولا يلتزم بأي برنامج يُتّفق عليه.
-وعلى الصعيد الدولي، يؤكد لنا المبعوثون الدوليون الأوربيون والأمريكيون موقف بلادهم الثابت الرافض للتطبيع، والرافض لأي رفع للعقوبات عن النظام السوري وحلفائه، والرافض أيضاً لإعادة الإعمار ما لم يقم النظام السوري بخطوات جدّية وملموسة وناجزة في ملف الحل السياسي وفق القرار 2254، وهي ما عُرفت بـ “اللاءات الثلاث” التي تتمسك بها دول العالم الرافضة لديكتاتورية النظام السوري وحربه المفتوحة ضد الشعب، وما أعلنته بعض الدول الأوربية من إمكانية التفكير بطريقة مختلفة تجاه التطبيع مع النظام السوري ليست سوى مبادرات فردية لم يتبناها الاتحاد الأوربي، وليس بنيّته تبنّيها وفق ما يؤكده لنا مسؤولو الاتحاد الأوروبي.

 

س-برغم محاولات التطبيع، تتمسكون بتغيير هذا النظام، وتطبيق القرارات الدولية، إلى أي مدى يمكن تحقيق ذلك في ظل تمسك النظام بالحكم ولو كان الثمن دموياً؟
ج-مطالب الشعب السوري واضحة ومشروعة، وقد صدرت قرارات دولية وأممية تدعم هذه المطالب، وتتلخص بحتمية التغيير السياسي في سوريا، والبدء بعملية سياسية عبر مفاوضات بين المعارضة والنظام، تتضمن كتابة دستور جديد، وتشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية، تُجري انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة يُشارك فيها كل السوريين، وهذه القرارات ليست حبراً على ورق، صحيح أن النظام يتهرب من تنفيذ كل القرارات الدولية، لكنّه في النهاية مُلزم بها، والمجتمع الدولي لا يعترف بحل سياسي آخر سوى الحل المنصوص عليه في بيان جنيف والقرارين الأمميين 2254 و2118.
-يستمر النظام بحلّه الحربي العسكري العنفي، وهو يعتمد على دعم حلفائه الذين يَضعَفون يوماً وراء يوم، ويحاول التهرب بكافة الوسائل من الالتزامات، لكنّه لن يستطيع التهرّب إلى الأبد، وسيأتي الوقت الذي يُفرض عليه فرضاً المضي في الحل السياسي الذي سيحمل تغييراً جذرياً، وينقل سوريا من دولة أمنية قمعية تمييزية شبه فاشلة، وضعيفة يتهددها التقسيم، إلى دولة ديمقراطية تحفظ كرامة المواطنين وتضمن سلمهم وحاضرهم ومستقبلهم، دولة المواطنة التي تكفل العدالة والمساواة للجميع بغض النظر عن انتمائهم العرقي والديني والطائفي والاثني والجغرافي.
-أما استعداد النظام لتكبيد السوريين ثمناً دموياً فيما لو استمروا بالمطالبة بتغييره أو بالمضي بالحل السياسي، فلابد من الإشارة إلى أن النظام السوري دفّع السوريين بالفعل ثمناً دموياً كبيراً منذ عام 2011 ومازال، واستخدم العنف المفرط، والقتل العشوائي، والأسلحة الفتاكة والعمياء، كما استخدم الأسلحة المحرّمة دولياً كالأسلحة الكيميائية، وهذا العنف المفرط وجرائم الحرب التي ارتّكبت والجرائم ضد الإنسانية، لم تثن السوريين عن المضي بثورتهم، وسيأتي اليوم الذي تقتص فيه العدالة ممن ارتكب هذه الجرائم بحق السوريين.

 

س-انهيار غير مسبوق في سوريا، وأسباب هذا الانهيار معروفة، إذ فازت الأسرة الحاكمة في السلطة في دمشق بدعم من إيران وروسيا المدفوعتين بمصالحهما الإستراتيجية الخاصة، حيث ركزت الأولى على بقائها والثانية مشغولة بحربها في أوكرانيا، أي حلول لتجاوز هذا الانهيار والاختراق؟
ج-بالفعل، تنهار سوريا تدريجياً، فقد دمّرت حرب النظام البشعة البنى التحتية، من طرق ومنظومات كهرباء وماء ومعامل وغيرها، وتسببت بتراجع اقتصادي لم تشهده سورية من قبل، وانهيار تاريخي لليرة السورية، وأصبح نحو 90% من السوريين تحت خط الفقر، وباتت رواتب الموظفين الأخفض على مستوى العالم، عدا عن أن انهيارها سياسياً، حيث باتت دولة منبوذة دولياً، ومفروض عليها عقوبات كبيرة شاملة.
-لقد ساهم الدعم الروسي والإيراني في بقاء النظام، لكنّه لم يُساهم في وقف الانهيار، فكلا الحليفين يسعيان لمصالحهما الخاصة، ولا تهمهما مصالح الشعب السوري أو مصالح سوريا كدولة، ويدعمان عسكرياً نظاماً لا شرعية له.
-نحن في هيئة التفاوض نتمسك بالقرارات الدولية، ونعمل مع الأطراف الدولية والإقليمية والعربية للمضي قدماً في الحل السياسي الشامل الذي يضمن مصالح جميع السوريين، كما نسعى بشكل جدّي إلى تعزيز الحوار الوطني، والتشاركية والتعاون وتوحيد الجهود مع المجتمع المدني ومع كل القطاعات الثورية الفاعلة والشبابية والإعلامية والبحثية، والاتحادات والنقابات المهنية والعلمية، ومع التيارات السياسية والأحزاب السورية، بكافة المناطق داخل سوريا وخارجها، من أجل بناء توافق وطني حول الحل السياسي والضغط الدولي لوضع آليات مُلزمة لتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بسوريا.

 

س- تستمر الغارات الإسرائيلية مستهدفة دمشق، هل تدفع سوريا وشعبها ثمن تحالف حكومة دمشق مع حزب الله وإيران الطامعة في الشرق الأوسط للسيطرة؟
ج-لاشك أن الغارات الإسرائيلية على دمشق وبقية المناطق السورية تأتي نتيجة لتحالف النظام السوري مع إيران، وفسحه المجال للميليشيات الإيرانية والمرتبطة بإيران مثل حزب الله بالتغلغل في كل الجغرافيا السورية، واستخدام الأراضي السورية لإقامة معسكرات وتخزين السلاح ونقطة انطلاق لتهريبه إلى لبنان، ونتيجة لسماح النظام السوري لإيران بالتحكم بالقرار العسكري بمستويات متعددة.
-إن سماح النظام السوري لإيران باستباحة سوريا ينعكس سلباً على سوريا، ويفسح المجال لإسرائيل بالضرب في الداخل السوري بشكل متصاعد وقاسي، وسيدفع النظام ثمناً باهظاً نتيجة لهذا التحالف، -وللأسف، سيدفع السوريون أيضاً ثمناً باهظاً نتيجة ما قام به النظام السوري، لأن إسرائيل لا تتوانى عن قصف المواقع المدنية، ولا يعنيها إن قُتل مدنيون في هجماتها، ولا تتوانى عن قصف مواقع مدنية إن أرادت اغتيال شخصيات إيرانية أو مسؤولين في حزب الله، إن إباحة النظام سوريا للإيرانيين سيكون قاسياً وله تأثيرات اقتصادية وأمنية مختلفة.
-صدّع النظام السوري رؤوس العرب بقضية الصمود والتصدّي، والوقوف في وجه إسرائيل، وهو في واقع الأمر كان حامياً لإسرائيل، وبقيت الجبهة السورية الأكثر هدوئاً طوال عقود، ولم يتوان عن التحالف مع الشيطان ضد شعبه ليضمن لنفسه الكرسي واستمرار الحكم والنهب والفساد، والآن ندفع ثمن هذا “الصمود والتصدي” الكاذب والوهمي والمصلحي.
– أخيراً، تتحدثون عن التشاركية في الحوار وأهمية التفاوض مع كل الأطراف السورية دون إقصاء، وفي المقابل يشتكي الأكراد في شمال وشرق سوريا من الإقصاء والتهميش، ما تعليقكم، هل فعلاً أقصتهم هيئة التفاوض؟
-الأكراد هم أخوة وشركاء كاملون في سوريا، وهم أحد مكونات الهيئة التي نفتخر بها ونتشارك معها، فهيئة التفاوض السورية هي مظّلة جامعة لقوى المعارضة السورية كافة، مُعترف بها رسمياً من قبل الأمم المتحدة باعتبارها الممثل الوحيد للمعارضة السورية، مهمتها التفاوض مع النظام من أجل إقامة هيئة حكم انتقالية، باستطاعتها تهيئة بيئة آمنة ومحايدة، تتحرك في ظلها العملية الانتقالية وفق القرارات الدولية، وتتشكل من 37 عضواً، يمثّلون سبعة مُكوّنات، إحداها المجلس الوطني الكردي، والذي يضم 15 حزباً وعدداً من المنظمات النسائية والشبابية والشخصيات الكردية المستقلة، فضلاً عن وجود أعضاء من الأخوة الأكراد في المكونات الأخرى للهيئة ولا يوجد فرق في الهيئة بين عربي وكردي وآشوري أو أي قومية أخرى، ولا يوجد نهائياً أي إقصاء أو تهميش، الجميع سوريون ولهم نفس الوزن والأهمية والحقوق وعليهم نفس الواجبات، والهيئة في حقيقة الأمر تعكس بشكل واسع الطيف السوري والتركيبة السورية المتنوعة المتكاملة.
-أما الحديث عن قوى الأمر الواقع الكردية في شمال شرق سوريا فهذا أمر آخر، فالإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا تتعامل بديكتاتورية وتُقاد من قنديل ومشروعها ليس سوري، وتتمسك بعلاقتها بحزب العمال الكردستان الذي له مصالح لا علاقة لسوريا بها، كما تتمسك بالقوة منطقاً ومنطلقاً لأي حوار، والممارسات السلبية التي قامت وتقوم بها في مناطق شمال شرق سوريا من اعتقالات يومية وتجنيد إجباري وخطف وحرق وتخريب وحتى قمع للأحزاب الكردية السورية الأخرى واعتقال ناشطيها، تؤكد سوء النيّة ورفض التفاهم والحوار والتشاركية، كما قاموا بطرح عقد اجتماعي لا ينسجم مع طبيعة الشعب السوري نهائياً، ولا يحمل المعاني الوطنية ولا أهداف الثورة، ومع هذا، فإننا مستعدون لأن نكون منفتحين بالكامل معهم إن قرروا العودة إلى صفوف الثورة السورية وفكّوا تبعيتهم لحزب العمال الكردستاني وابعدوا الشخصيات غير السورية من قيادتهم وأوقفوا إرهابهم واستقوائهم على السوريين، وبدأوا حواراً وطنياً هدفه أمن وسلامة السوريين وحريتهم ودولتهم الحرة الديمقراطية غير العنفية والتي تسعى ليكون لها علاقات حسن جوار إقليمي وعربي، دولة المواطنة التي يتم تداول السلطة فيها بشكل سلمي وديمقراطي بعيداً عن الأجندة الخارجية.