الرد الإسرائيلي على «حزب الله» في القنيطرة
أفرج عن نصف ابتسامة، وأودع النصف الثاني عند جمهوره يظهرها يوم المفاجأة القادم، أو عند خصومه حين يكتشفون السر بعد أن تصفعهم المفاجأة. السيد حسن نصرالله في حديثه التلفزيوني الأخير كان ممتلئاً فرحاً وثقة توحي بأنه اكتشف السر الذي سيمكن محور «المقاومة» من السيطرة على هذه المنطقة وديموغرافيتها، وللمرة الأولى يتحدث عن حق لكيان اسمه «حلف المقاومة» في المواجهة مع إسرائيل.
السر لم يكن بصواريخ «الفاتح 110»، فهذه أسلحة معطّلة لا تصلح للاستخدام الميداني في حالة «حزب الله»، ذلك أن قواعد الاشتباك المفروضة بعد حرب تموز (يوليو) 2006، لا تتيح إمكان الاستفادة من هذه الأسلحة ولا حتى اعتبار أنها يمكن أن تحدث تغييراً مهماً على قواعد اللعبة أو إدماجها ضمن معادلات القوة في المنطقة، ناهيك عن أنها بالأصل أنماط من أسلحة دفاعية يتم استخدامها للرد على استهداف إسرائيلي محتمل، وليس للهجوم أو لتغطية عمليات تسلل عناصر الحزب لاحتلال الجليل، وفوق كل هذا وذاك لا تسمح العمليات الجوية الإسرائيلية والطلعات التفقدية اليومية بتجهيز قواعد إطلاق هذه الصواريخ وتشغيلها.
ولم يكن السر أيضاً بإمكان تحقيق نصر ناجز في مواجهة الثورة السورية، فالوقائع الدامية والتراجعات الهائلة في الميدان، والتشكيك بإمكان الاحتفاظ بتواجد عناصر الحزب في قرية فليطة في القلمون، تفضح أي مزاعم بهذا الخصوص، فلا أخبار وردية على هذا الجانب، وليست هناك مفاجآت لم تستعمل من دون أي نتائج مجدية على الأرض.
السر كله يكمن في اعتقاد القيادات الميدانية للحزب بأنها على وشك إطلاق دينامية جديدة للأزمة في المنطقة، تقضي بالإطاحة بالثورة السورية من بوابة القنيطرة، أما آليات هذه الدينامية فهي عبارة عن إطلاق الصواريخ من الشريط الحدودي المتاخم للجولان على المستوطنات الإسرائيلية، فضلاً عن القيام ببعض عمليات التسلل لزرع الألغام واستهداف الدوريات الإسرائيلية، وفي ذلك يضمن الحزب، ومن ورائه إيران، إشعال حالة من الصراع بين مقاتلي المعارضة في جنوب سورية وإسرائيل، ما يضطر هذه الأخيرة إلى الانخراط في الحرب ضدهم، وربما يستدعي ذلك انخراط التحالف الدولي المشكّل للحرب على «داعش» في هذه الجبهة، باعتبار أن «جبهة النصرة» الموضوعة على قوائم الإرهاب الغربية تشكل القوة الأساسية فيها، وفق مزاعم إعلام الأسد و «حزب الله».
من الواضح أن «حزب الله» ومن خلفه إيران عقدا آمالاً كبيرة على هذا المخطط، فبالإضافة إلى انه قد يشكل حبل إنقاذ لنظام الأسد الذي تشير معظم التوقعات إلى أنه سيواجه أوضاعاً ميدانية معقدة في الفترة المقبلة وتحديداً من جبهة الجنوب، فإن نجاح هذه الخطة سيعيد ترتيب الأولويات في المنطقة على أساس المتغير الإسرائيلي لقلب المعادلة، وفي أقل الأحوال سوءاً سيفجر تناقضات خطيرة بين القوى المعادية لنظام الأسد والرافضة لإعادة تأهيله، خصوصاً أنه يأتي عقب أحداث باريس التي شكلت صدمة وارتباكاً غربياً واضحاً.
على ذلك، كان يمكن القنيطرة أن تشكل متغيّراً يعزّز التغييرات الحاصلة في الآونة الأخيرة منذ اجتياح «داعش» الموصل، مروراً بجريمة «شارلي إيبدو»، بحيث تتكامل ثلاثية هذا النسق: اضطهاد الأقليات، إرهاب ضد الغرب، وزعزعة أمن إسرائيل، وبالتالي تصبح إعادة صياغة التوجهات وترتيب الأولويات في المنطقة حاجة ضرورية، مع ما يتطلبه ذلك من استدعاء مقاربات جديدة تفي بالغرض.
ويوحي تواجد قيادات من الصف الأول في «حزب الله» وكبار المستشارين الإيرانيين في القنيطرة، بأنهم كانوا معنيين باستعجال تحقيق هذا التطور، والأكيد أنه لم يكن مجرد جولة تفقدية، على ما حاول الحزب قوله في بيانه، إذ من الواضح أن الأمور كانت في طور التجهيزات الأخيرة للقيام بعمل ما، ربما كان من بينها قيام الحزب بنقل بعض المعدات إلى الشريط الحدودي على خط شبعا- العرقوب، وربما عند وصول الأمور الى هذه الدرجة من التطور تدخلت إسرائيل التي باتت مهتمّة بدرجة كبيرة بتدمير أكبر كمّ ممكن من أسلحة الحزب.
غازي دحمان
المصدري : الحياة