الشرق الأوسط… خزان الفرص والخيبات

283

ظهور مدير “وكالة الاستخبارات المركزية” الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز، ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (إم آي-6) ريتشارد مور، خلال مؤتمر صحيفة “فايننشيال تايمز” في لندن قبل أيام، كان سابقة، لأنها المرة الأولى التي يجلس فيها رئيسا الجهازين معا على منصة واحدة، على اعتبار أن جوهر عملهما يقوم على السرية.

ما قاله بيرنز ومور في هذا الظهور النادر ضمن “دبلوماسية الاستخبارات”، مثير للاهتمام إزاء جميع الملفات، خصوصا ما يتصل بـ “الخلطة السرية” بين الحرب والدبلوماسية مع روسيا والصين، والشراكة مع القطاع الخاص للاستثمار في الذكاء الاصطناعي.

ومن الأمور المهمة التي أثيرت في هذا الحوار، كان اتفاق تبادل الأسرى ووقف النار في غزة. إذ كرر بيرنز ما قاله أكثر من مسؤول أميركي من أن 90 في المئة من الاتفاق صار جاهزا، وأن فريقه بصدد إعداد مقترح لجسر الفجوة بين موقفي إسرائيل و”حماس” إزاء ما تبقى من الاتفاق، ثم أشار إلى أن خبرته الطويلة لعقود في العمل في الشرق الأوسط تقول إن ما تبقى من الاتفاق هو الأصعب وقد يكون سببا لـ”تشاؤم” الكثيرين إزاء إنجاز الاتفاق في المرحلة المقبلة.

بالفعل، الشرق الأوسط خزان الخيبات و”الفرص الضائعة”. هناك مثالان من الماضي القريب. فكما هو الحال في سعي الرئيس جو بايدن حاليا لإنجاز اتفاق في الشرق الأوسط يعزز فرص الحزب الديمقراطي ومرشحة الظل له، كامالا هاريس، فإن الرئيس الأسبق بيل كلينتون وضع كل ثقله عام 2000 لتحقيق اتفاق تاريخي مع الرئيس حافظ الأسد أو الرئيس ياسر عرفات.

على المسار السوري، اتفاق السلام كان جاهزا واكتملت جميع جوانبه بما في ذلك الانسحاب الإسرائيلي من كامل الجولان حتى خط 4 يونيو/حزيران 1967 والترتيبات الأمنية وعلاقات السلم والتطبيع بين تل أبيب ودمشق. بقي “تفصيل صغير”: رسم خط 4 يونيو على الأرض. الأسد كان يريد السيطرة على شواطئ بحيرة طبرية التي “اعتاد السباحة فيها” ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك رفض التخلي عن شواطئ البحيرة “الضرورية لأمن إسرائيل”.

كما هو الحال الآن، بل أكثر، فإن 99 في المئة من نص اتفاق السلام كان مكتوبا، وبقي القليل القليل. لكن قمة كلينتون-الأسد في مارس/آذار 2000 انهارت وطويت صفحة اتفاق السلام. ورحل الأسد من دون توقيع اتفاق سلام.

ومع رحيل الأسد في يونيو 2000 انتقل التركيز إلى المسار الفلسطيني وحاول كلينتون في ما تبقى من ولايته إحداث اختراق كبير واستضاف قمة في كامب ديفيد خلال يوليو/تموز وبقي يعمل على الاتفاق إلى آخر لحظة له في البيت الأبيض.

وكما هو الحال الآن بالنسبة لاتفاق غزة وفي المسار السوري قبل ربع قرن، أكثر من 90 في المئة من الاتفاق الفلسطيني-الإسرائيلي كان جاهزا ومكتوبا على الورق عن الدولة الفلسطينية وحدودها وسلاحها المنزوع وأجوائها، وتبادل الأراضي واللاجئين والمستوطنين. “تفصيل صغير” بقي يتعلق بمستقبل القدس وبعض الأحياء فيها والمسجد الأقصى. انهارت المفاوضات عام 2000. واندلعت انتفاضة. وحوصر عرفات وتوفي نهاية 2004. مات “أبو عمار” دون أن يوقع اتفاق السلام.

الرهان وقتذاك كان أن يؤدي توقيع اتفاقات السلام إلى دينامية جديدة وصولا إلى شرق أوسط جديد. والرهان الأميركي الآن، الذي أشار إليه بيرنز ومور، أن يؤدي توقيع اتفاق وقف النار في غزة وتبادل الرهائن إلى دينامية جديدة في المنطقة تتضمن تقديم “فكرة أفضل من أفكار حماس”، وتشمل تفاصيل “اليوم التالي” في غزة وإطلاق مسار يؤدي إلى حل سياسي يسمح للإسرائيليين والفلسطينيين بأن يعيشوا معا، وتفاهمات حول “الخط الأزرق” جنوب لبنان، وتحرير الملاحة في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين، “على أمل” أن تفتح هذه العناصر الباب لأفق إقليمي لشرق أوسط جديد. 

مستقبل المنطقة معلق على نحو 10 في المئة من اتفاق غزة تتعلق بالسيطرة على ممر فيلادلفي ونتساريم والانسحاب الإسرائيلي من القطاع. لكن واقع الحال أن هذه “التفاصيل الصغيرة” المتبقية تختصر خيارات كبيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومستقبله السياسي من جهة وأولويات “حماس” وتحالفاتها الإقليمية وخصوصا مع إيران من جهة ثانية. وواقع الحال أن بعض مستشاري بايدن باتوا مقتنعين بأنها ربما تكون “فرصة ضائعة” جديدة في الشرق الأوسط، وماحصل عل “جسر الملك حسين” بين الأردن والضفة الغربية سواء كان “عملا فرديا” كما قالت عمان أو من عمل “محور الشر” الإيراني كما قال نتنياهو، ليس سوى جمرة من خزان الخيبات و “الفرض الضائعة”.

الكاتب: إبراهيم حميدي

المصدر: المجلة