العالم مطلع عام 1438 هجرية

32

الآن مع خريف عام 2016 ميلادي نكون قد دخلنا العام الهجري الجديد 1438 هـ فما هو الجديد فيه؟ العالم العربي يتفتت. حلب تحترق بصواريخ شتى فراغية وعنقودية وارتجاجية. «داعش» يتقلص ويقترب أجله. معركة الموصل تقترب، وستأخذ معها إلى القبور أكفان شباب شتى من شيعة وسنة وعرب وعجم! ترامب يناظر كلينتون، والعرب يتفاءلون. المعلقون يقولون إن فازت هيلاري كلينتون فستكون أول سيدة تدخل البيت الأبيض، وإن نجح ترامب فقد يكون آخر رئيس أميركي، وتتفتت أميركا على يد نصف مجنون! أوباما يودع بعد ثماني سنوات عجاف، وكان حكمه كارثة على السوريين. ولجّ فيها إلى المدافن مئات الآلاف من الشباب وهو ينظر إلى المأساة دون أن يحرك ساكناً. معها زحف الملايين على وجوههم في كل اتجاه، من مخيم الزعتري في الأردن، إلى السويد وألمانيا، وبقية المنافي.
صديقي الكردي تحدث معي من السويد بعد أن فر على وجهه والتحق بابنه. صديق آخر فر على وجهه من حمص ودخل الأرض الأميركية، ثم زحف إلى الحدود الكندية فطلب اللجوء السياسي. قال لي إنه كان معه في المجموعة رجل عربي يبكي. فلما سأله عن سبب دموعه؟ قال عاملني الضابط باحترام. هنا أكتشف نفسي إنساناً.

بعد أن وصل صديقي إلى كندا أعطوه شهرين لجلسة الاستماع لتخبره المحامية لاحقاً بأنه لا داعي فقد قبل في هذا البلد الآمن. وبعد أيام من اطمئنانه في كندا لحقه صهره وابنته وثلاثة من أحفاده. اتصلوا عليّ في مونتريال لأكون مترجماً بينهم. ينظر إلي صديقي ويتأسف على وطن لم يعد وطنًا بل صار سجناً كبيراً يضم مسكيناً ويتيماً وأسيراً.

عام 1438هـ إذن يؤرخ لعاصفة في التحولات الإنسانية حسب عالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان الذي يرى نهاية الدولة القومية وانهيار أعمدتها الثلاثة، الأمن العسكري للخارج، والرفاه للداخل، والاندماج الاجتماعي اللغوي الثقافي. يقول إنها أمام تدفق الهجرة وقرع الملايين أبواب أوروبا يتحول العالم، وهنا يفرق الفيلسوف التسعيني (من مواليد 1925) بين الهجرة والتهجير (Immigration/ Migration) حيث تعتبر هجرة قوم إلى أرض جديدة مشروع بناء دولة، أما الظاهرة الجديدة فهي ظاهرة طبيعية غير خاضعة للضبط انفجارية عفوية (Migration) أو هي ما يشبه الزلزال أو تشققات الأرض أو التسونامي، حيث تعيش المدن الكبرى مضغوطة من مجموعات مختلفة عرقية ودينية وأيديولوجية «دياسبورا جديدة» دون أي تخطيط لهذا التجمع الغريب الجديد. مثلاً هناك في لندن 70 مجموعة من هذا النوع. لقد خسرت الدولة القومية سيطرتها ونحن في صدد تحول كوني، ومنذ أمد تحولت عواصم هذه الدول إلى «مختبرات» لهذا المزيج الملون الاجتماعي من البشر، وهنا يتجلى التوتر بأوضح صوره بين خوف التمازج أو متعة التمازج!

وحسب الإحصائية التي رواها لي صديقي في مونتريال في كندا أن هناك أزيد من 200 دين مختلف في هذه المدينة. ومن معلوماتي الشخصية واحتكاكي مثلًا بالأرمن عرفت أن هناك مدينة صغيرة من الأرمن في مونتريال فيها ما لا يقل عن 25000 مواطن، وما زلت أتذكر أحد موظفي الهجرة وهو يفحصني، فلما عرفت أنه من أصول أرمنية قلت له «أرارات» وهي جبال معروفة عندهم يقولون إن سفينة نوح رست عليها!

وفي هذه النقطة بالذات تحدث الفيلسوف والمؤرخ الألماني «أوسوالد شبنجلر» عن تخشب وخواء شجرة الحضارة حين تتحول إلى مدن عالمية لا تضم أمة، بل تصير خليطاً مبعثراً من الثقافات والأديان واللغات لا يضمها إلا عنصر المال. ويقول عنها إنها نهاية الحضارة مع توقف الروح عن الانبعاث.

إن توقيت الزمن بالهجرة كان فكرة عبقرية دشنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والزمن هنا مرتبط بتحول اجتماعي وولادة أمة جديدة. إنها أمة فكر وحضارة صنعت التاريخ وأنارت دروب الإنسان في كل مكان.

خالص جلبي

المصدر: العربية.نت