العجز الأميركي عن مغادرة الاستراتيجية نفسها يقفل الاحتمالات إلّا أمام ترك سوريا لروسيا
في ظل التسريب الاخير لمحضر اجتماع وزير الخارجية الاميركي جون كيري بوفد من المعارضة السورية في نيويورك، على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة والذي اكد فيه كيري العجز الاميركي الكامل مقترنا بعدم رغبة ادارة الرئيس باراك اوباما في تغيير حرف من استراتيجيته الابتعاد عن الازمة السورية، لم يعد متوقعا مع توقيت هذا التسريب ومضمونه الا الاستنتاج ان مصير حلب في ظل القصف الروسي القوي الداعم لنظام بشار الاسد وحلفائه لن يختلف عما شهدته مدن سورية اخرى، لا بل ان الولايات المتحدة سلمت سوريا بالكامل الى روسيا على رغم الغضب المفتعل حيال سقوط اتفاق الهدنة بين الجانبين الروسي والاميركي. كما ان توقيت تسريب مضمون هذا اللقاء من شأنه ان يخدم النظام السوري لجهة تعزيز معنوياته واستقوائه بأن الاميركيين لن يقوموا بأي امر لردعه ولا رغبة ولا قدرة لديهم على ذلك ايا يكن ما سيقوم به وفق ما قاله في 12 ايلول الماضي في داريا من نيته استعادة كل سوريا تحت سيطرته، بغض النظر عن امكان نجاحه في ذلك . والغريب ان يقول كيري في معرض الدفاع عن سياسة ادارته وفق ما ينقل عنه “ان الروس خدعوه في المفاوضات حول سوريا” في الوقت الذي حفلت وسائل الاعلام الاميركية بمقالات ودراسات تحدثت طويلا عن ضعف موقع كيري واستسلامه كليا لمنطق نظيره الروسي سيرغي لافروف، وهو تحذير اطلقه الاوروبيون مرارا . وليس من جديد في اضافة كيري على ما كان كشفه السناتور الجمهوري ليندسي غراهام في جلسة للجنة القوات المسلحة في 27 تشرين الاول الماضي اي قبل سنة تماما . يومها احرج غراهام كلا من وزير الدفاع اشتون كارتر ورئيس الاركان في الجيش الاميركي جوزف دانفورد من خلال اسئلة اثارت طبيعة الاستراتيجية الاميركية في سوريا التي تقول بتوفير اسلحة للمعارضة من اجل هزيمة داعش في الوقت الذي تدعم روسيا (التي تقول انها تحارب داعش ولا تفعل وفقا لكلام القائد العسكري الاميركي) النظام السوري وكذلك تفعل ايران و” حزب الله” بحيث يسأل غراهام اذا كانت لا تزال الاستراتيجية الاميركية هي الاطاحة بالاسد في حين انها لا تفعل وتدعم من يود محاربة داعش فقط. وهو قال ان الاسد يجب ان يكون مرتاحا جدا وغير خائف لكون روسيا وايران و” حزب الله” يحاربون الى جانبه في حين ان اميركا تكتفي بتدريب بعض عناصر المعارضة من اجل مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية وتمنع عليهم محاربة النظام من دون ان يهمل ان ذلك سيكون مردوده كارثيا في المنطقة لان لا الشعب السوري سيقبل بذلك ولا الدول العربية. وهذا التسجيل لغراهام انتشر في الايام الاخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي وتم تداوله بقوة للتذكير بأن سنة كاملة من المراوحة الاميركية تم تضييعها من دون اضافة اي امر ايجابي على واقع الازمة السورية بل على العكس من ذلك.
من الصعب بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية وسياسية عدم رؤية اين تتجه الامور في سوريا في ظل المواقف التي كررها الرئيس اوباما عن الديبلوماسية الصعبة التي يستمر في اعتمادها في سوريا في حين ان روسيا لم تخف استراتيجيتها العسكرية ولا كذلك النظام وحلفاؤه على الارض. فاوباما يقفل عهده على اكبر خيبة امل لجهة سياسته ازاء سوريا بتكراره انه لن يرسل جنودا اميركيين ليقتلوا في سوريا، وهو امر مفهوم، في حين ان الاستراتيجية الاميركية كانت لتكون مختلفة من خلال جملة خطوات قد تبدأ بفرض حظر جوي كما فعلت في العراق على نحو يمنع النظام السوري من استخدام طيرانه ليقصف بالبراميل المتفجرة المناطق المدنية والمدن الاهلة ولا تنتهي باحالة الرئيس السوري امام المحكمة الجنائية الدولية او التلويح بذلك او محاولة ايجاد صيغة تؤدي الى ذلك في ظل فيتو محتمل من روسيا على خطوة من هذا النوع او فرض حظر على توريد الاسلحة الى سوريا من اي جهة . في اي حال فان موقف كيري شكل مؤشرا اضافيا على ان التهديدات التي رفعتها ادارة اوباما الاسبوع الماضي إن لجهة طلب درس خيارات ممكنة لوقف التدهور في حلب او لجهة تهديد كيري بوقف التعاون مع روسيا في سوريا لم يعد مهما او فاعلا باستثناء انها مواقف لتقطيع الوقت حتى نهاية ولاية اوباما من دون الايحاءأن هذه الادارة لم تكف عن المحاولة حتى اللحظة الاخيرة من اجل فرض هدنة ليس الا وان لم تنجح في ذلك بسبب الروس او النظام السوري او سوى ذلك من المبررات. وفي الوقت الذي لم توقف الولايات المتحدة تعاونها مع روسيا على الارجح على رغم ارتفاع وتيرة التوتر في المواقف بين البلدين على خلفية خرق الهدنة ، هناك من يعتقد ان الولايات المتحدة لن توقف مبدأ التعاون لاعتبارات متعددة تتصل بنزع اي تأثير لها في ما يتصل بسوريا والتخلي عن بعض الاوراق المؤثرة، وهي لن تزيد هذا التعاون وفقا للمخاوف التي عبرت عنها وزارة الدفاع الاميركية من مضمون هذا الاتفاق وفقا لما ترى مصادر متعددة. ومع ان بعض هذه المصادر يقوم سياسة اوباما على انه فعل ما وعد به بالنسبة الى بلاده على الاقل ، فانها تخشى من ان تسليم الولايات المتحدة الوضع في سوريا لروسيا وايران كما تم تسليم العراق لايران سيعود بتداعيات كبيرة على المنطقة.
روزانا بومنصف
النهار