اللاجئون السوريون والعودة إلى مقصلة النظام؟!

39

عودة اللاجئين السوريين إلى مناطق سيطرة النظام، سواء أكانت من دول الجوار، أو من داخل مناطق سيطرة المعارضة، نتيجة استمرار حالة الحرب فيها، وانسداد الأفق، لا يمكن تصنيفها بأنها عودة طوعية أو طبيعية، ضمن أبسط قواعد المنطق. ولا يعني عدم تعرض النظام(مؤقتاً) للعديد منهم أن ذلك يمثل سلامة دائمة، وأماناً لهم، بل بمجرد انتزاع النظام أبناءهم، وزجهم قسراً في جيشه، تعتبر هذه بحد ذاتها انتهاكاً صارخاً بحق اللاجئين، الذين غادر غالبيتهم المناطق التي دمرها النظام، ومارس فيها جرائم شتى تصنف كجرائم دولية ضد الإنسانية.

عودة غير طبيعية:

العودة الطبيعية لأي لاجئ في الكون، وضمن ما هو متعارف عليه أممياً، تكون في حالة انتهاء الصراع، ووجود ما يضمن سلامة اللاجئين جسدياً ونفسياً، ووجود مأوى يلجؤون إليه، وما دون تحقيق هذه الشروط، لا تعتبر تلك عودة طبيعية، خصوصاً في ظل الظروف القاسية التي تواجه اللاجئين السوريين في أماكن لجوئهم المؤقت في دول الجوار، والشروط التعجيزية والقيود على حركتهم وأعمالهم، وغير ذلك من الانتهاكات بحقهم، في ظل غياب أي دور فاعل للمعارضة السورية، التي عجزت حتى عن تأمين الحد الأدنى من الحماية المعنوية لهم.

هؤلاء اللاجئين، غادروا بلادهم نتيجة ظروف مصنفة وفق الأعراف الدولية بأنها ظروف غير طبيعية، وبالمنطق الطبيعي هم ضحايا انتهاكات مباشرة قام بها النظام بحقهم، نتيجة قصف قراهم ومدنهم ما دفعهم للفرار من آلته العسكرية، ما يعني أنهم ضحايا سلوك النظام بحقهم، وعندما تأتي اليوم مسألة إعادتهم الى هذه المدن والقرى المدمرة، دون محاسبة من دمر هذه القرى، ودون حصولهم على حق التعويض، بالإضافة إلى غياب العملية السياسية الشفافة، والتي من دونها يبقى تصنيف هذه العودة بأنها عملية قسرية جرت نتيجة حالة القهر والاضطهاد والسلوك الذي مورس بحقهم في أماكن اللجوء، ما دفعهم لهذا الاستسلام المهين، الذي نقلهم الى نوع من المجهول الجديد، بلا أي ضمانة.

عودة وعبودية للنظام:

عنوان المشهد السوري الأساسي ما بعد هدنة إدلب بات وكأنه مجرد مسألة إعادة اللاجئين إلى مناطق سيطرة النظام، وهذه مسألة في غاية الخطورة، فهي تطوي سنوات الصراع كاملة، وتعمل ضمنياً على تقديم رواية النظام المضللة، التي اعتبرت أن اللاجئين غادروا بفعل المعارضة، لا بسبب كل صنوف الموت التي فعلها النظام بحقهم، ما يزيد في أرصدة النظام الذي يقدم نفسه ضمانة لكل السوريين.

وبالمقابل فهي عودة تقلل من أوراق المعارضة، وتعمل على منح النظام مشروعية مزيفة، ناهيك انها عودة إلى المجهول والغموض، وهو استغلال مهين للشبان الذين أجبروا على مغادرة مناطق اللجوء وفق منطق الضرورة والقهر، ولم تأتِ بالاختيار الطوعي، وخصوصاً عندما يأتي استغلالهم مجدداً في إعادة تكون بنية جيش النظام الذي تسبب بكل هذه الكوارث لهم. إذ يجد هؤلاء أنفسهم تحت إمرة مليشيا خارجية ليست وطنية، وتحت إمرة جيش فاسد منذ تكوينه، يعمل على تحويلهم إلى قتلة بحق إخوتهم الذين اختاروا الوقوف ذات يوم لحمايتهم من بطش النظام، خصوصاً عندما يزجهم في مواجهة المعارضة المعتدلة.

لذلك إن مسألة الخدمة الإلزامية تعتبر انتهاكاً وجريمة بحق هؤلاء الشبان، لأن هذه الخدمة لا تأتي في ظل ظروف طبيعية، ولا تأتي من باب حماية البلاد، وإنما هي استعباد لهؤلاء العائدين قسراً، وهو مع الأسف ما يغيب من إعلام المعارضة السورية، والتي بات إعلامها لا يدرك طبيعة التوصيف الحقيقي للمشهد السوري، وبات أعجز ما يكون عن إعادة توصيف المشهد السوري وتقديمه إلى العالم، وبات في معظمه مجرد ناقل للأخبار وكأنها تحدث في كوكب آخر.

تعفيش الجيوب:

جيش النظام الشهير بالتعفيش منذ تواجده أثناء الحرب اللبنانية؛ لم يعد قادراً على التعفيش كما يجب، ولذلك فقد عادت هذه القيادات إلى سابق عهدها قبل الحرب، وهي مسألة تعفيش الجيوب، وابتزاز الأهالي بغية مسح أبنائهم مما يسمى بقائمة المطلوبين.

فما يجهله كثيرون حول مسألة طرق العودة إلى مناطق سيطرة النظام، أنها عودة تتم من خلال تنسيق عال تقوم به مافيا تابعة للنظام، تفتقد لأدنى أنواع الحس الإنساني حيث تعمل على إخضاع الأهالي إلى ابتزاز مسبق، يتمثل في دفع أموال أو التخلي عن ممتلكات داخل سوريا مقابل سلامة مؤقتة لأبنائهم، ومسحهم من قوائم المطلوبين، والبعض يعمل على دفع أموال مقابل أن يتجنب أبناؤه الخدمة الإلزامية التقليدية، وذلك وفق الطريقة التي كانت متبعة في سوريا قبل الحرب، حيث كان بعض الميسورين يدفعون أمولاً مقابل قضاء فترة الخدمة الإلزامية في بيوتهم.

وبهذا الشكل السري والصامت من العودة، تبدو حجم الكارثة الإنسانية التي يعانيها الشعب السوري، الذي خسر وحدة المعارضة، وسقط ضحية النظام والقوى الإسلامية المتطرفة، التي جلبت كل أطياف التطرف في الأرض إلى سوريا بما يتيح للنظام أن يجد دوماً مظلة تحميه (مؤقتاً) وهو ما يدركه النظام جيداً، وهو ما نكرره دوماً، أن النظام سينتقل من حرب إلى حرب، لأنه يعلم يقيناً أن أي هدوء شامل في سوريا سوف يمرر عملية سياسية دولية تنتهي بالتغيير الشامل، ثم بوصول قادته الى المحاكم الدولية، لذلك ما هي معارك البادية إلا واحدة من معارك الظل، التي يريد النظام من خلالها أن يُظهر للعالم مشاركته في محاربة داعش، التي صنعها، ويدعمها، ويعرف تماماً كيف يبقيها تعيد انتعاشها، تماماً كما ساهم من قبل برفد الزرقاوي في العراق بآلاف المقاتلين، وكما أسس من قبل منظمة فتح الإسلام في لبنان، التي أخرج شاكر العبسي من سجونه لتأسيسها، وكما أسس غيرها من منظمات التطرف في سوريا ذاتها.

البديل الغائب:

لم تستطع المعارضة السورية (بسبب اختلافها وتبعيتها للخارج) أن تقدم نفسها بديلاً حقيقياً للنظام على المستوى السياسي، ولم تستطع حتى أن تصون اللاجئين في مناطق سيطرتها، إذ تركت للغرباء حق التسلط على اللاجئين الذين فقدوا كل شيء في مناطق سيطرة النظام ولجأوا في وقت سابق إلى أماكن سيطرة المعارضة، حيث باتت عمليات القهر والاعتقال والملاحقة والاغتيالات تنشط بقوة في مناطق هذه المناطق، ومع أن كل الدلائل واضحة، وتشير إلى طرفين لا ثالث لهما، وهما الأيادي التي تعمل مع النظام، وأيادي الشريك الآخر في ذبح السوريين من أمثال منظمة القاعدة ومن يدور في فلكها، حيث بات السوريون في وطنهم يواجهون هذه الآلة من القتل والخطف والابتزاز، وأمام انسداد الأفق، يجدون أنفسهم في مساومة مع النظام لاختيار الضرر الأقل عليهم، وهكذا يخضعون لشروط الابتزاز ويعودون إلى مناطق سيطرة النظام.

اليوم تتحمل المعارضة مسؤولية تاريخية عما يحدث للّاجئين السوريين العائدين تحت مظلة هذا القهر، ومطلوب منها بالحدود الدنيا أن تصنع إعلاماً حقيقياً يفضح سير هذه العودة، وبما يجعل المجتمع الدولي يطرح مسألة الرقابة على العائدين أمام عينيه، ومن يدري، لعل هذه الخطوة فقط تنجح، وهذا إذا فكرت هذه المعارضات بترك الفنادق والتكلم حول هذا الأمر ولو مؤقتاً.

أحمد العبدلله 
المصدر: مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي