المتخصص الدبلوماسي والاستراتيجي الدكتور حسان فرج للمرصد: لا يمكن أن نتكلم عن فشل المفاوضات إلا عندما يتوقف المسار
المرصد السوري لحقوق الإنسان:
يبدو أن المفاوضات السياسية السورية تتجّه إلى منعطف جديد، بعد وصول اللجنة الدستورية إلى مسار مسدود، وبعد دعوات المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون إلى ضرورة التسريع في إجراء حوار دولي حول سورية.
ويرى الدكتور حسان فرج المتخصّص بالعلوم الدبلوماسية والإستراتيجية، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان لا يمكن أن نتكلم عن فشل إلا عندما يتوقف المسار، إذ كان هناك انطباع عام في الوقت الحالي عن فشل عمل اللجنة الدستورية، والتي هي أحد السلال الأربعة التي تم تحديدها كخطوات عملية لتطبيق القرار 2254 على مسار الحل السياسي.. فالأمر يعود لعدة عوامل:
1- عدم وجود الضغط الكافي، دولياً وداخلياً، على طرف النظام للخوض بالعملية الدستورية. دولياً، بسبب المماطلة التي قام بها النظام، والتي غض النظر عنها الطرف الروسي، واكتفى بتصريحات رسمية بأنه داعم للحل السياسي حسب مقررات 2254، وأنه مع إتمام عمل اللجنة الدستورية طالما هي من ضمن مسار سوتشي وباتفاق مع الدول الضامنة بهذا الاتجاه، وكجزء من مقررات 2254 واكتفاء الدول الغربية وأمريكا بانتظار تقدم عمل اللجنة.
2- من الناحية الداخلية، حالة الإحباط التي يعيشها السوريون إن كان في مناطق النظام أو في مناطق الإدارة الذاتية أو إدلب.. ففي جميع هذه المناطق ما زال المواطن يقبع تحت الضغط السياسي والاقتصادي الخانق، أضف لذلك غياب أبسط مقومات الحياة الطبيعية، كالخبز والمازوت والكهرباء، والوقوف في الطوابير القاتلة، وبالذات في مناطق النظام القابع تحت العقوبات الأمريكية وعقوبات قيصر، المرتبط إزالتها أصلاً بأي عملية سياسية حقيقة.. فغياب الحل السياسي لا يشدد العقوبات ويطيل أمد الأزمة فحسب، بل ويبعد حتى احتمال إعادة الإعمار وعودة اللاجئين وإطلاق سراح المعتقلين في القريب العاجل.
يبقى الخوف من أي تحرّك أو اعتصام أو مطالبة عقلانية بدستور ديمقراطي جديد، سيد الموقف، بسبب بطش النظام والخوف من صمت المجتمع الدولي، أضف إلى ذلك صمت الشعب في المناطق خارج سلطة النظام، إن كان في شرق الفرات أو غربه، بسبب وجود قوات قسد التي تنتهج نفس نهج النظام في عمليات القمع من جهة، ووجود المتطرفين في الطرف الآخر، البعيدين كل البعد عن أي مشروع ديمقراطي حقيقي جامع للبلد وعن حرية التعبير الغائبة كلياً.
3- عدم تحديد مدة زمنية لإتمام عمل اللجنة، فبعد سنوات من تأسيسها لم تعطِ أي نتائج أو أي تقدم ملحوظ، اللهم الاتفاق الأخير مع بيدرسن على أساس مناقشة المبادىء الدستورية، ومن ثم مواد الدستور، على أن يكون بين كل اجتماع وآخر 3 أشهر، يعني إذا تم مناقشة هذه المبادئ مع الـ152 مادة في الدستور سيتطلب الأمر على الأقل 40 عاماً.. فهل هذا معقول؟
هذا الأمر ترك الباب مفتوحاً للنظام للقيام بانتخابات، حسب دستور 2012، لا تتحلى أصلاً بأبسط مقومات النزاهة من حيث حرية الانتخاب، وإشراك العدد الأكبر من الشعب السوري في الداخل والخارج، كناخب أو مرشح، كذلك غياب الرقابة في الداخل، وعدم الثقه بالعملية برمتها في الخارج، تلك العملية معروفة النتائج، 90 % ومافوق. هذا الأمر أعطى الفرصة للنظام لإعادة التنفس من جديد، وفرصة لإعادة ترتيب أوراقه الداخلية والخارجية خلال الـ7 سنوات القادمة، فهو لم يخرج من اللجنة الدستورية ليعطي الانطباع باستمراره في العملية السياسية، علماً أن الأسد وضح برسائل عديدة للداخل والخارج بأنه غير معني بعملها، ضارباً بعرض الحائط الاتفاقات السابقة والواسطة الروسية بهذا الاتجاه، والتي جاءت أساساً لإبعاد الحلول العسكرية.. واليوم النظام هو من يلجأ للحلول العسكرية إن كان في جبل الزاوية بإدلب أو في درعا، بحجة تحرير الأرض من الإرهابيين وإعادة بسط السلطة من جديد.
من هذا المشهد، ومن بعد لقاء بايدن/ بوتين، تبين وتحقق أن لا حل جذري قد وضع على الطاولة، ولا في القريب العاجل، وإنما إعادة الحديث عن فتح معابر لإدخال المساعدات الإنسانية بعد إصرار الأمريكان على فتح جميع المعابر، كاليعروبية بين كردستان العراق والإدارة الذاتية لإدخال المساعدات، وكذلك باب السلامة، إلى جانب باب الهوى في الشمال، وكذلك معبر نصيب في الجنوب بين الأردن وسوريا، حسب اتفاق 2014، الذي انتهت صلاحيته منذ شهر، وتم الاتفاق على تمديده لسنة يتم مراجعته بعد 6 أشهر، لكن دون البت بفتح بقية المعابر غير باب الهوى، والذي تصرّ عليه روسيا، فالمساعدات تريدها روسيا الاتحادية أن تمر بدمشق محاولة إعطاءها جزءاً من السيادة التي تفتقدها.. على أمل إعادة تأهيل النظام في المرحلة اللاحقة بسبب انسداد الحل السياسي واستمرار العقوبات التي يدفع ثمنها الشعب السوري.
من هذا المنظار، يمكن فهم الموقف الأردني، والذي بدأ يتأزّم داخلياً أيضاً بسبب استمرار الأزمة السورية، فتصريحات العاهل الأردني يجب أولا فهمها من خلال سياق الوضع الحالي.. فماذا على الأردن فعله بسبب إغلاق معبر نصيب، والذي تمر منه قوافل الناقلات للبضائع التجارية القادمة من سوريا ولبنان، ويذهب قسم منها إلى السعودية، وكذلك عبورها بالاتجاه الآخر، فهذه الحركة تدر المليارات بفضل الرسوم الجمركية للملكة الأردنية التي هي بحاجة ماسة لها لرفع مستوى الاقتصاد المتأزّم أصلاً، بوجود 900 ألف لاجئ سوري، والذين يمثلون، حسب قول العاهل الأردني، 7/1 من سكان الأردن، فالأردن بهذه الحالة يطالب بفتح هذا المعبر بسبب تأخر الحل السياسي، فوجود الأسد لا بد من التعامل معه كأمر واقع لحلحلة الأزمة الاقتصادية في الأردن والتي كادت تتحول لأزمة سياسية بعد محاولة الأمير حمزة للانقلاب على حكم الملك عبد الله الثاني، فالملك عبد الله بتصريحاته الأخيرة حاول أن يوصل رسالة للأمريكان بالتعامل مع هذا النظام على مبدأ المطالبة بتغيير السلوك وليس تغيير النظام، الأمر الذي سيضع الإدارة الأمريكية أمام خيارين، إما قبول الأسد كأمر واقع والتعامل معه، أو أن تقوم بدعم الأردن وتعويضه عن الخسارات التي يتحملها بسبب استمرار الأزمة السورية.
طبعاً النظام استغلّ هذا الظرف وتقدّم نحو درعا لبسط السيطرة عليها ونقض اتفاق 2018 من أجل:
1- تجاوباً مع المقترح الأردني بفتح وتأمين معبر نصيب من خلال السيطرة على الجنوب.
2- البحث عن انتصار بعد نتائج الانتخابات وخطاب القسم البعيد عن أي حلول سياسية مع المعارضة أو الخوض في عمل اللجنة الدستورية، لإضفاء بعض من الشرعية، وفرض الأمر الواقع على الدول الغربية من أجل التعامل معه في ملفات المهاجرين ومن ثم الإعمار، لهذا السبب نرى النظام يحضّر لمؤتمر اللاجئين 2 في هذه المرحلة .
3- صعوبة القيام بعملية عسكرية كبيرة في شمال غربي البلاد، بسبب التفاهمات الروسية – التركية، والتي اقتصرت على بعض المناوشات في جبل الزاوية، محاولة لفتح الطريق M4 بين اللاذقية وحلب، وفي الشمال الشرقي، بسبب التفاهمات الروسية – الأمريكية.
4- ارادة ايران لان تكون حرة طليقه في الجنوب السوري تحسبا لاي اشتباكات لاحقة مع اسرائيل او لاستعمالها كورقة ضغط في ملف المفاوضات القائم مع الولايات المتحدة حول الملف النووي الايراني المتعلق باتفاقية 2015.
مما سبق نستنتج أن الوضع السوري ما زال متعلقاً بالتفاهمات الدولية، والذي حاول بيدرسن توضيحه بقوله: “إن الصراع بات دولياً والحل ليس بيد السوريين”. لذلك نجد بعض الأصوات بدأت تتعالى في الغرب بالدعوى لمؤتمر دولي جديد طالما مقررات 2254 التي تمت في ظروف عام 2015 قد اختلفت اليوم كلياً عن الظروف القائمة اناذاك، والتي تتطلب تعديلاً له للدفع بعملية الحل السياسي المتعثر إلى يومنا هذا.
لذلك اليوم، وبسبب الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب السوري في كل مكان، في المخيمات، وفي جميع مناطق النفوذ دون استثناء، وارتباط الأوضاع اليوم فقط بكمية المساعدات التي ستصل دون التحدث عن حلول نهائية، الأمر الذي يجعل المسؤولية كبيرة على السياسيين السوريين، وبالذات خارج سلطة النظام، بالبحث والعمل الحثيث لإيجاد حلول للبلد، وهذه الحلول لابد وأن تنطلق من مبدأ بناء دولة القانون، دولة المواطنة المتساوية، والعمل السريع على التغيير من خلال هذا المبدأ.. “فحراك دستوري سوري عام” أصبح ضرورة إنقاذية للبلد تعمل عليه القوى الديمقراطية داخل وخارج الوطن ، لأن فيه جميع الحلول المطلوبة ولجميع السوريين دون استثناء، فهو يتجاوز الانقسامات التي حصلت ويبعد التجاذبات الدولية نحو هذا الطرف أو ذاك ويوحد الجهود نحو الخلاص السوري دوليا وداخليا ، حفاظاً على وحدة البلد، أرضاً وشعباً.