المثلث الروسي التركي الإيراني هل يصمد؟ القلق من تداعياته تخفّفها تباينات المصالح
نقل التغيير المتسارع في مسار السياسة الخارجية التركية في الاشهر القليلة الماضية الانطباعات في شأن رئاسة لا بل شخصية الرئيس التركي رجب طيب اردوغان واحكام قبضته على السلطة في تركيا بيد من حديد من النقيض الى النقيض على المستوى الاقليمي كما الدولي ويمكن قراءة هذه النقلة بوضوح في الحجم الواسع للانتقادات الدولية التي باتت تتعرض لها سياسته ودخوله شخصيا في جدال مع مسؤولي عواصم مؤثرة. الا ان التغيير الذي تعدى الوضع الداخلي في تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف شهر تموز الماضي الى ” محورية” اقليمية دولية على وقع التقاء روسي ايراني تركي هو الذي بات يترك ردود فعل ومقاربات مختلفة مما يحفز على متابعته من زاوية انعكاساته والتغييرات التي يمكن ان يدخلها على المشهد الاقليمي المتطور في المنطقة. وليس خافيا ان هناك بعض المخاوف او الخشية التي يبديها البعض من هذا الالتقاء، الا ان مصادر ديبلوماسية ومن دون التقليل من اهمية ما يحصل ترسم معوقات على خط استمرار وجود تباينات لا يستهان بها بين روسيا وطهران وكذلك بين روسيا وتركيا وبين الدول الثلاث جميعا في ظل حسابات متعددة ينبغي ان يأخذها كل منها في الاعتبار. وعلى هذا الاساس تقول هذه المصادر ان مسألة تحرك تركيا مع طهران وروسيا امر مختلف عما يجمع بين طهران وروسيا في تحالف واحد في شأن سوريا. ولا تبدي هذه المصادر على هذا الاساس قلقا مبالغا فيه من التحول الذي شهدته الايام الاخيرة على اثر الزيارة التي قام بها اردوغان الى روسيا ولقائه رئيسها فلاديمير بوتين ثم التحول في اتجاه اوتوستراد سياسي مفتوح مع ايران. تعتبر هذه المصادر ان ما يجري انما هو محكوم بمجموعة عوامل لعل ابرزها: ان هناك قلقا مشتركا كبيرا يجمع تركيا مع ايران لجهة المخاوف التي بات يثيرها اخيرا احتمال قيام دولة كردية في سوريا على حدود تركيا. فايران من جهتها التي تضم اعدادا توازي 16 في المئة من عدد سكانها من الاكراد والتي اعدمت اخيرا عددا لا بأس به من السنة الاكراد تواجه تحديات بدورها خصوصا ان اضطرابات امنية حصلت في المناطق الكردية في ايران ايضا. وهذا السبب الاساسي والجوهري لا يجوز اغفاله من المعادلة على قاعدة ان نشوء دولة كردية في سوريا انما يعرض مصالح دول الجوار المعنية والمنخرطة في الحرب السورية الى خطر ليس اقله احد الاحتمالات الا وهو تهديد الامن القومي في المنطقة وتشجيع حصول تقسيم في المنطقة لا تحتمله هذه الدول. من هذه الزاوية بالذات يتم تقديم التبريرات لتركيا في ما قد يفهمه البعض انضواؤها من ضمن المحور الروسي الايراني الذي يستفيد معنويا في اطار توسيع هامش التلاقي السياسي ويوظفه من ضمن احتمال البحث عن حل سياسي مقبول في سوريا. وذلك علما ان المصادر الديبلوماسية لا ترى في ما يجري من معارك مستمرة خصوصا في حلب سوى مزيد من اطالة الحرب بين كر وفر فيما يحاول كل فريق ان يعزز اوراقه التفاوضية من دون ان يعني ذلك اقتراب افق الحل. وهذا يجري على خلفيتين احداهما تقوم على ما يعتقده كثر “سذاجة” اميركية (متعمدة او عفوية) لجهة الاقتناع بصدقية روسيا في البحث عن حل في سوريا ورغبتها فيه في الوقت الذي باتت سوريا تشكل ميدانا خصبا لها لتجربة اسلحتها وعقد مزيد من الصفقات على وقع ما بات يقره الجميع لها من نفوذ لا يمكن تجاهله في سوريا. وليس قليلا ان تتمكن روسيا من ان تحظى بقاعدة عسكرية في ايران للانطلاق منها من اجل توجيه ضربات عسكرية في سوريا،. والخلفية الاخرى هي استفادة المحور الروسي الايراني من الوقت الضائع اميركيا في حمى الانتخابات الرئاسية وقبل وصول ادارة جديدة.
التفهم للاسباب الخاصة التركية يخفف من وقع ما يقرأه البعض من تحول سياسي تركي من دون تجاهل او اهمال اهميته والذي تتم قراءته على وقع كل تفاصيل التطورات الحاصلة في المنطقة. لكن المصادر الديبلوماسية المعنية تعتبر ان ما تحصده تركيا راهنا انما يعود الى مسؤوليتها الكبيرة عما وصلت اليه الامور في سوريا خصوصا مع تجاهلها اقفال حدودها امام توجه الجهاديين المتطرفين الى سوريا في الوقت الذي يعتقد انه اضافة الى الهم المشترك مع ايران من نشوء اقليم كردي مستقل في سوريا وما يعنيه ذلك على مستوى المنطقة هناك ما تسعى ايران بدورها الى انقاذه من الورقة السورية التي امتلكتها كليا زمن الرئيس بشار الاسد وبات يتعين عليها ان تأخذ في الاعتبار انها لن تعود اليها كما كانت ايا يكن الاستثمار المالي والبشري الذي ضخته من اجل المحافظة على بقاء الرئيس السوري، وان يكن هناك معلومات ترددها بعض المصادر الديبلوماسية عن وجود رأيين مختلفين داخل ايران بالذات حول موضوع الحل في سوريا. وكذلك هناك المصالح الاقتصادية حول خطوط امداد النفط والغاز والتي يشكل استمرار الحرب وسيلة لتعزيز المواقع والحصص فيها بين الدول المعنية اي روسيا وايران وتركيا ولو ان هذا امر ضخم ويستحق التوقف عنده بالتفصيل نظرا لاهميته الكبرى.
روزانا بومنصف
النهار