” المجلس العربي في الجزيرة والفرات”.. أبعد من الايديولوجيا
منذ أن أصبحت الحالة السورية صراعاً محتدماً بين القوى الدولية والإقليمية ، سعتْ الأخيرة إلى تقويض وحدة القبائل والقوى السياسية الفاعلة في المنطقة الشرقية ( دير الزور، الحسكة، الرقة) تخوفاً من أنْ تشكل وحدة جيبوليتكية تهدد مصالحها. قابل ذلك خسارة النظام للمنظومة القبلية، التي ظلت لعقود من الزمن تنحصر مهامها بدور الوسيط لا الضامن، ما جعل منطقة الجزيرة والفرات فريسة سهلة لفواعل جديدة، في مقدمتها الجماعات الإسلامية المتطرفة، التي باتت اليوم قاب قوسين أو أدنى من انتهاء مهامها، لتبدأ مرحلة جديدة، تبدو فيها المنطقة الشرقية مفتوحة على جميع الاحتمالات الأسوأ، إما بسبب الآثار التي تركتها هذه الجماعات المتطرفة، أو بسبب تداعيات ما بعد القضاء عليها.
أمام هذه المدخلات، دعا تيار الغد السوري للملتقى التشاوري الأول للقبائل والقوى السياسية العربية السورية في المنطقة الشرقية في القاهرة يومي 19-20 من سبتمبر/ أيلول الجاري، ليكون هيئة جامعة لأبناء المنطقة الشرقية، التي أصبحت تحت وطأة صراع مقيت، تُختزل جلّ آلامه وتعقيداته في جغرافيا مازال أهلها يرزحون تحت جحيم يومي، لم يتوقف منذ ما يقارب السبع سنوات.
في دلالات تنظيم الملتقى، شكل التمثيل المتنوع لرموز قبائل المنطقة، وقواها السياسية والاجتماعية، محاولة لتحييد الحالة الإيديولوجية و استقطاباتها، وإعطاء الأهمية للقواسم المشتركة التقليدية التي وحدتْ البنية المجتمعية تاريخياً.
وعلى هذا الأساس، انبثق عن الملتقى التشاوري ” المجلس العربي في الجزيرة والفرات” ليكون – كما جاء في بيانه الأول- مسؤولاً أمام الهيئة العامة للمجلس، وتعبيراً سياسياً مستقلاً يحمل على عاتقه مصالح سكان المنطقة، ودورهم في الدفع نحو إدارة شؤونها، في ظل تغييب شبه كامل للقوى والفعاليات الاجتماعية القبلية والفكرية والسياسية العربية في هذه المحافظات، وليكون ” المجلس العربي” قوة مضافة في رسم مستقبل سورية، انطلاقاً من خصوصية شكلت فيها القبائل العربية بعداً ثقافياً يعكس وجه سورية العربي، ومؤكداً على وحدة سورية، وإخراج السوريين من أتون صراع دامي، تم الاشتغال علية بشكل ممنهج، لتفتيت بناه الاجتماعية، والثقافية، والجغرافية، والسكانية، وتكريس حالة الانقسام بين أبناء المدينة الواحدة والدم الواحد، في لحظة تاريخية أصبحت فيها المنطقة الشرقية مركزاً للصراع الدولي والإقليمي.
وبسبب ما لحق المنطقة من تهميش تاريخي من قبل النظام، جعلها في أذهان الكثيرين تُختصر بمسمياتها المقيتة التي اشتهرت بها، مثل المناطق النامية، أو النائية أو البعيدة. وهو التهميش ذاته، و الفكرة ذاتها التي انسحبت على أداء المعارضة السورية الرسمية، التي تجاهلت المنطقة بشكل كامل، سواء من الناحية السياسية أو الإعلامية، بل وعجزت جميع مكونات المعارضة، عن إدارة مخيم للنازحين، في منطقة أصبح معظم سكانها في المخيمات، بعد أنْ عانوا ويلات الرزوح تحت حكم داعش، قبل أنْ يهيموا على وجوههم في صحارى التشرد، وعدم القدرة على التنقل داخل مناطقهم، التي شكلتْ سلة الغذاء السوري، وقلب الاقتصاد والثروات الباطنية، حيث تتموضع مناطق النفط والغاز والمحاصيل الزراعية.
وأمام استحقاقات ذلك، أطلق ” المجلس العربي للجزيرة والفرات” أعماله، كدعوة لمنهج علمي وعملي، لا يحتمل أية خلافات أو ثنائيات سلبية، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو عسكرية، في زمن تتهدد فيه هويتنا ووجودنا بالزوال.
هو نداء من سنبلة تجوع، و فرات يعطش، وجسر مازال معلقاً في القلوب، وهو فرصة نستحضر من خلالها معنى التاريخ، حين يتمدد من تل براك و موزان والأحمدي إلى قلعة ” رحبة مالك بن طوق التغلبي”، وهو يخوض حروبه مع الخوارج، مروراً بباب بغداد عند ” رافقة الرشيد”، حيث تصدح أصوات ربيعة الرقي، والفراتي، والعشاري، وجعفر الرحبي، وعبد السلام العجيلي، وشفيق الكمالي، وغيرهم الكثير..
باختصار: لسنا قبليين ولكننا تاريخ من القبائل حمتْ الأقليات، ودافعت عنها، قبل أنْ يكتب العالم المتحضر شرعة حقوق الإنسان، ولنا في أرمن الجزيرة والفرات أنموذجاً وحكايا..
لسنا قبليين ، لكننا الأغلبية العربية، التي طالما اكتوتْ اضطهاداً وتهميشاً قبل هذا القبح.
الكاتب : د. محمد خالد الشاكر